مهنة البحث عن المتاعب تتحول إلى «تهمة» عقوبتها «الموت» في بعض الأحيان. يكفي أن تظهر في إحدى التظاهرات حاملًا كاميرا أو ورقة وقلم، لتصبح معرضًا للضرب أو القبض عليك، وصولًا للقتل بالرصاص الحي، كما حدث مع الصحفي الحسيني أبو ضيف والصحفية ميادة أشرف. «بوابة الشروق» أجرت عدة لقاءات مع عدد من المراسلين الذين تعرضوا لاعتداءات بمجرد إفصاحهم عن مهنتهم. «هنوريك يعني إيه إعلام» يتذكر أسلم فتحي، مراسل قناة «إم بي سي مصر» بمحافظة المنيا، مأساة حدثت له نهاية شهر أكتوبر الماضي، حينما كان يجلس إلى جوار والدته المريضة بالمستشفى، واستأذنها للذهاب لتغطية خبر انهيار مبنى. "هتسبني وأنا تعبانة يا أسلم؟"، سألته الأم باستنكار قبل أن يجيبها "شغلي يا ماما، هرجع بسرعة". ليتم بعد ذلك توقيفه في كمين للشرطة و"تبدأ رحلة التعذيب في قسم شرطة المنيا"، على حد قوله. "أنا صحفي".. هكذا كان يجيبهم عندما يلتقط أنفاسه بين "حلقات الركل والصفع المتتالية"، حسب قوله؛ ليرد أحدهم "إحنا هنوريك يعني إيه إعلام". خرج أسلم من النيابة ليبدأ بعدها رحلة البحث عن حقه، فبعض الحقوقيين قرروا التطوع لمتابعة قضيته، بينما "يتعرض الآن للتهديد هو وأصدقاؤه وأسرته للتنازل عن القضية"، على حد قوله. أسلم، الذي عاد لمزاولة مهنته، يقول: "الرب واحد والعمر واحد.. وكل حلمي لما أموت حد يجيبلي حق"، منددًا بما فعله ضياء رشوان، نقيب الصحفيين، بإعطاء ميادة أشرف العضوية الشرفية عقب استشهادها، وقال: "كلام فارغ، فين الشغل على أرض الواقع لما يكون ليا ضهر الناس هتخاف تقرب مني". «أنا صحفي = لكمة» إسلام الكلحي، المصور الصحفي بجريدة النهار، والذي تم القبض عليه بعد تغطيته لتظاهرة أمام نقابة الصحفيين، في الذكرى الثالثة للثورة مطلع العام الجاري، يشير إلى أنه بمجرد دخوله قسم الأزبكية قال للضابط: "أنا صحفي" فقام بتوجيه لكمة إلى وجهه، على حد قوله. يقول إسلام، الذي خرج من الحبس بعد القبض عليه بيومين: "لا شيء يساوي حياة الصحفي.. والأفضل أن يترك المراسل الاشتباكات ويرحل من أن يبقى ويتعرض للإصابة أو القبض عليه أو القتل، وأثناء التغطية يجب أن يكون على الحياد ولا يقف مع أي من الجانبين المشاركين في الاشتباكات". وطالب النقابة والمؤسسات الإعلامية، بتقديم دورات للصحفيين في كيفية تغطية الاشتباكات وذلك بعد أن ظهر جليًّا "تعمد استهداف الصحفيين"، وفق قوله. «الحذر في العمل» محمد عبد العال، مراسل قناة «سي بي سي» كان يؤدي عمله في تغطية حادث انفجار عبوتين ناسفتين أعلى كوبري الجيزة في يناير الماضي، عندما قام ضابط بالاعتداء عليه ركلًا وصفعًا. وخرج المراسل على الهواء، في مداخلة هاتفية مع اللواء مصطفى رجائي، رئيس قطاع الأمن المركزي بالجيزة، وسرد ما حدث فقال له المسؤول الأمني: إن "الداخلية في موقف صعب بسبب الأحداث" واعتذر له، دون أي وعد بمحاسبة الضابط الذي اعتدى عليه. عبد العال لم يعد يغطي عمله كما كان في السابق، فقال: "باخد حذري وأنا نازل مبقتش زي الأول"، مشيرًا إلى أنه يسعى للتواجد بعيدًا عن الاشتباكات، ولكن "لا بد أن أؤدي عملي دي رسالتي". "الموضوع يبدأ من المؤسسات الإعلامية والنقابة على مر العصور لم تأت بحق صحفي واحد.. اختلفت طريقة تعاملها مع قضايا الصحفيين باختلاف السلطة كما حدث مع الحسيني أبو ضيف وميادة أشرف". «نجاة من الموت» في 14 أبريل الماضي، كان خالد حسين الصحفي بموقع «اليوم السابع»، يغطي الاشتباكات بين قوات الشرطة ومجموعة من الطلاب داخل جامعة القاهرة، وفوجئ حسب قوله ب"مقذوف يدخل في ظهري ويخرج من صدري، فوق القلب بسنتيمترات قليلة". "أنا لم أفعل شيئًا غير تأدية عملي بمهنية، لم أتوقع أن تطلق الشرطة الرصاص الحي بهذا الشكل على جميع المتواجدين داخل الجامعة، ولكني لست نادمًا، وإن قدر الله لي الشفاء سأعود مرّة أخرى على موقعي المفضل في التغطية الميدانية". «الضرب المبرح ونزع الحجاب» "في 28 يناير 2014، تسببت جولة بميدان التحرير، الذي خلا حينها من أي تظاهرات، وصورة لجرافيتي على جدار الجامعة الأمريكية، في اعتداء بالضرب المبرح علي، وإساءات لفظية تستوجب المساءلة القانونية، ونزع حجاب الرأس الذي كنت أرتديه من قبل سيدة من قوات الأمن حاولت اقتيادي إلى سيارة الشرطة وسحب الهاتف المُستخدم في التقاط الصور"، هذا ما ذكرته آلاء سعد الصحفية ب«بوابة الشروق». وأضافت: "قلت حينها أنا صحفية ومش هسكت عن اللي حصل.. ليكون الرد من أحد الضباط الذين شاهدوا التعدي عليّ ومنعوا أي شخص من إيقافه "عايزة حقك تعالي معانا القسم". «غطي وأنت في حضن الشرطة» "الصحفي كرجل الشرطة الاتنين بينزلوا الشارع لمتابعة الأحداث المتلاحقة وهذه مهمة لها مخاطرها"، هذا ما قاله اللواء هاني عبد اللطيف، المتحدث الإعلامي باسم وزارة الداخلية، مشيرًا إلى أن "عناصر إخوانية هي اللي قتلت الشهيدين الحسيني أبو ضيف وميادة أشرف". وفيما يتعلق بالاعتداءات والتعذيب الذي تعرض له المراسلون السابقون يقول: "أي حد يحصله كده يجيلنا فورًا، وفيه تعاون كامل وتنسيق مع النقابة في مثل هذه الأمور". ويضيف: "الداخلية تقوم بتأمين من في الشارع أثناء الاشتباكات"، مطالبًا الصحفيين بأن يلتزموا بالتعليمات، وأنه على النقابة توفير زي معين للصحفيين (سديري واقي)، لافتًا إلى أنه سيتعاون مع نقيب الصحفيين، ضياء رشوان، في هذا الأمر. وقال وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم، في مؤتمر صحفي بعد مقتل ميادة أشرف، متوجهًا للصحفيين: "لما تغطي يا تبقى مدرب ومأمن نفسك كويس جدًّا ي إما تغطي وأنت في حضن القوات بتاعتي علشان أعرف أأمنك". «النقابة تنتظر التحقيقات» خالد البلشي، عضو مجلس نقابة الصحفيين، يقول: إن النقابة تحاول أن تفعل ما في وسعها لحماية الصحفيين. وحول موقف النقابة من مقتل الصحفية ميادة أشرف، قال: "النقابة في انتظار التحقيقات".