لا يمكن أن تخرج من معرض وليد طاهر «شهود»، إلا وأنت متيقن أنه يقصد شهود الثورة. فلا ينفع السحر الذى وضعه وليد على لوحاته الاكريليك، أن يجعلك تستبعد أن هؤلاء الشهود من زمن قبل 25 يناير. هناك الشاهد القاصر والشاهد المخنث والشاهد الأبكم والشاهد الأعمى والشاهد الجائع والشاهد الزور وشاهد الجبل. لكن الشاهد المتوسط المعلق على الحائط الرئيسى لقاعة جاليرى مصر بالزمالك، التى يديرها الفنان محمد طلعت، هو الأبرز ضمن اللوحات... ثمة حالة إعجاب بهذه اللوحة، من كل حضور المعرض الفنان أحمد شيحة، والمهندس إبراهيم المعلم رئيس مجلس إدارة الشروق، والدكتور شاكر عبد الحميد وزير الثقافة السابق وأستاذ فلسلفة الجمال، الذى كتب دراسة عن المعرض تحت عنوان: «المرئى واللامرئى فى معرض وليد طاهر». تلك اللوحة التى تشدك، كائن غريب يمزج بين الإنسان والحيوان، أو إنسان يلبس كالبهلوان، كأنه يستعد لحفلة «تهريج». ربما تراه شيطانا، أو بهلوانا. لكنه شاهد على حدث ما. ففى هذه الأعمال، كما رأى شاكر عبد الحميد، «حالة خفية من التهكم والسخرية الباطنية، نوع من التحريف والتشوية للأشكال، وثمة نظرة نقدية متفكهة متهكمة ساخرة ومنتقدة انعكست بطرائق عدة على الأوزان المعطاة للتكوينات والأشكال والشخصيات ورموزها، وتجسد أيضا فى موهبة وليد طاهر الخاصة التى تجمع فى مزيج مدهش بين التعبير الصارم الدقيق المنضبط وبين الروح الجزلى المرحة المحلقة المتحررة التى استمدها من عالم الكاريكاتير وجسدها فيه أيضا». المعرض الذى يستمر حتى نهاية الشهر الجارى، يضم العديد من اللوحات التى تدلنا على شهود كثر، كالشاهد الأعمى، الذى يقربه وليد من صورة الفيل، بألوان قاتمة مثل الأزرق الغامق، والرمادى المعتم. لكن ما يسترعى الانتباه وضعه لوحة الشاهد الأحمر كصورة رئيسية لبوستر المعرض، وهو شاهد يجمع بين صورة لبومة حمراء وكتكوت صغير يسعى للانتقام أو ربما مطلخ بالدماء. وحالة التأكيد - التى ربما تضر العمل - من أن تلك اللوحات «الشهود»، تعبر عن سنوات الثورة المصرية، أكدتها أيضا دراسة عبد الحميد الذى قال: «هكذا تتجمع هذه الشخصيات والتكوينات والانفعالات والحالات كلها فى أعمال وليد طاهر كى تشير إلى مصر وما جرى فيها، وما طرأ عليها من مشاهد، وكيف كان حال شهودها، وأيضا أنه ومهما ظن المتربصون بها أنها ساكنة أو صامتة أو خائفة، فإنها تكون، ودائما، مستجمعة لوثوب». ولا يمكن أيضا أن تخرج من معرض وليد إلا بطرح سؤالين، الأول لماذا لا تعرض مثل هذه الأعمال الجميلة المبهجة فى الشارع، بدلا من أن يراها وتتحدث عنها النخبة فقط؟، أو بالأحرى كيف نعرض تلك الأعمال على رجل الشارع؟ والثانى لماذا وضع وليد طاهر اسما لمعرضه، ووضع دلالة للوحاته بإطلاق أسماء الشهود عليها، أو بالأحرى كيف كنا سنتلقى لوحاته إذا لم يضع عليها أسماء وأصناف الشهود؟... أعتقد كانت ستكون أمتع؛ لأن الغموض أساس الفن.