«الصحفيين» تناشد المسئولين عن انتخابات النواب بتسهيل عمل أعضائها    مسابقة معاون نيابة إدارية لخريجي دفعة 2024    محافظ كفر الشيخ يشهد بروتوكول تعاون مع الخارجية لإتاحة خدمات التصديقات    وفاة معلم أثناء طابور الصباح في القاهرة    انخفاض أسعار البيض اليوم الخميس في بورصة الدواجن    بوتين يصل إلى الهند في زيارة تستغرق يومين    القومي للمرأة ينعي الحاجة سبيلة علي أحمد عجيزة رمز العطاء الوطني    الكرملين: الهند شريك رئيسي لروسيا.. والعلاقات بين البلدين متعددة الأوجه    توروب يكلف محلل أداء الأهلي بمهمه خاصة استعدادا لمباراة إنبي    اسكواش - ثلاثي مصري يتأهل إلى نصف نهائي هونج كونج المفتوحة    بيان من نادي كهرباء الإسماعيلية بسبب الشائعات بين المرشحين على مواقع التواصل    ضبط شخص بسوهاج لتوزيعه أموالًا على الناخبين لدفعهم للتصويت    إجراءات التقديم لامتحان الشهادة الإعدادية 2026    فتح باب التقديم للمسابقة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، الشروط وقيمة الجوائز    ياسمين الخيام تكشف التفاصيل الكاملة لوصية والدها بشأن أعمال الخير    مستشار الرئيس للصحة: مستشفى صدر العباسية له الفضل فى خفض حالات الدرن بمصر    صحة شمال سيناء تتعاون مع جامعة شرق بورسعيد الأهلية لتعزيز الرعاية الطبية والتدريب    7 أخبار لا تفوتك اليوم الخميس 4 - 12 - 2025    حمدان وبن رمضان وجهًا لوجه.. التشكيل الرسمي لمباراة فلسطين ضد تونس    خالد جلال: تكريمي من وزارة الثقافة يمنحي طاقة جديدة لمواصلة مسؤوليتي تجاه الفن والشباب    عمرو مصطفى: أعتذر لكل من ضايقتهم وأشكر الهضبة    مصر تستهدف جذب الشركات الأمريكية للاستثمار في قطاع التعليم    تحويلات مرورية في القاهرة.. تعرف عليها    نائب رئيس الوزراء: القيادة السياسية تضع الملف الصحي على رأس الأولويات الوطنية    السفيرة الأمريكية بالقاهرة: نسعى لدعم وتوسيع الشراكة الاستراتيجية مع مصر    البورصة تسجل مستوى تاريخي جديد مقتربة من 41500 نقطة بختام الأسبوع    «التجاري الدولي» يحصد جائزة بنك العام في مصر من مؤسسة The Banker    الإمارات تطلق مصنع متطور للمولدات الصديقة للبيئة ينضم إلى القطاع الصناعي في الشارقة    بوتين يؤكد توسيع السيطرة الروسية نحو نوفوراسيا وخاركيف وأوديسا    الاحتلال الإسرائيلي يعلن مقتل ياسر أبو شباب على يد مسلحين فى غزة    الداخلية تضبط شخصا يوزع أموالا على الناخبين بطهطا    الوطنية للصحافة تكرم أخبار اليوم كأفضل تغطية صحفية لافتتاح المتحف المصرى الكبير    في غياب الدوليين.. الأهلي يبدأ استعداداته لمواجهة إنبي بكأس العاصمة    الأهلي يتحرك لحسم ملف ديانج رسميًا.. وعرض جديد خلال ساعات    الطقس غدا.. تغيرات مفاجئة وتحذير من شبورة كثيفة وأمطار ونشاط رياح وأتربة    القاهرة الإخبارية: انتظام التصويت بدائرة الرمل في الإسكندرية.. والشباب يتصدرون    وفاة الشاعر والإذاعي فوزي خضر وتشييع جثمانه اليوم بعد صلاة العصر    لجان لفحص شكوى أهالي قرية بالشرقية من وجود تماسيح    أبو الغيط: جائزة التميز الحكومي رافعة أساسية للتطوير وتحسين جودة حياة المواطن العربي    رغم إصابته في أحداث 7 أكتوبر.. نتنياهو يدافع عن قرار تعيين سكرتيره العسكري رئيسا للموساد    إفريقيا وأزمة المياه.. تحديات متصاعدة تنذر بمستقبل صعب    هل بول القطط نجس؟ وحكم الصلاة فى المكان الملوث به.. الإفتاء تجيب    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى أوسيم دون إصابات    «الأوقاف»: تعديل القيمة الايجارية لأملاك الوقف    "تعليم القاهرة" تدعو الطلاب لضرورة الاستفادة من المنصة اليابانية    لماذا يرتفع ضغط الدم فى الصباح وكيفية التعامل معه؟    موعد صلاة الظهر..... مواقيت الصلاه اليوم الخميس 4ديسمبر 2025 فى المنيا    وزير الزراعة يدلي بصوته في جولة إعادة انتخابات مجلس النواب بدائرة الرمل    محكمة جنح أول الإسماعيلية تؤجل نظر محاكمة والد المتهم بجريمة المنشار    الحقيقة الكاملة حول واقعة وفاة لاعب الزهور| واتحاد السباحة يعلن تحمل المسئولية    الصحة: مباحثات مصرية عراقية لتعزيز التعاون في مبادرة الألف يوم الذهبية وتطوير الرعاية الأولية    رمضان 2026| سوسن بدر تتعاقد علي «توابع »ل ريهام حجاج    اليوم الثاني للتصويت بالبحيرة.. إقبال لافت من الناخبين منذ فتح اللجان    هل وجود الكلب داخل المنزل يمنع دخول الملائكة؟.. دار الإفتاء تجيب    استقرار أسعار الذهب اليوم الخميس.. والجنيه يسجل 45440 جنيهًا    اللهم إني أسألك عيش السعداء| دعاء الفجر    دولة التلاوة.. المتحدة والأوقاف    كأس إيطاليا – إنتر ونابولي وأتالانتا إلى ربع النهائي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يا ويلك من الملازم أول
نشر في الشروق الجديد يوم 13 - 09 - 2014

مكثت سنوات طويلة فى المعتقل كان الضابط يحضر إلينا برتبة ملازم فنظل معه ويظل معنا حتى يصل إلى رتبة العميد أو اللواء ونتابع حياته كما يتابع حياتنا، حتى يكاد كل منا يعرف الآخر جيدا ونتصادق ونتحاب بحسب استعداد كل منا لذلك.. وخلال هذه الرحلة الطويلة المملوءة بالضحك والبكاء والسراء والضراء كنا نشكو كثيرا ممن ممارسات الرتب الصغرى من الضباط.. وعلى الأخص الملازم والملازم الأول.
وفى أحد الأيام ذهبت أنا وبعض الإخوة إلى مدير المباحث وكان برتبة عميد لنشكو له تصرفات طائشة لملازم أول فإذا به يتنهد قائلا: «يا ويلك من الملازم أول وشموخه ومتاعبه».. فقلت له: «وهل يعقل أن هذه الرتبة تضايقكم أنتم؟!».. فقال فى حسرة: «إنهم يسببون لنا مشاكل كثيرة ويظنون أنهم ملكوا زمام الكون بالعصفورتين على كتفه».
كان هذا الحوار منذ قرابة عشرين عاما كاملة أدركت بعدها أن هذه الشريحة العمرية تمثل أزمة فى كل مكان كما أنها فى الوقت نفسه تحمل طاقات إيجابية هائلة لو تم توجيهها التوجيه الصحيح.. فهى عماد العمل فى كل القطاعات ومنها الشرطة وكذلك الدعوة فى الحركة الإسلامية.. ولكنها السبب أيضا فى كل السلبيات والخروقات فى كليهما معا.
تذكرت ذلك كله وأنا أتابع قصة الملازم أول الذى ضرب الجندى فى معسكر العريش حتى مات لأنه لم يقتنع بمرض الجندى وعدم قدرته على حضور الطابور التدريبى الشاق.
وقصة ملازم أول دمنهور الذى أحب فتاة وتقدم لخطبتها عدة مرات وفى كل مرة يقابل بالرفض فأخذ يطاردها فى عملها فاستغاثت بخالها فحدثت مشادة بينهما فأخرج الملازم على إثرها مسدسه وأفرغه فى عنقه فمات على الفور.. وأخذ الملازم يصيح بعد ذلك: لم أقصد ولا أدرى كيف حدث هذا؟
وتذكرت الملازم أول الذى فى سجن دمنهور فى التسعينات وكان فى غاية التهور والنزق وكان يعلق المعتقلين على الأبواب ويضربهم بالكرابيج ويتبع سياسة العقاب الجماعى للعنبر كله دون أن يأمره أحد بذلك أو ينهاه عنه.. وتسبب فى خلع عين أكثر من معتقل.. ثم دارت عليه الدوائر بعد إبعاده عن السجن بفترة وفصل من الخدمة نهائيا .
وتذكرت أيضا ملازم أول عين حديثا فى السجن فى الثمانينات وكان يمر دوما على شاويشية العنابر فإذا وجد شاويشا فى الحمام أو يتوضأ أو يأكل أو يصلى أمر بسجنه أو الخصم من مرتبه.. فضج الشاويشية واشتكوه إلى مدير السجن الذى زجره ووبخه وأمره ألا يوقع فى دفتر أى شاويش.. وسحب منه كل الاختصاصات.
وتذكرت أيضا ذلك الملازم أول الذى انضم وقتها إلى مباحث السجون فإذا بى لا أذهب ناحية الإدارة إلا ورأيته حاملا للكرباج يضرب به المساجين الجنائيين وهم يزحفون على بطونهم وهم يصيحون من الألم.. فقلت يوما لضابط كبير: أليس هناك عقل لدى هذا الملازم.. أيظن أنه ملك الكون كله.. فقال: إنه مجنون وقد تعلم هذه العادة السيئة من النقيب فلان الذى كان يضرب كل مسجون جديد على قفاه.. ولكنه صار الآن أسوأ منه.. ولولا أننى أمنعه عن المساجين السياسيين تماما لكنتم رأيتم منه أياما سوداء.
«يا ويلك من الملازم أول».. حكمة مازلت أرددها كلما رأيت شططا وخرقا يخرج من مثل هذا الشباب الغر المفتون بنفسه وسلطته وقوته حتى يقع فى كارثة أو مصيبة تضيع مستقبله وتذل أنفاسه ويمكن أن تضعه فى السجن كما حدث مع ملازم العريش ودمنهور أو قناص العيون.
إن الدنيا كلها أقل شأنا من أن يغتر بها الإنسان أو تغريه بظلم الآخرين من جنوده، فضلا عن خصومه الذين ساقهم القدر ليكون مسئولا عنهم ولا حول لهم ولا قوة.
ومازلت أذكر حتى اليوم أول حالة طبية معقدة قابلتها بعد تعيينى كطبيب امتياز فقد أتى إلى َّ مجند من فرق الأمن فقد النطق بسبب ضربه فى المعسكر 50 عصا على يديه فلم تستطع نفسه أن تتحمل هذه الإهانة أو يردها فأصابه ما أصابه.
وأذكر أن شقيقى الأصغر المرحوم أحمد كان مع مجموعة من المعتقلين فى التسعينات فى فرق الأمن بأسيوط فابتلاهم الله بملازم أول مجنون كان يريهم من ألوان الهوان والعذاب مالم يؤمر به ولا يعرفه رؤساؤه.. وكان يختار نوبة الليل حتى يفعل بهم ما يشاء.. ومن فرط نزقه أنه كان يأتى بمعتقل سياسى ويجبره على شرب حلة عدس كاملة أمامه وإلا ضربه ضربا مبرحا.. حتى أوقع الله هذا الملازم فى خطأ جسيم مع أحد رؤسائه فحوكم وطرد من الخدمة.. مع أن اكتشاف أمر هذا الملازم وجنون العظمة التى كانت لديه لم يكن يخفى على أحد فقد كان معروفا لدى كل المعتقلين والجنود ومادة لسخريتهم حتى اليوم.. ولم يكن يحتاج كل هذا الوقت وكل هذا الإهدار فى كرامة الناس ولا كل هذه المآسى التى تركها خلفه حتى يكتشف أمره.
وكان أخى المرحوم أحمد ظريفا ودودا ذا عقل راجح.. فكان كلما جاء دوره فى التنكيل به احتال على الملازم ليسرد عليه أجمل النكات وأحدثها فيألفه وينسى دوره فى التنكيل به.. وكان يحكى لى عن الأعاجيب فى تقلبات مزاج هذا الملازم مما يضحك ويبكى فى الوقت نفسه.
إن رتبة الملازم والملازم أول تعد مصدر قوة وحيوية فى الداخلية وغيرها ولكنها أحيانا مصدر شقاء لها ولأصحابها أيضا.. وهى تشابه إلى حد كبير نزق وانفلات بعض الشباب فى الحركة الإسلامية الذين يندفعون نحو العنف أو التكفير أو التفجير دون عقل أو تريث أو حكمة.
إنها مأساة هذه الشريحة العمرية التى ظلمناها جميعا فلم نعلمها ونراقبها ونحاسبها جيدا .. وهى ظلمتنا بتقديم أسوأ الصور عنا وتشويه صورتنا لدى الآخرين.
وصدق ابن مسعود حينما قال «الشباب شعبة من الجنون».. وقد أنكرت هذه الكلمة واستهجنتها ورفضتها فى شبابى وحماستى وتهورى.. ثم أدركت قيمتها وعظمة معانيها فى سنوات نضجى وعقلى.. وهى تتشابه وتتشابك مع قولة عميد الشرطة «يا ويلك من الملازم أول»
إنها إحدى القضايا العميقة التى تحتاج إلى حل جذرى.. فكيف نوازن بين اعتداد الضابط بنفسه وقوته فى الحق.. وبين تواضعه للناس وانكساره أمام رب الناس.. وأنه حارس للقانون وليس أول من يخرقه.. وأن الشريعة أوصته قبل القانون بالأسير من الأعداء الذين يحاربوننا فكيف ببنى وطنه من الجنود أو السجناء فى الأقسام والسجون.. «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينا وَيَتِيما وَأَسِيرا».
وكل هذا لا يعنى التعميم على كل أصحاب هذه الرتب.. ولكن معظم الخروقات والمظالم تأتى من هذه الرتب الصغيرة بالذات التى تحتاج أن تعيش دوما مع دعاء النبى صلى الله عليه وسلم «اللهم إنى أعوذ بك أن أكون فى نفسى عظيما وعندك حقيرا».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.