انتشر التحرش الجنسي في شوارع مصر بشكل مخيف ، فبعد أن تفشت تلك الظاهرة تتزايد المطالب بإيجاد إجراءات صارمة للحد منها ، وخرجت مسيرات لناشطات بميدان التحرير لتدين هذه الظاهرة . كما أصبحت التظاهرات تعج بالتحرش الجنسي ، ويحلل البعض ذلك بأنه "ممنهج" وذلك لمنع الفتيات من الخروج إلى الاحتجاج ، فقد أعربت ناشطات في مجال حقوق المرأة وبعض الناجيات من الضحايا عن اعتقادهن بأن "تلك الاعتداءات تهدف إلى إبعاد النساء عن الأماكن العامة وإسكات صوتهن وخنق روح المعارضة فيهن" . وناشدت كل المجموعات الثورية ، والأحزاب السياسية ،ومنظمات المجتمع المدني سرعة التحرك لمواجهه الاعتداءات الجنسية والتي تهدف إلي إرهاب المتظاهرات وتشويه صورة ميدان التحرير.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد فقط بل وصل إلى حالات اغتصاب جماعي بميدان التحرير ، فهنا يتبادر إلى الاذهان تساؤلات هل أصبح ذهاب الفتيات والنساء جريمة عقوبتها التحرش ؟ ومن المسئول عن وقوع تلك الجرائم البشعة التي تهز المجتمع المصري؟.
الإفلات من العقاب ونظرا لبشاعة هذه الجرائم ، حذرت منظمة العفو الدولية من أن إفلات مرتكبي التحرش والانتهاك الجنسي من العقاب في مصر يؤدي قد إلى تزايد وتيرة الاعتداءات ضد النساء خاصة في المنطقة المحيطة بميدان التحرير في القاهرة، في وقت شاركت ناشطات في مسيرة بالميدان، رفضا لهذه الظاهرة.
وأشار تقرير للمنظمة صدر الأربعاء الماضي ، إلى أنه جمعت شهادات عدد من الناجيات من ضحايا تلك الهجمات، وتوصلت إلى نتيجة مفادها وجود نمط معين يجمع بين الاعتداءات التي وقعت، مما يكشف عن وجود مجموعات معينة تنفذها وتستهدف ضحايا بعينهن.
وعن هذا النمط، قالت المنظمة إن "مجموعة من الرجال تقوم عادة بالاعتداء على النساء اللواتي لا يتواجدن برفقة أحد ما أو أنهم يحرصون على إبعاد الضحية عن زملائها وبشكل يتزامن مع تزايد سريع في أعداد أفراد المجموعة المعتدية".
و"من ثم يجري سحل الضحية إلى داخل حلقة من التجمعات الغوغائية بينما تبادر مجموعة من الأيادي وحتى الأسلحة في بعض الأحيان إلى الوصول إلى جسد الضحية وانتهاكه مع محاولة أولئك الرجال نزع ملابس الضحية عنها"، حسب ما أضاف التقرير.
وطالبت نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمنظمة، حسيبة حاج صحراوي الرئيس المصري، محمد مرسي، باتخاذ خطوات حاسمة في سبيل وضع حد لانتشار ظاهرة الإفلات من العقاب والتمييز القائم على الجنس.
وشددت على ضرورة إجراء تحقيقات نزيهة وشاملة بغية تحديد ما إذا كانت تلك الهجمات الجماعية تنظم من أطراف مرتبطة بالسلطات، أو أخرى غير مرتبطة بها، وضمان مثول الجناة أمام العدالة.
وكانت منظمات حقوقية مصرية قد تلقت "19 بلاغا عن وقوع اعتداءات عنيفة بحق النساء بتاريخ 25 يناير 2013 في محيط ميدان التحرير"، حسب "العفو الدولية".
اعتراف حكومي ويبدو أن الحكومة ربما تخطو خطوات نحو تلك الظاهرة إلا أن هذه الخطوات جاءت متأخرة ، فتعليقا على هذه الظاهرة قالت ميرفت التلاوي رئيس المجلس القومي للمرأة أمس الأحد أن "لقاء جمع بينها وبين رئيس الوزراء المصري هشام قنديل للقضاء على ظاهرة التحرش الجنسي التي تزايدت بشكل خطير الفترة الحالية، مما يستدعي تدخلا حكوميا رسميا لمكافحة هذه الظاهرة".
ولفتت التلاوي أن رئيس الوزراء في لقائه معها أكد على عدد من النقاط الهامة لمكافحة والقضاء على هذه الظاهرة ومنها "تحريك دعاوى جنائية ضد مرتكبى هذه الجريمة، وإعداد رسائل وتنويهات إعلامية لخلق رأى عام مساند وسرعة الانتهاء من إعداد مشروع قانون ضد العنف والتحرش، وتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية للمواطنين". وأشارت التلاوي إلى ضرورة إصدار قانون ضد العنف بشكل عام وليس التحرش فقط ، وأن تكون لائحته التنفيذية قوية.
وأقرت التلاوي بوجود حالات اغتصاب وقفت عليها لجان المجلس القومي للمرأة خلال زيارتها لبعض المستشفيات . مشيرة إلى أن تلك الظاهرة سياسية أكثر منها جريمة جنائية، واتهمت مجموعات منظمة وممنهجة بالعمل على التحرش بالنساء في التظاهرات في محاولة لإبعادهن عن المشاركة في الحياة السياسية.
ودعا نشطاء مصريون في وقت سابق السلطات لتعديل قانون العقوبات المصري لإقرار قانون ينص على معاقبة المتحرشين سواء من الرجال أو النساء، بالحبس مدة لا تتجاوز سنة وبغرامة لا تجاوز ألف جنيه (ما يعادل 170 دولارًا أمريكيًا) أو بأحدهما، سواء كان التحرش تم بواسطة المغازلة الكلامية، أو اللمس، أو من خلال المحادثات التليفونية، أو الرسائل العاطفية سواء تم ذلك عبر الهاتف المحمول أو الإنترنت أو الرسائل المكتوبة أو الشفوية.
وكان "المركز المصري لحقوق المرأة"، وهو أحد المراكز الحقوقية، قد نشر تقريرًا مؤخرًا، قال فيه، إن 83 % من المصريات و98% من الأجنبيات الزائرات لمصر يتعرضن للتحرش الجنسي، إلا أن القليل منهن يبلغن عن ذلك ، خوفا من الإضرار بسمعتهن.
وأصدرت المحاكم المصرية عام 2008 أول حكم قضائي يجرّم التحرش الجنسي، حيث قضت محكمة بالسجن لمدة ثلاث سنوات بحق مواطن لإدانته بجريمة التحرش ضد مخرجة للأفلام الوثائقية.
ولكن هذا الحكم لم يتكرر نظرا لأنه لا يوجد نص في قانون العقوبات المصري يشير إلى تعريف دقيق للتحرش ويعتبره جريمة، وصدر ذلك الحكم باجتهاد من القاضي، حيث أصدره بالقياس على جرائم أخرى.
وقفات عالمية
وقد انتشرت مسيرات تندد بالتحرش الجنسي بميدان التحرير، ورفعت الناشطات لافتات كتب عليها "ميدان آمن للجميع، ولا للتحرش"، كما رفضن ما اعتبرنه تحرش ممنهج يستهدف المتظاهرات والناشطات المعارضات لحملهن على عدم التظاهر بالميادين.
وخرجت عدد من التظاهرات النسائية والشعبية مؤخرا للتنديد بالحوادث المتكررة للتحرش الجنسي والتي شهدتها مناطق مختلفة في مصر، ورصدها مراقبون حقوقيون، مؤكدين أن الظاهرة في تزايد خطير.
كما دعت صفحة "انتفاضة المرأة في العالم العربي" علي الفيسبوك لوقفة إحتجاجية أمام السفارات المصرية في جميع دول العالم غدا الثلاثاء للتنديد بظاهرة التحرش والإرهاب الجنسي علي المتظاهرات المصريات.
وأشارت الصفحة في دعوتها أن هذه الوقفة تأتي بمثابة تضامن مع المتظاهرات المصريات اللاتي يدفعن ثمن مشاركتهن في الثورة المصرية وتأمين ميدان التحرير.
حملت الدعوة الحزب الحاكم مسئولية عدم إصدار قوانين صارمة لمعاقبة المتحرشين بالإضافة إلي عدم قيام الشرطة بحماية المواطنات المصريات، وتغاضي الحكومة عن جرائم التحرش والإعتداء الجنسي كما أدانت تقبل المجتمع لظاهرة التحرش الجنسي وتركيز وسائل الأعلام علي حياه المعتدي عليهن بدل علي التركيز علي الإعتداء ألأجرامي. وفي اطار التنديد أيضا تنظم حركة "بنات مصر خط أحمر"، والتى تقوم بمواجهة ظاهرة التحرش الجنسى فى مصر، ورش تدريبية لكل الراغبين فى الانضمام إلى الفريق الميدانى للحركة على كيفية مواجهة التحرش.
ويتضمن برنامج التدريب عدة فعاليات أهمها: التعريف بسياسة الحركة، الخطة الميدانية للتصدى للتحرش الجماعى، أنواع المتحرشين، كيفية التعامل مع المتحرشين فى حالات التحرش الجماعى العنيف، كيفية التعامل فى محيط الفاعلية مع المارة والبائعين، كيفية التعامل مع الضحية.
ومن المقرر أن يتم الإعلان عن تاريخ بدء التدريبات خلال الأسبوع الجارى، حيث يتم تنظيم الفعالية فى مقر حزب الخضر المصرى فى 6 شارع يافع أبو اليزيد متفرع من شارع مراد الجيزة.
حتى المذيعات
ولم تسلم الاعلاميات اللاتي يقمن بالنزول إلى الميدان للقيام بعملهن ، حيث تعرضت سونيا دريدي مراسلة قناة "فرانس 24" في مصر، لتحرش جنسي في ميدان التحرير أثناء تغطيتها للمظاهرات التي خرجت تحت شعار "مصر مش عزبة" في أطتوبر الماضي .
ونقلت حادثة التحرش على الهواء مباشرة حين كانت دريدي تقدم تقريراً من الميدان للقناة، وبحسب ما قالت دريدي فإن جمعاً من الشباب قاموا بمحاصرتها وأخذوا يلمسونها، وأوضحت أن التحرش استمر دقائق عدة قبل أن يتمكن صديق لها من إنقاذها.
وقالت دريدي وهي فرنسية من أصل جزائري: "لقد حُوصرت من كل الجهات، وأدركت لاحقاً، حين أعاد أحدهم إغلاق أزرار قميصي أنها كانت مفتوحة ولكن غير ممزقة، وبفضل الحزام الصلب (الذي كانت تضعه) تفاديت الأسوأ".
وبعد أن وجدت نفسها "محاصرة في ما يشبه التحرك الشعبي، حيث تمت ملامستها"، لجأت الصحفية إلى مطعم للوجبات السريعة في ميدان التحرير بحسب تصريحاتها.
وأعلنت سونيا دريدي حينها أنها ستتقدم بشكوى، بينما أعلنت القناة الفرنسية في بيان أن "إدارة فرانس 24 تدين بشدة الاعتداءات المتكررة على جميع الصحافيات اللواتي ينبغي أن يمارسن عملهن بحرية في كل أنحاء العالم". وحالة الصحفية الفرنسية سونيا دريدي ليست الأولى ولا تبدو أنها الأخيرة، إذ إن حوادث التحرش في مليونيات ميدان التحرير بالعاصمة المصرية في الميدان الذي انطلقت منه الثورة الشعبية التي أطاحت بالرئيس مبارك.