• كارثة 300 طن من خامس كلوريد الفسفور الخطرة بالمصنع من دون حراسة • المادة مشعة وتقتل الأشجار المحيطة بالمخزن.. وخبراء: لا يمكن تخزينها لأكثر من 6 أشهر • كيميائى: المادة دخلت من ميناء سفاجا منذ 5 سنوات تمهيدًا لإعادة تصديرها إلى دولة أخرى • هروب صاحب الشركة رفعت السيد إلى السويد بعد الاستيلاء على 70 مليون جنيه من المال العام • نظيف أمر «القوى العاملة» بصرف 10 ملايين جنيه لرواتب العمال.. ورجل الأعمال هربها للخارج • النجدى: الكمية المخزنة يمكنها تدمير أى حياة فى نطاق 5 كيلومترات مربعة عند اختلاطها بالماء على مسافة 5 كيلومترات فقط من مدينة قنا، تقع المنطقة الاستثمارية الحرة فى مدينة قفط، على امتداد البصر توجد مساحات شاسعة خالية من أى مبان، لكن تجد وسطها لافتة كبيرة تحمل اسم «هيبى جروب للأدوية»، خلفها يقع مصنع المضادات الحيوية، الذى أصبح مهجورا منذ سنوات، كما انقطع عنه التيار الكهربائى منذ هروب مالكه رفعت السيد، أحد أباطرة صناعة الأدوية فى عهد مبارك. عبرنا الأبواب الحديدية المغلقة دون أقفال، لنصل إلى قلب المصنع الذى يقع على مساحة 27 فدانا، وفور دخول المصنع، وجدنا انفسنا داخل صرح ضخم من ماكينات ووحدات تصنيع الأدوية، التى تطرح الكثير من التساؤلات عن أسباب توقف هذه الماكينات، التى كانت قادرة على تحويل المصنع إلى أكبر صروح تصنيع الدواء فى الشرق الأوسط، خاصة المضادات الحيوية، ولا تجد هذه التساؤلات سوى إجابة واحدة هى «الفساد». تحقيق عزة مغازى اللافت للنظر فور دخول المصنع هو الأبواب التى تم تكسيرها لسرقة المعدات والآلات، فآثار السرقات واضحة فى كل مكان، حيث تعرض للنهب منذ إغلاقه، وهروب رجل الأعمال رفعت السيد إلى السويد، بعدما استولى على 70 مليون دولار من أموال باقى المساهمين، وهم البنكان «الأهلى المصرى»، و«قناةالسويس»، وشركتا «المهندس للتأمين» و«مصر للتأمين»، حيث اكتشفت الجهات الأمنية أنه صدر ضده 361 حكما قضائيا، ورغم ذلك سهلت علاقاته بالنظام السابق الهروب، ومنع أى شخص من الاقتراب منه، لتنفيذ هذه الأحكام. تحول المصنع المشيد بأموال المصريين داخل المنطقة الصناعية بقفط، والتى بلغت مليار جنيه تقريبا، إلى مصدر لثراء عصابات اتخذت مجمع «هيبى» وكرا لتقطيع وسرقة كل ما فيه من ماكينات، ومواتير، وخزانات، ومواد خام، ومعدات بقيمة 400 مليون جنيه، وذلك منذ توقف الإنتاج فى مصنعين لإنتاج الأنسولين، منذ نهاية عام 2009، نتيجة قطع الحكومة للمرافق عنهما، بسبب الامتناع عن سداد الديون المستحقة للمياه والكهرباء. فى جولة «الشروق» داخل مصنع «هيبا»، رصدت ظهور رشح فى الجدران، وتشققات كبيرة فى الأرضية، بينما كان الأخطر هو تحذير من أحد العاملين السابقين فى المصنع، بأنه يحتوى على مواد قابلة للانفجار، بالإضافة لكونها مواد مشعة وشديدة السمية، تسببت فى موت الأشجار التى كانت محيطة بالمخزن فى أحد الأيام، قبل أن يؤدى تسرب المادة إلى التربة، لتقتل الأخضر، وتبور اليابس. «الشروق» حصلت على مستندات تفيد باستيراد السيد ل300 طن مترى من مادة خامس كلوريد الفسفور، من شركة «سيرش كم انداسترز ليمتد»، لاستخدامها فى صناعة المضادات الحيوية، وهى كميات اعتبرها خبراء مبالغا فيها للغاية، كما حصلت دولة المنشأ، الصين، على تعهد رسمى من مسئولى المصنع، بعدم استخدام هذه المادة فى أغراض محرمة دوليا، أو تصنيع أسلحة كيماوية، أو أى أغراض تدميرية. ويؤكد خبراء وكيميائيون أن خامس كلوريد الفسفور هى مادة قابلة للانفجار، وشديدة الخطورة، ما يتطلب تطبيق عدد من شروط السلامة لتخزينها، وهى شروط غير متوافرة فى المصنع، خاصة أنها فى حالة انتشارها وتسربها إلى المياه الجوفية، تكون قادرة على تدمير مساحة 5 كيلومترات مربعة، كما أنها تستخدم فى تحضير غاز الأعصاب. من جانبه، أكد مدير وحدة الإنتاج فى المصنع، سيد منسى، أن «العمال تقدموا ببلاغات إلى النائب العام يتهمون مؤسسى ومساهمى الشركة بإهدار المال العام، والفساد المالى والإدارى»، مشيرا إلى أن «بنك القاهرة لجأ إلى مقاضاة الدكتور رفعت السيد، لإصداره شيكا دون رصيد، وتحدد للمحاكمة جلسة فى 2 فبراير 2006، ثم فجأة تنازل البنك دون مقدمات عن الادعاء المدنى فى الجنحة المباشرة التى كانت تحمل رقم 124 لسنة 2006 جنح قفط». وأضاف أن «المصنع كان يدر ربحا، ويصدر المنتجات إلى العديد من الدول، مثل الصين والهند واستراليا والولايات المتحدة، حتى آخر لحظة قبل إغلاقه، لكونه المصنع الأول على مستوى الشرق الأوسط، والسادس على مستوى العالم، وهو ما تثبته أذون التصدير خلال الفترة من 2006 إلى 2009». وأعرب عن دهشته من حصول السيد على 10 ملايين جنيه من وزارة القوى العاملة، بأمر مباشر من رئيس الوزراء الأسبق، أحمد نظيف، فى عام 2009، بحجة دفع رواتب 500 من العاملين فى شركاته، بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية، ووقتها نفذت وزير القوى العاملة الأسبق، عائشة عبدالهادى، قرار الصرف من صندوق إعانات الطوارئ، بعد ساعات من موافقة نظيف، إلا أن رفعت السيد حول المبلغ إلى حسابه البنكى ومنه إلى الخارج. وأكد منسى أن «مادة خامس كلوريد الفسفور المخزنة فى المصنع، كانت تحتوى على منشور يحذر من خطورة التخزين لأكثر من 6 أشهر، بشرط أن تكون فى خزانات مخصصة لعزلها عن درجة حرارة الجو، لضمان عدم تسربها فى صورة إشعاعات سامة»، كما طالب هيئة الاستثمار، بتأمين المصنع، باعتبارها المسئولة عن المنطقة الحرة، خاصة أن المصنع يحتوى على مادة شديدة الخطورة، قد تدمر المنطقة بأكملها، بالإضافة إلى احتواء المصنع على معدات ب400 مليون جنيه، تعرض معظمها للسرقة بسبب غياب الأمن. تأثير الأرض على التربة المحيطة بها وفى محاولة من «الشروق» للتحرى عن حقيقة خطورة المادة المخزنة فى المصنع من خبراء الكيمياء، وإمكانية استخدامها فى صناعة الأدوية، والكميات المصرح بدخولها مصر، رفض العديد من مسئولى هيئة الطاقة النووية التحدث إلى الإعلام بشأن هذه المادة، بينما أكد رئيس قسم الكيمياء السابق فى كلية علوم القاهرة، الدكتور حلمى النجدى، أن «خامس كلوريد الفسفور غير مصرح بدخوله إلى مصر والشرق الأوسط، نظرا لاستخدامه فى تصنيع الأسلحة الكيماوية»، مشيرا إلى أن المادة لها استخدامات مزدوجة، لذلك فإنه فى حالة احتياج المعامل البحثية لها، تدخل بموافقات أمنية، وبكميات لا تتعدى كيلوجراما واحدا لكل معمل. أشار النجدى إلى أن «المادة قابلة للانفجار الفورى إذا تسربت إليها مياه، ويمكن لكمية ال300 طن المخزنة فى حالة انفجارها ان تدمر كل ما يقع فى محيط 5 كيلومترات مربع»، مضيفا أن «تخزين المواد الكيماوية له شروط لا يمكن تطبيقها فى مصر، ولا يمكن تخزينها أكثر من 6 أشهر»، فيما أعرب عن دهشته من سماح المسئولين بدخول هذه المادة بكميات ضخمة، موضحا «لابد من وجود خبراء كيميائيين فى الجمارك لإقرار دخول الشحنة، بعد التاكد من مطابقتها للمواصفات، ولابد من محاسبة كل من ساهم فى دخول هذه المادة». أما الخبير فى المواد النووية، أحمد حسنى، فيؤكد أن «المادة محظور استيرادها، لأنها تستخدم فى تصنيع غازات الأعصاب»، موضحا أن «شركات الأدوية تستخدمها لكن بنسبة ضئيلة جدا، وبشروط وقواعد أمنية محددة». وأكد الأستاذ بالمركز القومى للأمان النووى والرقابة الاشعاعية فى هيئة الطاقة الذرية سابقا، محمد عبدالرحمن سلامة، أن «المادة المشعة لا تقبل التخزين لأكثر من 6 أشهر، مع تطبيق الشروط الدولية لتخزينها»، مشددا على أنه «لا يمكن استيراد 300 طن من هذه المادة، فهذه جريمة لابد من معاقبة المتسبب فى جلبها، لأن المادة من الممكن أن تستخدم فى أغراض خطيرة». موت الأشجار حول المخزن بسبب تأثير المادة ورفض سلامة الرد على سؤال عن إمكانية استخدام المادة فى عمليات تخصيب اليورانيوم، مؤكدا أنه لا يستطيع التحدث فى هذه الجزئية، كما أشار إلى أنه «فى حالة وجود منشور عن إمكانية استخدام المادة فى هذا المجال، فإنها تكون ممنوعة من الدخول إلى منطقة الشرق الأوسط، لذلك لابد من التخلص منها فورا، عن طريق الأجهزة الأمنية». ويوضح الكيميائى فى هيئة الطاقة الذرية، ياسر توفيق، أن «خامات الفسفور كلها مشعة، وتستخدم فى معامل الأبحاث بكميات معينة، لا تتعدى الجرامات»، لافتا إلى أن «هذه الكمية كبيرة لا يمكن أن تكون استوردت لاستخدامها فى مصر، وحتى فى حالة استيرادها، لابد من حصولها على شهادة من هيئة الطاقة الذرية بتاريخ دخولها، وهو ما لم يحدث، فالهيئة لم تعتمد هذه الكمية من قبل». من جهته، أكد المسئول فى هيئة الطاقة الذرية، كريم الأدهم، أن الدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الأمن، الصين، وبريطانيا، وروسيا، والولايات المتحدة، وفرنسا، وحدها هى المسموح لها باستخدام هذه المادة فى الصناعات، موضحا «لا يمكن أن تكون هذه المادة موجودة فى مصر، ولو كان استيرادها صحيحا، فإن ذلك يعرض المنطقة الموجودة فيها للانفجار». وأكد أحد الكيميائيين العاملين فى المصنع وقت استيراد الشحنة، والذى طلب عدم ذكر اسمه، أن «المادة تم استيرادها تمهيدا لإعادة تصديرها مرة أخرى إلى إحدى الدول»، موضحا أن «المصنع ليس فى حاجة إلى هذه الكميات، التى تم الإفراج عنها من ميناء سفاجا بشكل غير قانونى، حيث إنه لا توجد مستندات بشأنها فى المصنع، وعند دخولها، تم تخصيص قوات أمن لحمايتها منذ وصولها حتى دخولها المصنع، وتخزينها داخل مخزن غير مؤهل، وبعد ثورة 25 يناير، هرب السيد من البلاد، وتم التحفظ على المادة داخل المخزن، رغم أن تسريبها سيصدر عنه غازات سامة ما يستدعى إعدامها بطريقة آمنة». من جهته، قال محافظ قنا، اللواء عبدالحميد الهجان، إنه عند علمه بأن المصنع يحتوى على هذه المادة الخطيرة، استدعى مسئولى بنكى قناةالسويس، والأهلى، وشركة مصرللتأمين، وتم الاتفاق على أن تتولى شركة تأمين خاصة حماية المصنع وباقى المعدات الموجودة فيه من السرقات، بالإضافة إلى تأمين المادة الخطرة الموجودة داخل المصنع. وأضاف المحافظ أنه أثناء تواجده فى المصنع، أطلق مجهولون أعيرة نارية باتجاهه لتخويفه من التواجد فى المصنع، موضحا «هذا يؤكد أن هناك عصابات تقوم بحماية المنطقة لصالح رفعت السيد»، كما أشار إلى أن «مديرية الأمن طالبت المحافظة بتوفير مبنى للشرطة أمام المصنع، نظرا لعدم قدرة أفراد الأمن على التواجد فى المنطقة بنظام الدوريات، بالإضافة إلى ضرورة تسليحهم ضد اللصوص والمعتدين على حقوق الدولة». وأوضح قائلًا «سيتم الاعلان عن انعقاد جمعية عمومية لإعادة تشكيل مجلس إدارة المصنع، بعد هروب المساهم الرئيسى، رفعت السيد»، مشيرا إلى أنه لا يستطيع الدعوة إلى جمعية عمومية لأن السيد هرب إلى السويد، وحصة باقى المساهمين هى 49% للمال العام، كما استنكر ترك الدولة لهذا المصنع على مدار الأعوام الثلاثة السابقة، قائلا «أنا عملت ما على، لكن أشعر بالحسرة على تعرض المصنع للنهب، بينما المسئولون يجلسون فى القاهرة دون أن يدركوا حجم الكارثة هنا».