طفل مصاب ب«الربو الحاد» قاده طموحه إلى مغامر من الدرجة الأولى.. موظف تقليدي ببنك تحول إلى متسلق مميز للجبال.. لم تسحره ملايين الدولارات حوله في بداية مشواره الوظيفي، بل قاده خياله إلى ثلوج قمة جبل إفرست.. ببساطة هو المغامر المصري «عمر سمرة».. «إفرست» لم تكن فكرة أو مشروع شهرة، إنما «حلم» انتظره سمرة، هذا الحلم بدأ عند سن ال16، إلى أن صار أول مصري وعربي يصعد على قمة الجبل الأكثر ارتفاعًا في العالم مع تجاوزه حاجز ال28 عامًا.. والآن يبدأ رحلة جديدة مع زرع الثقة في نفوس الآخرين ببرامج تدريب متقنة بعد أن يخوض تجربة تسلق القمم السبع ورحلتي القطبين الشمالي والجنوبي.. بوابة الشروق أجرت حوارًا مع «سمرة»، فإلى نص الحوار: في البداية.. نحتاج ملخصًا عن عمر سمرة؟ أنا عمر سمرة.. المعلومات الأكثر تداولًا عني أنني مغامر وأول مصري يصعد قمة جبل إفرست أعلى قمم جبال العالم.. أعمل حاليًّا في مجال سياحة المغامرات.. أسست شركة تعمل في هذا المجال منذ خمس سنوات، تقوم بعمل رحلات مغامرة داخل مصر وخارجها. قبل ذلك وما لا يعرفه الكثيرون كنت أعمل في مجال البنوك والاستثمار لمدة 9 سنوات، وحصلت على الماجيستير في إدارة الأعمال قسم الاقتصاد. حدثنا أكثر عن صعودك لقمة جبل إفرست؟ صعود إفرست بالنسبة لي ليست فكرة بل حلم طال انتظاره بالنسبة لي 12 سنة، فقد حلمت بتسلق إفرست وأنا عمري 16 عامًا وتحقق حلمي وأنا عمري 28 عامًا، بعدها تطورت أحلامي وزاد عشقي للمغامرة وتسلق الجبال، ووضعت حلمًا جديدًا وهو تسلق القمم السبعة الأعلى في العالم وقد حققت ذلك في 2013. أليست مخاطرة من التحول من شاب اقتصادي يعمل ببنك إلى متسلق للجبال؟ في مصر عندنا الثقافة الغالبة أن يسير الشخص في حياته العملية في اتجاه واحد فقط وبشكل روتيني، يحكمه في ذلك أيضًا الظروف المحيطة كالأهل الذين يفكرون في الثبات الوظيفي وتحديد اتجاه الأبناء في مرحلة سنية معينة، وأنا مررت بهذه المرحلة، وواجهتها، وبالفعل فقد عملت في مجال البنوك والاستثمار لمدة 9 سنوات، ولكنني لم أجد نفسي، فكنت أجد أنني أضيع في عملي بال10 أو ال12 ساعة يوميًّا، ولا أفعل شيء هو العمل وفقط.. من هنا بدأت أتطرق لفكرة السفر والترحال، وكنت كلما تعمقت فيه أكثر، كلما أحببت الفكرة أكثر، وهو ما أحيا عندي حلمي القديم بتسلق قمة إفرست. ومتى فكرت في التحول من الترحال والسفر للمغامرة وتحقيق حلمك؟ بعد فكرة السفر والرحلات بعدة شهور، وضعت خطة لادخار مبلغ معين يمكنني من خلاله تحقيق أول خطوة في فكرة تسلق الجبال، وكانت الفكرة هي «رحلة أطوف العالم كاملًا خلال 370 يومًا».. والكثيرون لا يعرفون هذه المعلومة، وبالفعل بعد عامين ونصف استطعت أن أدخر مبلغًا مكنني من تحقيق ذلك.. استطعت تحقيق هدفي وبعدها رجعت للعمل وادخرت مبلغًا آخر، وقمت أيضًا بتحضير الماجستير ورغم عملي لمدة طويلة في المجال، إلا أنه لم يضف لي كثيرًا وقررت ترك العمل وأسست شركتي الصغيرة المتخصصة في مجال سياحة المغامرات. وماذا عن مرض «الربو»؟ مررت بتجربة صعبة في طفولتي، لم يكن فقط ضيق التنفس هو المشكلة الوحيدة، فقد كنت طفلًا جسمه ضئيل جدًّا وكنت أبعد ما يكون عن الرياضة.. وفي عمر ال11 عامًا أصبت بالربو الحاد، لم أكن أستطيع التنفس ولا النوم، واستمر الوضع معي شهورًا، ولجأت للرياضة لتجاوز المرض والاستغناء عن البخاخات والأدوية الكثيرة التي كنت أُعالج بها.. الصعوبة الأكبر هي نظرة الأهل للأمر، فغالبًا أمور الأحلام والطموحات الخاصة بالرياضة وغيرها، والبعيدة عن الحياة العملية لا تجد دعمًا كاملًا من الأهل وينظرون لها على أنها ليست الأولويات والأهم هو الدراسة والعمل. ولكن كيف كانت الرياضة علاجًا لمرضك؟! بكل تأكيد الرياضة أسلوب مخالف لما هو متعارف عليه.. المريض بالربو أو ضيق التنفس يمنع من الرياضة أو بذل أي مجهود.. الجميل في الأمر أن الطبيب المعالج هو من شجعني على ذلك ومن خلال الرياضة استطعت أن أتغلب على الأمر.. تغلبي على مرض الربو أعطاني المزيد من الثقة للتسلق بصدفة جبل في سويسرا وأنا عمري 16 سنة، ومن هنا جاء الحلم لماذا لا أصعد أعلى جبل في العالم؟.. هنا أتذكر موقفًا هامًّا جدًّا في حياتي، عندما صعدت لهذا الجبل وجدت ما يشبه الكراسة يكتب فيها أسماء كل الأشخاص الذين يصلون للقمة.. هنا شعرت بإحساس إيجابي جدًّا وهو أن أضيف اسم مصر لقائمة الدول الأخرى.. أين أسرة عمر سمرة من كل هذا؟ في بداية مشواري من سن 16 حتى 22 عامًا.. كنت أردد أمامهم أن حلمي الصعود لإفرست فكان الرد منهم إن شاء الله تحقق حلمك بنوع من الهزار، ولكن بمرور السنوات اكتشفوا أني شخص عنيد والحلم لم يذهب من خيالي.. عندما قررت أن أترك مجال عملي بعد سنتين وأدخل في مجال الترحال والسفر دخلت في جدال كبير جدًّا معهم، ولم يكن لدي الأسباب وقتها التي أفسر من خلالها لهم ولنفسي لماذا أنا أفعل هذا؟.. كان عندي يقين مبين أن هذا هو الصح واكتشفت أنه ليس من المهم للإنسان أن يكون عنده حلم يقنع نفسه أو الآخرين لماذا هذا الحلم تحديدًا، فلا بد من الإيمان بالحلم أولًا قبل البدء فيه حتى لو المنطق يقول لا، فالإحساس يأتي أولا من القلب.. ألم يقف أحد إلى جوارك مطلقًا؟ عندما تعمقت في الموضوع أكثر بدأت التكاليف تزيد، فمن المستحيل على المستوى الشخصي أن يغطي الشخص تكاليفه، وللأسف لم يكن للدولة دورًا في دعمي ماديًّا، ومن هنا بدأت في مخاطبة شركات القطاع الخاص والتحدث بلغتهم في كيفية إقناعهم تجاريًّا بفائدة تقديم الدعم المادي لي مقابل منفعة تجارية لهم، وهي مشكلة عامة يعاني منها الكثير ممن يحاولون تحقيق حلم ما.. أول من وقف بجانبي في القطاع الخاص المهندس نجيب ساويرس تحت مظلة شركته أوراسكوم تليكوم وبعد ذلك دخلت شركات أخرى في دعمي. وماذا عن الدولة؟ من فترة 2006 وحتى 2008 كان هناك تواصل مع المسؤولين في الدولة، ولكن لم يكن هناك اهتمام بذلك بجانب البيروقراطية المعتادة.. لماذا إفرست تحديدًا؟ إفرست أعلى جبل في العالم، هناك 250 شخصًا على مستوى العالم حاولوا الوصول لقمته، وهناك أشخاص اكتشفنا أثناء رحلتنا على الجبل أنهم فقدوا حياتهم في رحلتهم، الفكرة ليست في الوصول للقمة فقط، ولكن المتعة في الرحلة من بدايتها حتى نهايتها.. عندما وصلت للقمة بعد 30 ساعة من التسلق فكرت من الذي سأتحدث معه في الهاتف، وكان أخي الصغير، ولكن للأسف لم يرد على اتصالي، وبعد ذلك تحدثت لوالدتي التي عبرت عن فخرها بي من على قمة إفرست.. وماذا عن التحدي القادم؟ التحدي القائم هو تسلق القمم السبعة والوصول للقطب الشمالي والجنوبي على القدمين.. رحلة شاقة للغاية مليئة بالكثير من التحديات من وجود الدببة الشرسة إلى فجوات في الثلج.. من تمكنوا من تحقيق هذه المهمة 38 شخصًا فقط في التاريخ.. كان عندي أمل أن أذهب القطب الشمالي في أبريل القادم، ولكن بسبب التمويل سيتم التأجيل للعام القادم، وسأذهب للقطب الجنوبي في ديسمبر 2014 والفضاء في 2015 وسأكون حينها أول واحد في التاريخ يحقق هذه الإنجازات في هذا السن.. على المستوى البعيد.. كيف يخطط عمر سمرة لمستقبله؟ سأسعى بعد ذلك لنقل تجاربي من خبرة ومعلومات للآخرين، وأفيدهم من الناحية التنموية البشرية، الثقة بالنفس ننشر ثقافة الحلم، كيفية التعامل مع الخوف والتخطيط للهدف وكيفية تحقيقه، وسأسعى لتحقيق ذلك من خلال رحلة دراسية كاملة أزور بها جامعات ومدارس مصر في مختلف المحافظات ليستفيد الآخرون، وفي المستقبل أعتقد أنني سأقنن هذا بشكل أكبر.