أنزل الله تعالى القرآن الكريم فى شهر رمضان على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا القرآن هو الدستور الأعلى للحياة، وسكانها، فقد تضمن القرآن جميع الخطوط العريضة لتصحيح مسار الحياة، وضمان عدم فساد الأرض، وعدم طغيان الناس. ونظرا لحاجة الناس لهذا القرآن الكريم، فقد أنزله الله ميسورا سهلا على كل من يريد قراءته وتدبره، قال تعالى (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ..)، وقال (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) أى: (متفكر). 1 وقد تفضل الله على جميع خلقه فجعل القرآن «محفوظا باقيا» إلى آخر الحياة الدنيا لا يصل إليه عبث، ولا يناله تحريف أو ضياع. وذلك تكرما منه عز وجل كى لا يضل الناس فقال تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ). ومع حفظ الله للقرآن فقد سماه ذكرا، لأن القرآن يجب أن يبقى مذكورا منتشرا لا يتكلف الناس شيئا للحصول عليه حتى لا يخرج أحد ولا يتعب أحد فى سبيل الوصول إلى القرآن والتعرف عليه. 2 وقد افتتح تنزيل القرآن بقوله تعالى (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ) فقراءة القرآن طاعة لله وعبادة مهما كان عدد الآيات التى تقرأها، فقد قال تعالى (فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسّرَ مِنَ الْقُرْآنِ). وأكّد الرسول صلى الله عليه وسلم أن قراءة القرآن عبادة لها أجر عظيم، حيث قال: «ألا إن لكل حرف فى القرآن عشر حسنات، ولا أقول لكم (آلم) حرف، ولكن (آ) حرف، و(ل) حرف، و(م) حرف»، فإذا كان عدد كلمات القرآن أكثر من 72000 كلمة، فى كل كلمة عدد من الحروف، فكم يكون عدد حسنات من يقرأ القرآن! ولذلك يكثر عدد المتعبدين بتلاوة القرآن سواء فى المساجد أثناء الصلاة أو بعدها أو خارج المساجد، كما أن الناس قد تعودوا استثمار هذه العبادة الأكيدة، وجعلوها فى جلسات العلم أو الأفراح أو العزاء، بل اتفقوا على عدم بداية أى حفل إلا بتلاوة القرآن الكريم. وفى صحيح الحديث النبوى سأل أحد الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أحب شىء يتقرب به الناس إلى ربهم، فقال ج «بتلاوة القرآن» فسأل أبو ذر «بفهم وبغير فهم؟» فقال صلى الله عليه وسلم «بفهم وبغير فهم» فكررها أبو ذر ثلاث مرات، وأكدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفى المرة الثالثة قال صلى الله عليه وسلم «بفهم وبغير فهم، رغم أنف أبى ذر» 3 وقراءة القرآن عبادة خاصة فليس مطلوبا أن يمسك الإنسان مصحفا بيده فى كل مرة، بل يستطيع المسلم حفظ الآيات، وإتقان تجويدها ثم يقرأها من محفوظاته كما قلنا فى كل حالة من أحواله قائما أو قاعدا أو على جنبه، وهنا يعتبر قارئ القرآن ممارسا لعبادتين هما عبادة قراءة القرآن، وعبادة ذكر الله، وقد توارثت الأمة نموذج قراءة ونطق القرآن الكريم، وتمييز كل حرف من حروفه ميراثا صحيحا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قرأه صلى الله عليه وسلم أمام الصحابة مرات كثيرة، وحيث أمر كتاب الوحى بكتابته، كما استمع إلى الصحابة وهم يقرأون، ثم دون العلماء قواعد علم التجويد والتزم بها كل من يريد كما أجازت المذاهب الفقهية تفرغ أفراد من الناس يتخصصون فى حفظ القرآن ثم فى تحفيظه لغيرهم أو تعليمه لهم. وكلنا يرى القرآن فى رمضان، فالناس يقرأون القرآن فى بيوتهم، ويسعون كل ليلة ليسمعونه فى صلاة القيام بمعدل جزء كل ليلة أو أكثر ويختمونه قبل نهاية الشهر، كما أن وسائل الإعلام تنقل للناس جميعا القرآن صوتا وصورة، فضلا عن نقل صلاة التراويح كل ليلة من الحرمين وغيرهما. فهل يزين كل مسلم لسانه ويطهره ويثقفه بتعلم وإتقان تجويد القرآن ويمارسه عبادة وثقافة وحجابا من الجهل؟