انتخابات النواب 2025، إقبال ملحوظ على لجنتي عثمان بن عفان وشجرة مريم بالمطرية (صور)    وزير قطاع الأعمال: تعزيز وزيادة مجالات التعاون مع البنك الدولي خلال المرحلة المقبلة    الحكومة البريطانية ترفع 3 كيانات وأفراد سوريين من قائمة العقوبات    أوكرانيا تعلن استهداف مصفاة نفطية روسية ومنصة بحر القزوين    مسئولة أممية: نسعى لمنع تكرار سيناريو دارفور في كردفان    الأهلي الثاني وترتيب متأخر للزمالك، الأندية الأكثر تمثيلًا بلاعبيها في أمم أفريقيا    المحمدي: ظُلمت في الزمالك.. ومباريات الدوري سنلعبها كالكؤوس    تفاصيل صادمة حول وفاة الفنانة نيفين مندور بسبب حريق منزلها    ضبط 2600 لتر ألبان فاسدة قبل وصولها لمنافذ البيع ببني سويف    سرقة بمنتصف الليل، اعترافات 3 عاطلين أمام النيابة بتفاصيل السطو على شركة بمدينة نصر    أم كلثوم.. حين تتحول قراءة الرمز إلى تقزيم    بعد فوز رواية عسل السنيورة بجائزة نجيب محفوظ.. شريف سعيد: دار الشروق الأهم في الشرق الأوسط    قائد ميليشيا مناوئة لحماس في غزة يقرّ بتنسيق كامل مع إسرائيل: "علاقتنا علاقة أخوّة ويمدّوننا بالسلاح"    «أندرية زكي»: خطاب الكراهية يهدد السلم المجتمعي ويتطلب مواجهة شاملة    إقبال على التصويت بجولة الإعادة في انتخابات مجلس النواب بالسويس    شوبير: بلعمري قريب من الأهلي.. وتوروب يضع حامد حمدان ضمن أولوياته    اتجاه في الزمالك لتسويق أحمد حمدي في يناير    شوبير يوضح تفاصيل عرض لاعب الزمالك على الأهلي خلال الميركاتو الشتوي    دعمًا لقضايا المرأة.. محافظ قنا يقود دراجة مع الفتيات في ماراثون رياضي    الرقابة المالية توافق على التأسيس والترخيص ل 6 شركات بأنشطة صندوق الاستثمار العقاري والتخصيم والتمويل العقاري وإدارة الصناديق    إقبال الناخبين على مدرسة النهضة بالشرابية بأول أيام إعادة انتخابات النواب    محافظ قنا يوجه بحملات على مجمعات المواقف للتأكد من السلامة الفنية للسيارات    درجة الحرارة 1.. غيوم وأمطار غزيرة على مدينة سانت كاترين    مشاهد عائلية لافتة في لجان المطرية بجولة الإعادة لانتخابات النواب    السيدات وكبار السن يزينون صفوف الناخبين في جولة الإعادة بالبساتين    حقيقة إصابة محيي إسماعيل بالغيبوبة    «الست» تتصدر شباك التذاكر.. أبرز إيرادات أفلام دور العرض المصرية    المصرف المتحد يرعى المسابقة العالمية للقرآن الكريم في نسختها الثانية والثلاثين    «الرعاية الصحية» تعلن تفعيل حزمة من الخدمات الطبية المستحدثة بالأقصر    محافظ أسوان يشيد بنجاح جراحة دقيقة للعمود الفقرى في مستشفى دراو المركزي    قاضى قضاة فلسطين: الدور المصرى تجاه القضية الفلسطينية ممتد وتاريخى    عرض مسرحي في الأوبرا يتتبع روايات «باكثير» احتفالا بمرور 115 عاما على ميلاده    "متبقيات المبيدات" يستقبل وفدا صينيا رفيع المستوى لتعزيز جهود فتح الأسواق العالمية    عاجل- الأرصاد السعودية تحذر: أمطار ورياح شديدة على منطقة حائل    مواعيد مباريات منتخب مصر في أمم إفريقيا 2025 بالمغرب    بعد إدراج الكشري على قائمة اليونسكو.. رحلة في جذور الأكلات الشعبية المصرية    الأربعاء.. 18 فبراير 2026 أول أيام شهر رمضان فلكيًا    59 تهمة بينها 15 قتل.. تفاصيل التهم الموجهة لمنفذ هجوم سيدنى الإرهابى    تزايد اقبال المواطنين بلجان انتخابات الإعادة لمجلس النواب بالغربية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 17-12-2025 في محافظة الأقصر    متحدث وزارة الصحة يقدم نصائح إرشادية للوقاية من الإنفلونزا الموسمية داخل المدارس    مصر تواجه تغير المناخ بمشروع الإسكان الأخضر.. تنفيذ 68 ألف وحدة سكنية بتكلفة تتخطى ال 52 مليار جنيه..أكتوبر الجديدة وأسوان والعبور الجديدة والعاشر من رمضان أبرز المدن..المشروع يستهدف ترشيد استهلاك الطاقة.. صور    إصابة ثلاثة طلاب من جامعة بنها جراء اعتداء بمياه النار في كفر شكر    بعد إدراج الكشري في اليونسكو.. التراث غير المادي مهدد بالاندثار دون توثيق    أبو الغيط: الاحتلال يُمعن في إفراغ وقف إطلاق النار بغزة من مضمونه    الصحة تكشف تفاصيل تجديد بروتوكول مواجهة الطوارئ الطبية لمدة 3 سنوات جديدة    اسعار الخضروات اليوم الاربعاء 17 ديسمبر 2025 فى اسواق المنيا    الآن.. سعر الجنيه الذهب اليوم الاربعاء 17-12-2025 في محافظة قنا    رسل الموت تنزل فى سراييفو    مرونة الإسلام.. وخلافات الصحابة    سعر الدولار اليوم الأربعاء 17 ديسمبر 2025 في مصر    «كامل أبو علي»: أتمنى فتح صفحة جديدة وعودة العلاقات مع الأهلي    إي اف چي هيرميس تنجح في إتمام الطرح الخاص للشركة العملية للطاقة» وإدراجها في بورصة الكويت    السجن 5 سنوات لعامل بتهمة إشعال النيران بسيارة مياه معدنية فى قنا    وفاة نيفين مندور بطلة فيلم "اللي بالي بالك"    «ترامب» يحذر فنزويلا من صدمة اقتصادية وسياسية غير مسبوقة    مصطفى عثمان حكما لمباراة البنك الأهلي ومودرن سبورت في كأس عاصمة مصر    خالد الجندي: لن ندخل الجنة بأعمالنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السجن والسياسة: رواية التاريخ
نشر في الشروق الجديد يوم 03 - 08 - 2014

لا أعتقد أن هناك سياسيا راشدا أو متصديا للشأن العام فى الدول الديكتاتورية، أو لنقل تهذبا الأقل ديموقراطية، لا يخطر بباله أنه قد يقضى بعض العمر خلف القضبان، لا لجريمة اقترفها، ولكن لرأى سياسى قاله بصراحة أو ثمنا لانتماء سياسى هنا أو هناك. لا يقتصر الموضوع على دولة بعينها ولكنها ظاهرة عالمية تعرض لها ساسة كثيرون فى العالم، بعضهم يتبوأ مناصب قيادية الآن!
مصر ليست شاذة عن القاعدة بكل تأكيد، فعبر سنوات تاريخها الحديث على الأقل تعرض كثيرون للسجن بسبب مواقفهم وانتماءاتهم السياسية، بل إن هناك ثلاثة رؤساء مصريون ذاقوا طعم السجن، منهم الرئيس الراحل أنور السادات والرئيسين الأسبقين حسنى مبارك ومحمد مرسى، مع الفارق أن الأول ذاق السجن قبل أن يصل إلى سدة الحكم، بينما ذاق الآخران السجن بعد أن تهاوت أنظمتهم السياسية فى السنوات الثلاث الأخيرة.
عرف نظام عبدالناصر بأنه الأكثر قسوة تجاه السياسيين المعارضين، وبشكل أقل كان الحال لأنظمة السادات ومبارك ومرسى، ولم يختلف الحال حاليا (على الأقل حتى الآن)! لست هنا فى موضع ذكر الأسماء والأعداد والظروف، فالإحصاءات والروايات الرسمية تختلف جذريا عن نظيراتها الحقوقية، ولا أريد قطعا تحميل هذه المساحة المحدودة ما لا تحتمله من الناحيتين القانونية أو السياسية.
•••
لفت نظرى لهذا الموضوع الشائك قراءة عدة مطبوعات أخيرا عن حياة السياسيين فى السجون، أحدها كتاب بعنوان المثقفون المسجونون Imprisoned Intellectuals حرره John James صدر فى عام 2003 يحكى عن تغير حياة وفسلفة ورؤية ثلاث وعشرين سجينا سياسيا وناشطا وأكاديميا أمريكيا للحياة بعد تجربة السجن أشهرهم مارتن لوثر كنج، وتقرير تحليلى آخر لشبكة البى بى سى بعنوان كيف تبدو الحياة فى السجن للسياسيين
?What is it Like for Politicians in Prison صدر فى مارس 2013 ويحكى قصاصات من حياة السياسيين البريطانيين فى السجون، فضلا عن بعض القصص الأخرى لسجناء سياسين فى أوروبا الشرقية وجنوب أفريقيا، هذه الكتابات كاشفة عن معضلات كثيرة فى العلاقة بين النظام والسجناء السياسين أثرت على مستقبل هذه الأنظمة عبر تغير رؤية هؤلاء السياسيين للحياة كلها، أطرح هنا بعضها على النحو التالى:
• فى حين أن السجن للمجرمين هو تهذيب وإصلاح، فإنه للسياسيين إعادة ميلاد، فالغاية من تطبيق العدالة على المجرمين تنتفى مع السجناء السياسيين، لأن الأخيرين يدركوا فور سجنهم أنهم ليسوا فى إطار تطبيق العدالة، ولكنهم فى سياق لعبة سياسية خطرة بينهم وبين النظام، وأن لحظة سجنهم ما هى إلا محطة من محطات متعددة للكر والفر عليهم دفع ثمنها عاجلا لغاية أسمى أجلا!
• فى هذه التجارب، كان السجن بمثابة مدرسة لتغيير رؤية السياسيين للحياة وجعلهم أكثر نضجا وإلهاما فى مناحيها من زاويتين، الأولى، أن الوقت يكون متاحا لهم بشكل أكبر للقراءة والاطلاع على علوم مختلفة من الفلسفة للتاريخ للدين لعلم النفس.. إلخ وهو عادة وقت لم يكن ملكا لهم قبل تجربة السجن، والثانية أن السجن يكون فرصة لهم للاحتكاك بغيرهم من السجناء السياسيين المنتمين لتيارات مختلفة يسارية أو يمينية مخالفين لتياراتهم أو حتى عبر احتكاكهم بالسجناء الجنائيين!
• فى التجارب المذكورة جميعا وبدون استثناء واحد، حصل السياسيون على شرعية جديدة بين جماهيرهم وأتباعهم والمؤمنين بأفكارهم، فمن كان أتباعه قبل السجن عشرة أصبحوا عشرين، ومن كانوا عشرين أصبحوا أربعين وهكذا، لدرجة أن هذه الشرعية الجديدة قد تكون غير مستحقة أو لنقل مبالغ فيها، لكن مجرد وجودهم داخل السجون كانت فرصة لخلق أساطير حول حياتهم ورؤيتهم وهو أمر لا يلتفت النظام إليه كثيرا لكن يدركه بالتدريج لاحقا.
• بعد السجن يكون الاحتمالين الأقل حدوثا للسجين السياسى هو مهادنة النظام أو الانسحاب كليا من المشهد بعد ألم التجربة، لكن يبقى الاحتمال الأكبر فى الحالات المذكورة، هو الاستمرار والاصرار على المنحيين السياسى والعقدى، بل ووصل الأمر بالبعض إلى التطرف فى معاداة النظام عن ذى قبل!
• كان الاحتمال الأقرب للسجناء السياسيين فى معظم هذه التجارب هو عدم العمل مجددا أو بقوة من داخل المؤسسات والأطر الرسمية والميل للعمل السرى أو غير الرسمى، مع إدراك السجناء السياسيين بعد التجربة المؤلمة لأهمية تكتيك التحالفات المرنة غير المعلنة حتى حققوا أهدافهم أو ماتوا دونها!
• فى حالة السجناء السياسين من الشباب، فإن الاحتمال شبه المؤكد هو التطرف ومعاداة النظام وعدم قبول اللعب داخل ترهاته والاصرار على إسقاطه بغض النظر عن نجاحهم فى ذلك من عدمه، فإن تدخل السجن وأنت فى العشرين أو على مشارف الثلاثين يعنى فى الأغلب أنك ستتحول إلى متطرف فى الأربعين وربما إلى حكيم أو زعيم فى الستين، إن أدركك العمر قطعا!
• فى حالة السجناء السياسيين الشباب أيضا، فإن قصص السجن وهالتها تصنع أساطير حولك تحولك أنت نفسك إلى أسطورة حية يتداولها جيلك، تتحول سريعا إلى وجدان عام يشكل وعيا جديدا يقاوم النظام ولا يقبل الحلول الوسط، فينتهى الأمر باغتراب أو تطرف جيلى يصعب علاجه مهما حاول الإصلاحيون لاحقا! وفى هذه النقطة تحديدا، كانت سجون جنوب أفريقيا ودول أوروبا الشرقية مثالا حيا على أساطير تم صنعها حول السجناء السياسين الشباب، تحولت إلى وعى جيلى انفجر فى وجه هذه الأنظمة جميعا!
•••
بالعودة إلى مصر، وبعيدا عن الأرقام المتضاربة هنا وهناك، فالحقيقة المؤكدة أنه بعد الثلاثين من يونيو هناك سجناء سياسيين معظمهم من الشباب يقفون خلف القضبان، ويدفعون أثمان سياسية بعضها متوقع والأخر لا يمكن استيعابه اذ أن منهم كثيرون وقفوا وساندوا نظام ما بعد الثلاثين من يونيو وياللغرابة! يكتب معظمهم من خلال وسطاء قصص السجن وعذابه وألامه، وفى عصر التواصل الاجتماعى السريع، تنتشر هذه القصص سريعا، وبغض النظر عن مدى صحتها أو دقتها، إلا أنها تتحول سريعا إلى أساطير بين الشباب، تخلق تباعدا واغترابا، بل وتطرفا ليس فقط تجاه النظام ورموزه الأمنيين والسياسيين، بل وحتى ضد أجهزة الدولة نفسها، والتاريخ يقول إنه ما لم يتخذ النظام السياسى قرارا حكيما وذكيا بإنهاء هذه الأوضاع الاسثنائية فإننا أمام احتمالين لا ثالث لهما، فإما أن تنفجر هذه الأساطير الشابة فى وجه النظام والدولة والأجيال الأكبر أجلا أو عاجلا، أو تنتهى بحالة اغتراب وانسحاب عام بين الشباب والدولة (لا النظام فقط)، وفى كلا الاحتمالين خطورة كبرى على كل شعارات وأهداف ومساعى النظام البراقة من الاستقرار عبورا بالإنتاج والمصالحة الوطنية وصولا إلى الأمن القومى.
•••
كاتب هذه السطور كان يستطيع إنهاء المقال عند الفقرة السابقة واضعا نقطة وقف، ولكن لإدراكه لحساسية القضية وما قد تسببه من سوء فهم بحسن نية أو اصطياد فى الماء العكر بسوء نية مبيتة، فإنه واختصارا لجدل عقيم متوقع، يقولها بوضوح، لا يهدف هذا المقال لأن يفلت المجرمون أو الإرهابيون من العقاب، ولكنه يدعو للتفرقة بين من يثبت من خلال منظومة العدالة الحقة غير المسيسة بأنه بالفعل ارتكب أفعالا ضد القانون تحريضا أو تنفيذا وعليه أن يلقى جزاءه إذا، وبين من يقضى سنوات عمره خلف القضبان ثمنا لانتماء تنظيمى أو فكرى هنا أو هناك دون أن يرتكب جريمة، بين من يروع الناس ويرهبهم ويقتلهم، وبين من خرج متظاهرا أو معبرا عن رأيه هنا أو هناك بسلمية ولكنه يقضى أيامه فى السجن لأن قانونا مخالفا للدستور طبق عليه أو حتى لأنه مجرد مشتبه به قد تم الزج به فى السجن عشوائيا تحت دعوى فرض الهيبة والنظام. قال التاريخ روايته عن قصص السجناء والنشطاء السياسيين قبل وبعد القضبان، فما قولكم؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.