«شعب متدين بطبعه».. مصطلح يتردد صداه في أرجاء المجتمع المصري، فعندما يشاهد البعض فتاة غير محجبة، أو تردي ملابس قد يراها غير «لائقة»، تجده يردد عددا من الكلمات التي تخدش حياءها وتمس كرامتها. ويصاحب تلك الكلمات، في أحيان كثيرة، صافرات «الإعجاب» بإحدى الفتيات المارة بالشارع، بل وقد يصل الأمر إلى الوصف الدقيق لملابسها أو حتى ملامسة أجزاء من جسدها، ولأننا شعب «متدين بطبعه»، فعندما تحاول فتاة الاستغاثة بأحد المارة من أية محاولة للتحرش بها، تجد كلمات تأنيب حادة تكاد تحول التهمة إليها بدلا من «الجاني الحقيقي». «التحرش.. مأساة شعب قديمة» وقد يعتقد البعض أن قضية التحرش بدأت في الفترة التي تلت ثورة 25 يناير، ولكن في الحقيقة القضية تعود إلى ما قبل ذلك، ثم اتخذت منحى أكثر انحرافا بعد هذا التاريخ. ففي عيد الفطر العام 2006 وفي وسط العاصمة، اندفع جمع من المراهقين والشباب نحو عدد من الفتيات والنساء يتسابقون لملامسة أجزاء من أجساد الفتيات، رافق الحادث في حينه أحداث متزامنة في حي المهندسين. أما في عام 2008، صدر أول حكم قضائي يجرم التحرش الجنسي، حيث قضت محكمة بالسجن لمدة ثلاث سنوات بحق مواطن لإدانته بجريمة التحرش ضد مخرجة الأفلام الوثائقية «ن ر»، والتى ذكرت فى أحاديثها الصحفية آنذاك أنها كانت مستعدة للموت ولا يفلت من تحرش بها من العقاب، ووقتها حصلت على الحكم رغم عدم النص عليه صراحة فى القانون وذلك باجتهاد من القاضى، حيث أصدره بالقياس على جرائم أخرى، ولكن هذا الحكم لم يتكرر لعدم وجود نص في قانون العقوبات المصري. وبعيدا عن الحادثتين، يمكن القول إن حوادث التحرش بالنساء بدأت في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك وتحديدا في عام 2005، وذلك وفقا لتصريحات حقوقيون سابقة، حيث أكدوا أن النظام استعان بعدد من «المأجورين» تحرشوا بالمتظاهرات خلال مسيرة في وسط القاهرة، دعت إليها المعارضة لحث الناس على مقاطعة استفتاء على تعديلات دستورية أجراها نظام مبارك. وقالت منظمات حقوقية آنذاك، إن "الشهادات التي وثقتها مباشرةً من الضحايا ومن شهود العيان على الأحداث تثبت أن ما اقترفه أفراد الأمن وعصابات الحزب الوطني لم تكن أحداثا متفرقة، وانما كانت تنفيذا لتعليمات محددة استهدفت إذلال النساء"، مؤكدة أن الهجوم على النساء في التظاهرات كان يحصل أمام أعين ضباط أمن يرتدون الملابس الرسمية وأحيانا بناء على توجيهات مباشرة منهم. 25 يناير وتطور عجلة التحرش بعد انقضاء 18 يوما في ميدان التحرير هي فترة المظاهرات التي طالبت بسقوط مبارك ونظامه، والتي لم تسجل حالة وقوع حالة تحرش واحدة، وجدنا نار تلك الظاهرة بدأت تأكل في المجتمع، خاصة مع وجود التبريرات للمتحرش. ومن أبرز تلك الحوادث، في 11 فبراير 2011، وهي ليلة تنحي مبارك، ظهر في المشهد أولى حالات التحرش، وهي المراسلة الأجنبية لارا جاروان، مراسلة شبكة "سي بي إس" الأمريكية، والتي وصفت الحادث بأنه كان "اعتداءً جنسيًا جماعيًا من قبل مجموعة من الأشخاص". شهد التحرير في 19 فبراير 2011، عملية تحرش جماعي على يد مجموعة من «البلطجية» الذين اعتدوا على زوج إحدى السيدات بالضرب، ثم اقتادوها من ميدان عبدالمنعم رياض إلى طلعت حرب في مسيرة تحرش جماعية. وخلال المظاهرات التي صاحبت ثورة 30 يونيو 2013، حيث خرج الملايين للمطالبة بإسقاط نظام الرئيس الأسبق محمد مرسي، وحكم جماعة الإخوان المسلمين، تعرضت عضوة بالاتحاد النسائي المصري، ومتطوعة بمبادرة ''قوة ضد التحرش والاعتداء الجنسي الجماعي''، لاعتداء جنسي جماعي بميدان التحرير. وفي حادث أذهل عدد كبير من المصريين، في 8 يونيو 2014، حيث احتفالات تنصيب الرئيس الجديد عبدالفتاح السيسي، تحول المشهد من رقص وزغاريد فرحا بقدوم الرئيس المنتظر إلى نداءات استغاثة وصرخات إحدى الفتيات لنجدتها من أيد لا تعرف الرحمة، حيث تم تجريجها من ملابسها كاملة في مشهد بشع، ظهر وكأن قطيع من الكلاب المسعورة قد التفت حول فريسة لا حول لها ولا قوة، وأخذت تنهش في لحمها. المنظمات الحقوقية واستجداء قانون جاهدت منظمات حقوق الإنسان وخاصة حقوق المرأة لوضع قانون من شأنه التصدي لتلك الظاهرة، حيث لم يكن بالقانون نصا مماثلا، وأعد المركز المصري لحقوق المرأة، في نهاية عام 2011 وبعد بدء ظهور حالات تحرش، مشروع قانون لمواجهة التحرش الجنسي ونص على «عقاب كل من تحرش بغيره سواء كان ذكرا أم أنثى دون إرادته بالحبس مدة لا تتجاوز السنة وبغرامة لا تتجاوز ألفي جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين». وبعد فترة من الوقت تزايدت حالات التحرش، وبعد إصدار دستور 2014، خرج إلى النور نص لمواجهة تلك الظاهرة، حيث نصت المادة 11 على أن: «تلتزم الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف، وتكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل، كما تلتزم بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمُسنة والنساء الأشد احتياجًا». «منصور والسيسي» في مواجهة «التحرش» قبل أيام من انتهاء فترة ولايته، أصدر المستشار عدلي منصور رئيس الجمهورية السابق، تعديلا على قانون مواجهة التحرش، لينص على ينص القانون الجديد على أن يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد عن خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية، سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية واللاسلكية. وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن 5 آلاف جنيه ولا تزيد على 10 آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا تكرر الفعل من الجاني من خلال الملاحقة والتتبع للمجني عليه. وبعد حادث التحرير في ليلة الاحتفال بفوز الرئيس عبدالفتاح السيسي بمهام منصبه الجديد، وجه الرئيس تعليماته لوزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم بضرورة تنفيذ قانون التحرش ومواجهة تلك الظاهرة، ليزور بعد ذلك الفتاة في المستشفى وقدم لها «اعتذارًا عما حدث، ووعدها بمحاسبة مرتكبي الحادث».