-1- الابتهال نوع من الدعاء يتمثل فى اجتماع فردين أو أكثر يطلبون من الله إيقاع لعنته على الكاذبين منهم، وهذه الصورة من الدعاء تسمى «المباهلة» أى الملاعنة، أى أن كل فرد فيهم يقول «لعنة الله على الكاذب» وذلك ليتحمل الإنسان مسئولية نفسه فيصدق بينه وبين ربه، فلا نتصور عاقلا يعلم أنه كاذب ثم يدعو على نفسه. وهذه المباهلة قد ذكرها القرآن مرة واحدة فى سورة آل عمران. ف«المباهلة» بلفظها القرآنى تعنى شدة الإلحاح فى الدعاء لإنزال اللعنة على الكاذب. وهكذا رأينا ثقة الرسول صلى الله عليه وسلم فى دعوته وفى نفسه إذ يبادر باستدعاء أهله يطلب منهم أن يؤمنوا على دعائه. أما أولئك المكذبون فلم يجرؤوا على الاستجابة للمباهلة لثقتهم الأكيدة فى كذبهم وافترائهم، ولو قبلوا وحضروا وتباهلوا لحلت عليهم اللعنة. والمباهلة مبدأ التشريعى ورد فى القرآن مرة واحدة ليعلمنا وضع النقط على الحروف إحقاقا للحق وتحذيرا للمتخاصمين من كذب الادعاء وضرورة الصدق والاعتراف وعدم المكابرة. -2- ففى صحيح الحديث والسيرة النبوية ما يؤكد حضور وفد نصارى نجران للمدينة لمناقشة ومجادلة النبى صلى الله عليه وسلم. ودار الحوار التالى بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين زعيمى وفد نجران: قال لهما صلى الله عليه وسلم: «أسلما» قالا: «أسلمنا» قال صلى الله عليه وسلم: «ما أسلمتما» قالا: «بلى قد أسلمنا من قبلك» قال صلى الله عليه وسلم: «كذبتما، يمنعكم من الإسلام ثلاث خصال فيكما: عبادة الصليب، وأكلكما الخنزير، وزعمكما أن لله ولدا»، وقرأ عليهم: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ*الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ)، فلما فرغ من تلاوة الآيات، قالا: «لا نعرف ما تقول». فأنزل الله قوله تعالى: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ* إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). وعلى الفور قال لهما صلى الله عليه وسلم: «إن الله أمرنا إن لم تقبلوا هذا أن نباهلكم».. فقالا: «يا أبا القاسم، بل نرجع فننظر فى أمرنا ثم نأتيك».. ثم خلا بعضهم ببعض فقرروا مشاورة اليهود من سكان المدينة فاستشاروهم، فأشاروا عليهم أن يصالحوه ولا يلاعنوه حيث إنه هو «النبى الذى نجده فى التوراة». فصالحوا النبى صلى الله عليه وسلم على الجزية نظير تمتعهم بحماية المسلمين لهم فى بلادهم. ومادام القرآن قد استعمل هذا اللفظ «نبتهل» فى هذه المناسبة، فالأفضل تخصيص الألفاظ «الابتهال» و«المباهلة» على حالة الجدل كمخرج بين المتجادلين. أما غير ذلك فالمشهور هو الدعاء، فالدعاء عام، أما المباهلة والابتهال فهو دعاء مخصوص مشترك بين المتجادلين. أما لفظ «اللعنة» أعاذنا الله جميعا منه وباعد بيننا وبين غضبه ولعنته، فهو لفظ شديد الوقع على الأذن والقلب والعقل. فالمعروف المبدئى أن اللعنة إذا أصابت أحدا استأصلت وجوده الحالى والمستقبلى، فحالت دون عودته بل إن اللعنة إذا حلت على أحد من الخلق فإنها تغلق أبواب التوبة فى وجهه لأنه رفض أبوابا كثيرة للرجوع عن إغضاب ربه، وتمادى فى شروره. وقد جاء فعل اللعن فى القرآن أكثر من 20 مرة، أما لفظ «اللعنة» أعاذنا الله منها فقد ورد صحيحا 13 مرة فى القرآن، فقد جاء فى حق الكفار أكثر من مرة (..فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ) وفى حق الظالمين أكثر من مرة (لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ). فلنتفق الآن على تخصيص مصطلح «الابتهال» للتعبير عن إصرار المتجادلين كل منهما على رأيه، فهو دعاء مخصوص بهذه المناسبة، ونصحح صفة «مبتهل» التى نصف بها «المنشدين» الذين ينشدون الدعاء، فالأفضل أن يسمى «منشد» وليس «مبتهلا».