«مصر.. أم الدنيا» دائمًا ما يكون لهذه الكلمة المفعول السحري في تحقيق أحلام المصريين الصعبة، المحفوفة بالمخاطر، حتى وإن كانت مخاطر جبلية جليدية، وقمم ذات ارتفاعات شاهقة. «عمر سمرة» مواطن مصري من دمي ومن دمك، كان التحدي دافعه في كل خطوة يخطوها، حتى أن مرض «الربو» الذي أصابه منذ طفولته، كان دافعًا ووقودًا ليصبح أول مصري وأصغر عربي يرفع علم مصر فوق أعلى قمة في العالم «إفرست»؛ ليثبت أن الحواجز موجودة فقط في العقل الباطن، والإنسان يستطيع قهر أي شيء ما دام أراد ذلك.
ومن «أكونكاجوا» إلى ميدان «التحرير» بقلب القاهرة الذي ثار فيه المصريون ضد الرئيس السابق حسني مبارك، وجه «سمرة» رسالة إلى ثوار مصر مكتوبة على علم مصري حمله إلى قمة الجبل مضمونها «مصر للشعب».
اقرأ أيضاً : «عمر سمرة» أول مصري يتسلق أعلى سبع قمم في العالم
نشأة «سمرة»
ولد «عمر سمرة» في 11 أغسطس 1978 بالعاصمة البريطانية لندن، حيث لم يتجاوز عمره أسابيع قليلة حتى انتقل إلى القاهرة، وعام 2000 حصل على البكالوريوس في الاقتصاد وإدارة الأعمال في الجامعة الأمريكيةبالقاهرة، ثم ماجستير إدارة الأعمال في كلية لندن لإدارة الأعمال عام 2007.
من «الربو» إلى «التحدي»
في حديث خاص ل«عمر سمرة» مع شبكة CNN الأمريكية، قال البطل المصري إنه أصيب بمرض الربو في طفولته، وعندما بلغ من العمر 11 سنة تعرض لأزمات تنفسية حادة، من الصعب تجاوزها، وقد رأى الأطباء حينها أنه من الممكن أن تفيد ممارسة الرياضة في تحسن حالته، فبدأ في ممارسة الرياضة بالفعل، وكانت المفاجأة أنه بعد شهرين فقط، استطاع التوقف عن تعاطي العقاقير الطبية.
وتحدث عمر عن هذه الفترة قائلًا: تمكنت خلال عام من ممارسة الرياضة على تحقيق الفوز في بعض المسابقات التي شاركت فيها، وأعتبر هذه الفترة نقطة التحول الحقيقية في حياتي، فتعلمت وقتها أن الإنسان حين يصب اهتمامه في ممارسة الرياضة، قد يخلق ذلك في داخله طاقة تجعله قادرًا على صنع وتحقيق الكثير في حياته.
الإلهام
في سن ال16 تسلق «عمر» أول جبل ثلجي في جبال الألب السويسرية، وذلك من خلال مخيم صيفي تعليمي، حيث كان لكل طالب الحق في اختيار النشاط الترفيهي أو الرياضة التي يرغب في ممارستها، وهذه الرحلة هي التي ألهمت «سمرة» بتسلق «إفرست» في يوم من الأيام.
وبالفعل بدأ «عمر» التسلق على نطاق واسع في «المملكة المتحدة، الهيمالايا، جبال الألب، الإنديز، باتاغونيا والنطاقات الجبلية الأمريكية الوسطى»، كما شملت رحلاته اجتياز غابة كوستاريكا خلال 3 أسابيع، ركوب الدراجات في أنحاء جبال الأطلس المغربية، وحول الأندلس بإسبانيا، ومن لندن إلى باريس.
«دينالي».. يونيو2013
هنا نبدأ بآخر إنجازات «عمر سمرة» وإلى أن يكتمل حلمه في الوصول لأعلى قمم العالم السبع؛ ليكون أول مصري يتسلق أعلى القمم في كل قارات الكرة الأرضية.
تمكن سمرة فجر السبت الماضي الأول من يونيو، وتحديدًا في الثالثة صباحًا بتوقيت القاهرة، من تحقيق «تحدي القمم السبع» - القمم السبع هي الأعلى في القارات السبعة، وتسلقها جميعًا تشكل تحديًا لمتسلقي الجبال - والوصول إلى قمة جبل دينالي، حيث تعد هذه المحاولة الثانية ل«سمرة» في تسلق الجبل، وهو أكثر الجبال ارتفاعًا في ألاسكا وأمريكا الشمالية، حيث يبلغ ارتفاعه 6.194 متر، وذلك بعد قيامه بأولى محاولاته في أبريل 2012، لكنه لم يستطع الوصول إلى القمة بسبب سوء الأحوال الجوية.
أما «سمرة»، فقد علق على هذا الإنجاز والدموع تحاصر كلماته، قائلًا: «سعيد جدًّا بهذا الإنجاز.. رفع علم مصر فوق أعلى قمة بالعالم مؤثر جدًّا في ظل مرحلة الإحباط التي تشهدها أرض الكنانة.. وبالرغم من الإرهاق والصداع والتقرحات التي أعاني منها في قدمي لم أتمالك دموعي.. ويشرفني أن أهدي هذا الانجاز إلى مصر وكل المصريين.. رسالتي هي أنه لا يوجد مستحيل طالما هناك نية وعزم والتزام».
الحلم السادس.. «فينسون ماسيف»
نجح عمر سمرة في تسلق قمّة جبل «فينسون ماسيف»، أعلى قمم القارة القطبية الجنوبية «أنتاركتيكا» والبالغ ارتفاعها 4 آلاف و892 مترًا، وذلك عند الساعة 6:45 بالتوقيت المحلي للقارة القطبية الجنوبية، مساء الخميس 5 يناير 2012.
ويأتي هذا الإنجاز، الذي حققه سمرة وسط برودة شديدة بلغت 40 درجة مئوية تحت الصفر، في خطوة أخرى على طريق تحقيق حلم «تحدّي القمم السبع».
«فيديو» ..عمر سمرة من أعلى قمة في القطب الجنوبي
الحلم الخامس .. جمعة الغضب يناير2011
يروي عمر إحدى مغامراته في تسلقه لجبل أكونكاجوا، قائلا: هذه أعلى قمة جبلية في أمريكا الجنوبية، والبالغ ارتفاعها 6 آلاف و962 مترًا، بدأت رحلة الصعود في 20 يناير 2011، وفي يوم 25 يناير كنت قد وصلت إلى ارتفاع 6 آلاف متر فوق سطح البحر، وكنت طوال فترة التسلق منقطعًا عن الاتصال بأي شخص، إلى أن راودني هاجس يوم 28 يناير 2011، للاتصال بأهلي في مصر، لكن جميع محاولاتي فشلت، فجميع الخطوط الهاتفية كانت مقطوعة، وعرفت بعدها باندلاع الثورة المصرية، التي أطاحت بنظام مبارك.
واستطرد: وقتها كنت أمام خيار من اثنين، إما استكمال صعودي، أو العودة بسرعة إلى مصر، لكنني اخترت الأصعب وهو استكمال رحلتي، والوصول إلى القمة، فقد ألهمني الشباب الثوار في التحرير، بأن أبعث لهم رسالة، بوضع العلم المصري الذي كنت أحمله في حقيبتي على أعلى قمة في العالم، وكتبت على العلم «مصر للمصريين».
في يناير 2011 أصبح عمر ثاني عربي في التاريخ بعد «مكسيم شعيا» يتسلق أكونجاجوا سولو، أعلى قمة بأمريكا الجنوبية، وبمفرده دون أي دعم.
الحلم الرابع .. قمة «كارستنز» إبريل2009
في إبريل 2009 تسلق عمر قمة «كارستنز» أعلى قمة في قارة أستراليا، والبالغ ارتفاعها 4 آلاف و884 مترًا.
الحلم الثالث.. قمة «ألبروز» أغسطس 2008
في أغسطس 2008 نجح عمر وفريقه في الوصول إلى قمة «ألبروز» أعلى قمة أوروبية البالغ ارتفاعها 5 آلاف و642 مترًا والواقعة في روسيا. رغم ما لاقاه الفريق من وضع غير مستقر حيث اندلعت خلافات و«حرب» بين روسيا وجورجيا فقط على بعد 10 كيلومترات من الجبل، كما واجه الفريق أسوأ طقس تشهده المنطقة منذ أكثر من 10 سنوات حيث انخفضت الحرارة إلى (-30) درجة مئوية، رياح بسرعة 100 كيلومتر في الساعة وانخفض معدل الرؤية لأقل من 5 أمتار.
«فيديو» .. عمر سمرة من فوق قمة «ألبروز»
الحلم الثاني ..قمة «كليمنجارو» إبريل 2008
في إبريل 2008 تسلق عمر جبل «كليمنجارو»، أعلى قمة أفريقية، ويبلغ ارتفاعها 5 آلاف و895 مترًا بتنزانيا، حيث قاد عمر 25 متسلقًا من خمس جنسيات مختلفة أغلبها عربية إلى قمة أفريقيا، وقد نجح الفريق بالكامل في الوصول إلى القمة بالإضافة إلى جمع مبلغ 150 ألف دولار لصالح المعاقين ذهنيًّا في مصر.
البداية ..الصعود ل«إفرست» مايو2007
كان اللقاء الأول بين عمر و بن ستيفنز الإنجليزي، الذي سيرافقه في رحلة «إفرست»، في كلية لندن لإدارة الأعمال، أثناء تحضير كل منهم للماجستير، في وقت كان عمر قد أنهى لتوِّه رحلة تسلقه الثانية في جبال الإنديز ببيرو، وقرر «تعطيل فكرة التسلق» على حد قوله، والتفرغ للماجستير.
لم يكن عمر يعلم أن بعدها بشهر ونصف فقط سوف تتغير جميع الخطط ليصبح «إفرست» هدفه لعام 2007، وذلك فور تلقيه بريدًا إلكترونيًّا مرسلًا على مستوى الجامعة؛ للبحث عن الراغبين في خوض تجربة إفرست.
في البداية كما يؤكد سمرة، أظهرت حوالي ما بين 30 إلى 40 مجموعة حماسهم ورغبتهم في الأمر، ولكن بعد شهر من التدريب والتخطيط ورحلة تسلق في الشتاء الاسكتلندي تضاءل الرقم سريعًا إلى 4، أصبحوا فيما بعد فريق «إفرست» وتدربوا سويًّا فترة ال 18 شهرًا التي سبقت الرحلة إلى «إفرست».
بدأت مسيرة «إفرست» يوم 25 مارس 2007، واستغرقت رحلة الصعود 65 يومًا، وفي 17 مايو تحديدًا ال9:49 صباحًا بتوقيت نيبال، أصبح عمر أول مصري وأصغر عربي يتسلق قمة «إفرست» البالغ ارتفاعها 8 آلاف و850 مترًا أعلى قمة بقارة آسيا.
وعندما سئل سمرة في أحد الأحاديث الصحفية، عن لحظة الوصول لأعلى قمة في العالم، قال: «عند وصولي هناك ألقيت نظرة على الكون المحيط بي، لم يكن هناك سوى الثلوج المحيطة بي من كل جانب، وقتها شعرت بضآلة العالم ومدى قدرة الله، كما شعرت بحب جارفٍ إلى وطني في تلك اللحظة فأخرجت من حقيبتي علم مصر ورحت ألوح به في الهواء، وأنا أشعر بسعادة غامرة».
«فيديو» .. عمر سمرة أول مصري.. من أعلى قمة في العالم «إفرست»
«المغامرة الكبرى»
والآن ينوي «سمرة» تحقيق إنجاز جديد بالوصول إلى القطبين الشمالي والجنوبي؛ ليكمل ما يعرف ب«المغامرة الكبرى»، كما ينافس حاليًّا للحصول على أعلى الأصوات ليتمكن من الفوز برحلة إلى الفضاء عام 2014 .