الجالية المصرية في عمان تواصل المشاركة في جولة الإعادة بالمرحلة الثانية من انتخابات النواب    محمد عبد اللطيف: وزارة التعليم شهدت أضخم تطوير في تاريخها    رئيس إسكان الشيوخ: نضع خدمات المصريين في مقدمة أهدافنا    صندوق التنمية الحضرية يعرض تجربة تطوير العشوائيات خلال المنتدى العربي للإسكان    النائب محمد رزق: تسجيل ميناء السخنة في موسوعة جينيس يؤكد تحول مصر لمركز إقليمي للنقل واللوجستيات    74.9 مليار جنيه قيمة أرصدة التمويل الاستهلاكي خلال 10 شهور    البورصة المصرية تربح 12 مليار جنيه بختام تعاملات الاثنين 15 ديسمبر 2025    رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام يلتقي رئيس المؤسسة القطرية    «المشاط»: منفتحون على تبادل الخبرات ونقل التجربة المصرية في مجال التخطيط والتنمية الاقتصادية    شيخ الأزهر ينعَى محمد صابر عرب وزير الثقافة الأسبق    الغردقة تستضيف كأس السوبر المصري للسلة بين الأهلي والاتحاد السكندري    خبر في الجول - الأهلي يمدد عقد أليو ديانج لمدة 3 مواسم    الأهلي يتنازل عن البلاغات المقدمة ضد مصطفى يونس بعد اعتذاره    عصام الحضري يحيي الذكرى الأولى لوفاة والدته    ضبط مخزنين لحيازتهم مواد غذائية مجهولة المصدر وتحرير 11 محضر تمويني بالمنوفية    القليوبية الأزهرية تُكثف استعداداتها لامتحانات نصف العام 2026/2025    ضبط مالك كيان تعليمي يمنح دورات وشهادات غير معتمدة بمجال التمريض    "سور الأزبكية" يرفع استغاثة للرئيس لإنقاذ مشاركته بمعرض الكتاب 2025    اتحاد الناشرين العرب ينعى وزير الثقافة الأسبق محمد صابر عرب    مصر تحقق الاكتفاء الذاتي من البلازما وتحصل على اعتماد الوكالة الأوروبية للأدوية EMA    تموين الأقصر تضبط 2.5 طن سماد مخصص للجمعيات الزراعية في مخزن بمدينة إسنا    آخر موعد للتقديم الكترونياً لوظيفة معاون نيابة إدارية دفعة 2024    تصدير 37 ألف طن بضائع عامة من ميناء دمياط    عادل إمام يغيب عن جنازة شقيقته أرملة مصطفى متولي    بهذة الطريقة.. الأعلامية ريهام سعيد توجه رساله للفنان أحمد العوضي    الأرصاد تحذر هذه المحافظات من أمطار خلال ساعات وتتوقع وصولها إلى القاهرة    أطعمة شتوية ضرورية لتعزيز المناعة والوقاية من أمراض البرد    تنظيم داعش يعلن مسئوليته عن هجوم استهدف دورية تابعة لقوات الأمن السورية في إدلب    محافظ المنوفية: ضبط مخزنين بقويسنا والباجور لحيازتهم مواد غذائية مجهولة المصدر    رئيس جامعة القاهرة يصدر قرارات بتعيين وتجديد تعيين 14 رئيسًا لمجالس الأقسام العلمية بطب قصر العيني    جامعة القاهرة الأهلية تواصل تنفيذ برامجها التدريبية والعملية بمعامل الكيمياء والفيزياء ب"هندسة الشيخ زايد"    مجمع إعلام دمياط يطلق حملة "حمايتهم واجبنا" لتوفير بيئة آمنة للأطفال    فيتش تشيد بجهود الحكومة المصرية في دعم الرعاية الصحية وتعزيز الحماية للفئات الأكثر احتياجًا    بالفيديو.. الأوقاف: كل نشاط للوزارة يهدف إلى مكافحة كل أشكال التطرف    جوجل توقع اتفاقاً للطاقة الشمسية فى ماليزيا ضمن خطتها لتأمين كهرباء نظيفة    ضبط سائق نقل اصطدم بسيارة وفر هاربًا    أخبار مصر.. استبدال ضريبة الأرباح الرأسمالية بضريبة دمغة نسبية على تعاملات البورصة    "الوزراء" يستعرض تفاصيل الخطة الحكومية لتطوير المنطقة المحيطة بالقلعة وأهم التحديات    ضبط محطة وقود غير مرخصة داخل مصنع بمدينة السادات    "سياحة وفنادق" بني سويف تنظم ندوة توعوية حول التنمر    وزير الخارجية: مصر تدعم الدور المضطلع به البرلمان العربى    جامعة بنها تطلق مبادرة لدعم الأطفال والتوعية بحقوقهم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 15-12-2025 في محافظة قنا    غدًا انطلاق اختبارات اختيار كوادر مدرسة الإمام الطيب لحفظ القرآن الكريم وتجويده    انطلاق اجتماعات الاتحاد الأفريقي لكرة السلة في مصر    "فورين أفيرز": واشنطن تعيش وهم الطائرات بدون طيار مما يفقدها تفوقها الضئيل على الصين    مخالفة للقانون الدولي الإنساني ..قرار عسكري إسرائيلي بهدم 25 مبنى في مخيم نور شمس شرق طولكرم    تراجع سعر الدولار مقابل الجنيه بمنتصف تعاملات اليوم    استشاري ينصح بتناول الشاي المغلي وليس الكشري أو الفتلة حفاظا على الصحة    ذكرى رحيل نبيل الحلفاوي.. رحلة فنان مثقف من خشبة المسرح إلى ذاكرة الدراما المصرية    إصابة نجم ريال مدريد تعكر صفو العودة للانتصارات    الاثنين 15 سبتمبر 2025.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    كيف أرشد الإسلام لأهمية اختيار الصديق؟.. الأزهر للفتوى يوضح    الأزهر يدين الهجوم الإرهابي الذي استهدف تجمعًا لأستراليين يهود ويؤكد رفضه الكامل لاستهداف المدنيين    حُسن الخاتمة.. مفتش تموين يلقى ربه ساجدًا في صلاة العشاء بالإسماعيلية    مرشح اليمين المتطرف يفوز بالانتخابات الرئاسية في تشيلي    محمد صلاح يوجه رسالة للمصريين من خلال ابنته "كيان" قبل أمم إفريقيا    كابال ينهي سلسلة 5 تعادلات.. يوفتنوس ينتصر على بولونيا في ريناتو دالارا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معضلة العدالة الاجتماعية
نشر في الشروق الجديد يوم 18 - 03 - 2014

تحقيق العدالة الاجتماعية لا يمكن أن يعنى إلا منع الظلم: ألا تجور طبقة «أو فئة» اجتماعية على أخرى، فتقهرها وتبخسها حقوقها. هذا هو المعنى الذى فهمه الناس دائما منذ مفكرى اليونان، ونزول الأديان السماوية، ثم فى عصرى الإقطاع والرأسمالية، وفى مصر، رفعت ثورة يوليو 1952 شعار العدالة الاجتماعية، كما رفعه بعد سنين عاما، ثورة يناير2011، ولكن للظلم والقهر أشكال وألوان، ولا يمكن أن تتصدر أن يبقى الظلم على صورة واحدة على مر الأزمان، ومن ثم لابد أن يتغير أيضا معنى العدالة المطلوبة بين زمن وآخر.
كان للظلم الاجتماعى، الذى ثارت عليه ثورة يوليو 1952 صورتان أساسيتان: ظلم الإقطاعيين للفلاحين المعدمين والإجراء وظلم الاستعمار لأصحاب البلد المستعمرة. فى الحالين كان هناك من يحصل على أكثر من حقه، ويحرم آخرين من المقابل العادل لجهدهم.
وقد نجحت ثورة 1952 نجاحا كبيرا فى القضاء على هذا الظلم «أو على الأقل فى التخفيف منه»، ولم يكن لها من وسيلة لتحقيق ذلك إلا سلطة الدولة. الدولة هى التى أصدرت قانون الإصلاح الزراعى وتعديلاته المتتالية، وهى التى طبقته، وهى التى قامت باستعادة قناة السويس من يد الأجانب، ثم قامت بتأميم البنوك والشركات الأجنبية واستخدمت أرباحها فى تنمية الصناعة لصالح المصريين. وقد أدى قانون الاصلاح الزراعى والتصنيع، خلال الخمسينيات والستينيات، إلى التخفيف بشدة من نسبة البطالة، وتحملت الدولة مسئولية تعيين الخريجين.
كانت هناك عوامل كثيرة لزيادة قوة الدولة خلال الخمسينيات، والستينيات، ليس فقط فى بل العالم كله. ففى البلاد التى حصلت على الاستقلال على أعقاب الحرب العالمية الثانية، نشأت دول حديثة مصممة على تحقيق نهضة اقتصادية، ورأسها زعماء وطنيون يتمتعون بشعبية كبيرة بسبب مساهمتهم فى تحقيق ذلك الاستقلال، وفى العالم الاشتراكى قدم الاتحاد السوفييتى والصين مثالين مبهرين لما تستطيع الدولة أن تحققه فى مضمارى العدالة الاجتماعية والتنمية على السواء. بل حتى فى العالم الرأسمالى، شهد هذان العقدان ازدهارا لسياسة الكينزية التى تلقى بمسئولية كبيرة على الدولة، وانتشار ما سمى ب«دولة الرفاهية» أى ضمان الدولة لتوفير الخدمات الضرورية للجميع.
شهد عقدا الخمسينيات والستينيات فى مقابل ذلك، أفول نجم المدافعين عن القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية الخاصة، وازدهار فكرة التخطيط المركزى. انتشر فى ذلك الوقت الاعتقاد بأن القطاع الخاص ينطوى بالضرورة، على «ظلم اجتماعى» وأن الاستثتمارات الاجنبية الخاصة، التى لا دافع لها إلا تحقيق أقصى ربح، تنطوى بالضرورة على «استغلال»، ومن ثم فإن تحقيق العدالة الاجتماعية يتطلب تحجيم هذا وذاك، وقيام الدولة بوضع خطط تضمن تحقيق التنمية وعدالة التوزيع، وهى خطط لا يمكن الاعتماد فى ذلك على الدولة فإذا أرادت الدول الغنية أن تقوم بمساعدة الدول الفقيرة، فليكن ذلك لا عن طريق الاستثمارات الأجنبية الخاصة، بل عن طريق المدونات الرسمية، من دولة إلى دولة.
كما تغيرت الأحوال بحلول السبعينيات! فمن الذى كان يتصدر أن يتضاءل دور الدولة إلى هذا الحد، فى دولة بعد أخرى، سواء كانت دولة حديثة العهد بالاستقلال، أو من الدول الاشتراكية أو الرأسمالية. الدولة حديثة الاستقلال أعلنت أخذها بسياسة «الانفتاح» فى بلد بعد آخر، وكان الانفتاح ينطوى بالضرورة على تضاؤل دور الدولة فى الاقتصاد. والدول الاشتراكية تخلت عن الاشتراكية، الواحدة بعد الأخرى، وحدث هذا أحيانا فى أعقاب ثورة شعبية، والدول الرأسمالية الصناعية تخلت بالتدريج عن دولة الرفاهية، وتبنت أفكار «ميلتون فريدمان» بدلا من مدرسة كينز، وما يعنيه ذلك من إطلاق الحرية لقوى السوق إلى أبعد مدى. أما التخطيط فأصبح يعامل معاملة سيئة، وأما المعونات الرسمية فقد حلت محلها الاستثمارات الأجنبية الخاصة.
ما الذى يمكن أن يكون السبب فى كل هذا إلا صعود نجم الشركات العملاقة، التى تجاوز إنتاج بعضها انتاج دول بأكملها؟ لقد اقترنت بداية عقد السبعينيات باهتمام مفاجئ بما سمى «الشركات متعددة الجنسيات»، فما أكثر ما أنتجهته المطابع عنها، وما أكثر ما عقد حولها من ندوات ومؤتمرات، بل حتى هيئة الأمم المتحدة رأت من الملائم اتخاذ بعض القرارات بشأنها، لم تكن الشركات الدولية الكبيرة، والتى تعمل فى عدة دول خارج الدولة التى نشأت فيها وتنتسب إليها، ظاهرة حديثة تماما، فلدينا مثال شركة الهند الشرقية التى تعود إلى أربعة قرون مضت، ولدينا شركات البترول العملاقة التى تعود إلى القرن التاسع عشر. ولكن شيئا ما بدأ يستلفت النظر بعد تمام ربع قرن على انتهاء الحرب العالمية الثانية، وانتهاء حقبة ما عرف بإعادة بناء ما «دمرته الحرب» لقد زاد بسرعة نشاط الشركات العابرة للحدود، وتعددت الجنسيات التى تتعامل معها، وتضخم إنتاجها وتضاعفت أرباحها، ونما نشاطها السياسى حتى نسب إليها تدبير الانقلابات العسكرية، وامتد نفوذها حتى بدا وكأن من الضرورى لنجاح السياسيين فى الوصول إلى الحكم، الحصول على رضا هذه الشركات، كما ظهر أن جزءا متزايدا من نشاط الدبلوماسيين، أصبح ينحصر فى العمل على خدمتها.
لم يتغير هذا الأمر طوال العقود الأربعة الماضية بل زاد قوة ووضحا. ولما كثر الكلام عن «العولمة» كان المقصود فى الأساسى، ما تفعله هذه الشركات أو نتائج أعمالها. فما الذى كان يمكن أن نتصوره أن يحدث ل«الدولة القومية» المسكينة إزاء هذه التطورات؟ وما الذى يمكن أن نتوقع أن يصيب «التخطيط المركزى» طبعا لابد أن تستمر الدولة فى الوجود، بشكل أو آخر، ولكن ألا ترى تشاؤل شأنها، وايدياد تبعيتها هى نفسها، للشركات الدولية؟ نعم لابد أن يستمر نوع من التخطيط، بل أن تزداد أهميته مع زيادة حجم الاستثمارات، وامتداد آجال الاستثمار، وتنوع وتعقد نشاط هذه الشركات، ولكن الذى يجب أن يقوم الآن بالتخطيط هو الشركات نفسها، وهذا يتطلب أن تنسحب الدولة وتتنازل عما كانت تمارسه من تخطيط مركزى.
كان لابد أن يترتب على كل هذا اختفاء بعض الصور القديمة من الظلم الاجتماعى، وظهور صور جديدة من الظلم والقهر، بل ربما ستتبع ذلك انتقال مسئولية العمل من أجل «العدالة الاجتماعية» من الدولة القومية إلى مسئولين جدد، ولكن هذا يحتاج لاستفاضة لا يسمح بها حجم هذا المقال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.