رجل الجاز يقدم موسيقى العالم فى ثلاث ساعات ويختم ب«على كل لون يا بشر» موسيقى الجاز ظهرت فى أمريكا مع وصول الزنوج إليها من افريقيا، ونظرا لأن أمريكا كانت من الدول التى استقبلت ثقافات كثيرة بحكم الهجرة إليها من أوروبا وآسيا، تم ادخال العديد من الأشكال الأخرى على الجاز، فازداد انتشارة عالميا لأنه اصبح يخاطب كل الناس وكل الثقافات. فى منتصف السبعينيات عرف الجاز شكلا جديدا من أشكاله، عندما قرر يحيى خليل الفنان المصرى ان يضع بصمة شرقية وعربية عليه، حيث أحدث مزجا مشروعا بين الموسيقى العربية التى تربى عليها، وبين عشقه لموسيقى الجاز التى نشأ على حبه لها، واستغل وجوده فى فترة الستينيات وأوائل السبعينيات بأمريكا، حيث تتلمذ على يد العازف العالمى روى ناب، لكى يقدم للعالم نموذجا جديدا وفريدا يجمع بين الشرقى بدفء مقاماته والجاز بكل صخبه، فاصبح اسم يحيى خليل يطرح عالميا باعتباره الممثل الحقيقى للجاز فى عالمنا العربى، كما انه اصبح يمثل هذا المزج الموسيقى الفريد، لدى الجماهير الغربية، وتعكس الثقافات المختلفة التى توحدت تحت الشكل الموسيقى الذى يقدمه وبمجرد حضورك لإحدى حفلاته بدار الأوبرا تكون اول ملاحظاتك أن جمهوره من اوروبا وامريكا وبالطبع من مصر، كما انه يضم اعمارا مختلفة من الصبية والشباب وحتى كبار السن. مساء الخميس الماضى كان لجماهيره لقاء معه فى حفله الأخير لهذا الموسم بأوبرا القاهرة، وهو ختام احد اهم المواسم بالنسبة ليحيى خليل، برغم دعوات الإخوان للتظاهر، لكنه صمم ان يواصل حفلاته، وأن يقدم للجمهور المصرى وجبة موسيقية تنتشله من أوجاع ومشاكل السياسة وفى حفل أمس قدم يحيى خليل برنامجا يضم اشكالا مختلفة كلها تنتمى إلى رؤيته الفنية وبصمته التى وضعها فى عالم الجاز. الحفل تنوع بين غناء البلوز الذى ادته المغنية الامريكية ذات الجذور الافريقية ملكا دونيتا، وبين الغناء الشرقى الذى اداه بعض اعضاء فرقته إلى جانب اعمال موسيقية عالمية واخرى من تأليف. ضم الحفل مقطوعات دنيا والأمل ومن غير عنوان وأميرة وكريشندو وحكاوى القهاوى، كما قدم توزيع موسيقى لأعمال ام كلثوم التى لحنها عبدالوهاب والسنباطى. وقدم فيها خلاصة تجاربه وفكره فى الجمع بين ادوات موسيقى الجاز المعروفة عالميا، وبين المقامات الشرقية التى تتميز بها الموسيقى العربية ويظهر معها التزواج الفريد بين الآلات الشرقية ويمثلها الناى والطبلة والرق والكمان، والغربية التى تظهر فى آلات الكى البورد والدرامز الذى يعزف عليه يحيى خليل. معالجات صعبة يقدمها يحيى عبر مشواره لكى يصل إلى هذا التآلف والتناغم بين تلك المفردات الموسيقية المتباعده نظريا، ولأن هناك شريحة كبيرة من الاجانب قدم لهم يحيى اعمالا عالمية مثل دارك ايز وهى من التراث الروسى، اعاد صياغتها برؤيته، كما قدم عملا مكسيكيا بعنوان بسامى موتشو، وكارفان وهو عمل ينتمى إلى افريقيا، لكن الامريكان اعادوا صياغته، ومن الارجنتين قدم للمؤلف دون كاميرون مقطوعته الشهيرة اسبانيا. ثم اختتم يحيى الحفل بثلاث أغانى، الاولى حكاية شهيد واداها عازف الكمان محمد عادل واهداها يحيى لأحد شهداء مذبحة بورسعيد، كما قدم اغنية يعيش اهل بلدى تأليف احمد فؤاد نجم وألحان يحيى خليل، وهو عمل يجمع فيه بين شكل الغناء الشعبى الذى نشاهده فى الموالد وفى كثير من المناسبات الشعبية وبين موسيقاه التى يقدمها، ثم اختتم بأغنية «على كل لون يا بشر» تأليف عبدالرحيم منصور وألحان يحيى خليل، وهى تتميز بأن موسيقاها شديدة العصرية، وهو التطور الذى أدخله يحيى خليل على الموسيقى المصرية عقب عودته من امريكا فى منتصف السبعينيات وهو الشكل الذى قدمه كل المطربين والموسيقيين الشباب فى ذلك الوقت، حتى اصبحت موضة العصر ومن عباءتها خرجت اسماء كثيرة مثل فتحى سلامة وعمر خورشيد وآخرهم حميد الشاعرى، ثم اصبحت مادة خصبة لكل اجيال الشباب. فى حفله الاخير لهذا الموسم قدم يحيى خليل خلاصة تجاربة مع هذا العالم الموسيقى، لذلك لم يكن غريبا بعد ان تستمع لموسيقى يحيى خليل ان يطلق عليه لقب رجل الجاز، وهو العنوان الذى اختير للفيلم الذى تناول حياته، ولا تندهش عندما تختاره الجامعة الامريكية لتضعه على غلاف المطبوعة الخاصة بحملة «اقرأ» جنبا إلى جنب مع عمر الشريف والأديب العالمى نجيب محفوظ.«