ب أماكن لكبار السن وذوى الهمم.. الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد لاستقبال الناخبين للتصويت في انتخابات مجلس النواب    الثوم ب 100 جنيه.. أسعار الخضروات والفواكة في شمال سيناء    تقرير: رصد مسيرات فوق محطة للطاقة النووية في بلجيكا    ارتفاع أسعار النفط مدعومًا بتفاؤل بإعادة فتح الحكومة الأمريكية    بالرقم القومي.. 3 طرق للاستعلام عن لجنتك في انتخابات مجلس النواب 2025    مجلس الشيوخ الأمريكي يقر مشروع قانون تمويل الحكومة لإنهاء الإغلاق الحكومى    خبير أمريكي يتوقع التخلص من زيلينسكي قبل عيد الميلاد    أمريكا: اختبارات تكشف الجرثومة المسببة لتسمم حليب باي هارت    وزير المالية: بعثة صندوق النقد تصل قريبًا ومؤشراتنا مطمئنة    فقدان 200 شخص في غرق قارب مهاجرين قبالة السواحل الماليزية    واشنطن تضغط على إسرائيل لبدء المرحلة الثانية من خطة ترامب    الرئيس اللبنانى يؤكد ضرورة الضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها المستمرة على البلاد    هاني رمزي: تجاهل زيزو لمصافحة نائب رئيس نادي الزمالك «لقطة ملهاش لازمة»    وزير الاستثمار: 16 مليار دولار حجم التجارة مع الصين.. ولدينا 46 شركة تعمل في مصر    «طلعوا الشتوى».. تحذير شديد بشأن حالة الطقس: استعدوا ل منخفض جوى بارد    نقل محمد صبحي للعناية المركزة بعد إغماء مفاجئ.. والفنان يستعيد وعيه تدريجيًا    لجنة المرأة بنقابة الصحفيين تصدر دليلًا إرشاديًا لتغطية الانتخابات البرلمانية    الزراعة: تحصينات الحمي القلاعية تحقق نجاحًا بنسبة 100%    «محدش كان يعرفك وعملنالك سعر».. قناة الزمالك تفتح النار على زيزو بعد تصرفه مع هشام نصر    السوبرانو فاطمة سعيد: حفل افتتاح المتحف الكبير حدث تاريخي لن يتكرر.. وردود الفعل كانت إيجابية جدًا    «لاعب مهمل».. حازم إمام يشن هجومًا ناريًا على نجم الزمالك    شيري عادل: «بتكسف لما بتفرج على نفسي في أي مسلسل»    الأهلى بطلا لكأس السوبر المصرى للمرة ال16.. فى كاريكاتير اليوم السابع    عدسة نانوية ثورية ابتكار روسي بديل للأشعة السينية في الطب    السقا والرداد وأيتن عامر.. نجوم الفن في عزاء والد محمد رمضان | صور    اليوم.. العرض الخاص لفيلم «السلم والثعبان 2» بحضور أبطال العمل    «الكهرباء»: تركيب 2 مليون عداد كودي لمواجهة سرقة التيار وتحسين جودة الخدمة    مواجهات بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلى شمال القدس المحتلة    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الاثنين 10 نوفمبر    مساعد وزير الصحة: نستهدف توفير 3 أسرة لكل 1000 نسمة وفق المعايير العالمية    طوابير بالتنقيط وصور بالذكاء الاصطناعي.. المشهد الأبرز في تصويت المصريين بالخارج يكشف هزلية "انتخابات" النواب    ترامب يتهم "بي بي سي" بالتلاعب بخطابه ومحاولة التأثير على الانتخابات الأمريكية    رئيس لجنة كورونا يوضح أعراض الفيروس الجديد ويحذر الفئات الأكثر عرضة    الطالبان المتهمان في حادث دهس الشيخ زايد: «والدنا خبط الضحايا بالعربية وجرى»    وفاة العقيد عمرو حسن من قوات تأمين الانتخابات شمال المنيا    «مش بيلعب وبينضم».. شيكابالا ينتقد تواجد مصطفى شوبير مع منتخب مصر    معسكر منتخب مصر المشارك في كأس العرب ينطلق اليوم استعدادا لمواجهتي الجزائر    مي عمر أمام أحمد السقا في فيلم «هيروشيما»    باريس سان جيرمان يسترجع صدارة الدوري بفوز على ليون في ال +90    «لا تقاوم».. طريقة عمل الملوخية خطوة بخطوة    مساعد وزير الصحة لنظم المعلومات: التحول الرقمي محور المؤتمر العالمي الثالث للسكان والصحة    ON SPORT تعرض ملخص لمسات زيزو فى السوبر المحلى أمام الزمالك    «لاعيبة لا تستحق قميص الزمالك».. ميدو يفتح النار على مسؤولي القلعة البيضاء    نشأت أبو الخير يكتب: القديس مارمرقس كاروز الديار المصرية    البابا تواضروس ومحافظ الجيزة يفتتحان عددًا من المشروعات الخدمية والاجتماعية ب6 أكتوبر    محافظ قنا يشارك في احتفالات موسم الشهيد مارجرجس بدير المحروسة    3 أبراج «مستحيل يقولوا بحبك في الأول».. يخافون من الرفض ولا يعترفون بمشاعرهم بسهولة    ميشيل مساك لصاحبة السعادة: أغنية الحلوة تصدرت الترند مرتين    أمواج تسونامي خفيفة تصل شمال شرق اليابان بعد زلزال بقوة 6.9 درجة    3 سيارات إطفاء تسيطر على حريق مخبز بالبدرشين    تطورات الحالة الصحية للمطرب إسماعيل الليثى بعد تعرضه لحادث أليم    كشف ملابسات فيديو صفع سيدة بالشرقية بسبب خلافات على تهوية الخبز    أداة «غير مضمونة» للتخلص من الشيب.. موضة حقن الشعر الرمادي تثير جدلا    هل يجوز الحلف ب«وحياتك» أو «ورحمة أمك»؟.. أمين الفتوى يُجيب    هل يجوز أن تكتب الأم ذهبها كله لابنتها؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    هل يذهب من مسه السحر للمعالجين بالقرآن؟.. أمين الفتوى يجيب    خالد الجندي: الاستخارة ليست منامًا ولا 3 أيام فقط بل تيسير أو صرف من الله    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مذبحة التراث فى الإسكندرية..فضة المعداوى تعود من جديد لإزالة معمارعروس البحر
نشر في الشروق الجديد يوم 07 - 02 - 2014

ما الفرق بين أن يموت مواطن بالتعذيب داخل قسم شرطة وأن يموت داخل عقار مخالف بسبب الإهمال والجشع؟ ما الفرق بين الإرهاب الذى يهدر أرواح البشر، والإرهاب الذى يدمر التراث والتاريخ ويمحوه من ذاكرة الوطن؟ كيف نحاسب المقاولين المخالفين، علما بأنهم دأبوا على وضع لافتة فى الطابق الأخير من كل عقار مخالف، تدل على مهنة صاحب الشقة، وهى القاضى «فلان»، أو ضابط الشرطة «علان»، هربا من العقاب؟
عقب ثورة 25 يناير عادت فضة المعداوى للظهور مرة أخرى، ليس فقط لتستولى على فيلا د. أبوالغار لكن لتلتهم تراث الاسكندرية المعمارى.
فضة الشخصية الدرامية الشهيرة تحولت إلى مافيا حقيقية تستخدم كل الوسائل غير المشروعة لتشويه تاريخ الاسكندرية.
كما قام عدد من البلطجية والمسجلين خطر ببناء نُصب شاى وأكشاك بحرم الطريق رافعين صور أقرانهم من شهداء الثورة، الذين توفوا أثناء محاولتهم اقتحام أقسام الشرطة، وعند هدم أى عقار متاخم لهم، يفرضون الإتاوة الجبرية على كل مقاول يحاول البناء بدون ترخيص.
شكل هؤلاء مافيا جديدة، فلا تجد مواطنا سكندريا إلا ولديه قصة يرويها عن استيلاء بلطجية على قطعة أرض من أصحابها بالسلاح، لينتهى المطاف بهم إلى مزاولة تلك المهنة التى جنوا منها ثروات طائلة، وبذلك أصبح البلطجية وأرباب السجون بناة مصر الجديدة بعد الثورة.
فى 12 سبتمبر 2012، وعقب تشكيل أول حكومة فى عهد «الإخوان»، عقدت مكتبة الإسكندرية مؤتمرا ضخما بحضور وزير الإسكان وجميع الجهات المعنية فى مجال الهندسة والعمارة والقانون، لوقف بناء العقارات المخالفة التى بلغت ما يزيد على 29 ألف عقار، وفق ما جاء على لسان الدكتور حسن علام، رئيس جهاز التفتيش الفنى على أعمال البناء.
استبشر الجميع خيرا وقتها، وبدت بارقة أمل تلوح فى الأفق، فإذا بأهالى الإسكندرية يستيقظون بعدها على واقعة هدم أقدم دار سينما فى المدينة، وهى سينما ريالتو الكائنة بشارع صفية زغلول.
لم يتوقف الأمر عند السينما، حيث استمر مسلسل بناء العقارات المخالفة على نطاق واسع بشرق وغرب المدينة، وبالطبع توقف الحديث عن تنفيذ قرارات الإزالة التى اختفت من جديد داخل أدراج مكاتب موظفى الأحياء، لحين إخراجها مع انهيار أحد العقارات.
ولا يخفى على الجميع أن مقاولى العقارات المخالفة يقومون بتسكين الأدوار العليا بالمهن التى لا يقوى أحد على تنفيذ قرار الإزالة لها، وذلك بوضع لافتات مكتوب عليها المستشار فلان وضابط الشرطة علان.
كابوس لورانس داريل
«البحر المتوسط بحر صغير للغاية، عظمته وامتداد تاريخه يجعلانك تتخيله أكبر مما هو الآن، إلا أن الإسكندرية لا يقل واقعها عما يمكن أن نتخيله».. عبارة نطق بها الكاتب الإنجليزى لورانس داريل وهو يدخن غليونه من داخل الفيلا رقم 19 بشارع المأمون بمنطقة محرم بك، والمبنية على الطراز الإيطالى منذ عام 1920، وكانت ملكا لعائلة المقاول الإيطالى «إمبرون» وزوجته الفنانة التشكيلية إميليا.
كان لورانس داريل وقتها بمكتبه داخل البرج الأثرى الملحق بالفيلا بالطابق الأخير، حيث كان يستعد لكتابة الجزء الأخير من آخر فصول روايته التى لم يكتب لها عنوانا بعد، وفجأة حدث شىء ما أشبه بزلزال جعله يقفز بالزمن نحو 70 عاما إلى عام 2014.
كل شىء أمامه لا يصدقه عقله، فما الذى حدث لحجرة مكتبه؟ ينظر من أعلى نحو حديقة الفيلا مصدر إلهامه الممتلئة بالأشجار والنباتات النادرة، ليجدها قد اختفت تماما وأقيم مكانها أبراج سكنية قبيحة.
ينزل لورانس إلى الدور الأرضى للفيلا، ويبدو المشهد له وكأنه كابوس، بل هو بالفعل كابوس، فالفيلا تحولت إلى كائن مهجور تخلعت أبوابها واقتلعت أعمدتها الرخامية من الجذور، وكل شىء تم تخريبه ولم يتبق منه سوى بقايا متناثرة.
يجلس على ما تبقى من أعمدة ويعود بالذاكرة للوراء إلى عام 1942، وقت أن استأجر الدور العلوى بالفيلا، بعد أن تم إلحاقه بالعمل كمراسل حربى للجيش البريطانى، ومكث فيها قبل أن يغادرها بشكل نهائى فى أعقاب العدوان الثلاثى على مصر عام 1956.
يبكى لورانس داريل على ذكرياته فى المكان الذى شهد ميلاد الرباعية الشهيرة له وهى رباعية الإسكندرية التى صدر أول أجزائها فى عام 1957، وقد صدرت تباعا بعناوين جوستين، وبالثازار ومونت أوليف، وانتهت بكاليه التى صدرت عام 59، وتحكى الرباعيات عن قصص رائعة داخل مناطق الملاحات وشارع النبى دانيال ومحرم بك وشارع التتويج وكوم الدكة وعمود السوارى ومحطة مصر ومقابر الشاطبى.
ينظر لورانس إلى عقارب ساعته، الوقت يمر فلابد من العودة إلى الماضى، لأن الحاضر الذى شاهده أصابه بصدمة وخيبة أمل كبيرة.
حقوق التعويض لملاك الفيلات التراثية
باعت عائلة أمبرون الفيلا عام 1996 لرجل أعمال مصرى يدعى عبدالعزيز أحمد عبدالعزيز، وبعد أن شيد برجين سكنيين فى حديقة الفيلا، يقول عبدالعزيز إن لديه تصريحا قضائيا بإزالة الفيلا، على الرغم من أن المبنى لا يزال محميا بالقانون الصادر فى عام 2006.
يؤكد عبدالعزيز أنه سوف يشرع فى إزالة المبنى إذا لم يتقدم أحد بمبلغ كاف لشرائه قائلا: «على الرغم من أن لى الحق فى الإزالة، لكننى لم أشرع فيها بعد حرصا على ذكرى داريل، ولكننى منتظر منذ خمسة عشر عاما، ولن أقوى على مزيد من الانتظار، وسوف تبدأ الإزالة فى أوائل 2014، إذا لم أتلق ردا».
هكذا كان تعليق صاحب فيلا أمبرون لعدد من الصحف الإنجليزية التى تسلط الضوء على الفيلا التى عاش فيها كاتبها لورانس درايل، والتى سكنها من بعده عدد من الشخصيات المرموقة، من بينهم ملك إيطاليا المنفى «فيتوريو إيمانويلى الثالث»، والفنانان التشكيليان المصريان البارزان «سعد الخادم» و«عفت ناجى».
فيلا أجيون وأبعاد أخرى للصورة
التقت «الشروق» مع ملاك فيلا جوستاف أجيون بالعقار 75 فى شارع منشا بمنطقة وابور المياه، والتى صممها المعمارى الفرنسى البارز أوجست بيريه سنة 1926، وتعد أحد أوائل المبانى التى استخدمت فيها الخرسانة الظاهرة فى العالم، وأدرجها اليونسكو ضمن قائمة التراث العالمى.
تقول زوجة مالك العقار: «لا أحد يعلم الظروف الاقتصادية التى تمر بها العائلة، ولا أحد يعلم كيف لعائلة تمتلك فيلا يقدر ثمنها بملايين الجنيهات، يعانون من أزمة اقتصادية صعبة من أجل فيلا بناها معمارى متميز.. لا تقدر الدولة قيمتها ويريدون أن نقدرها نحن».
تضيف: «رفض زوجى أن يستخدم أساليب المقاولين القذرة، وأن يستغل حالة الانفلات الأمنى أثناء الثورة مثلما فعل الكثيرون، ويهدم الفيلا، لأنه يريد أن يأخذ حقه بالقانون»، مؤكدة أنه صدر لهم 7 أحكام قضائية تبيح لهم هدم الفيلا، ولكنهم ينتظرون حكما نهائيا عقب صدور قرار بإخراجها من مجلد التراث.
وأشارت قائلة: «إذا كانت الدولة تريد الفيلا فنحن لا نمانع، إذا كنتم ترون أن تلك الفيلا قيمة للغاية فقوموا بشرائها من أصحابها، ولكن أن تظل الفيلا مثل البيت الوقف فهذا ظلم كبير».. هكذا كان رد زوجة مالك عقار فيلا أجيون حينما طرحنا عليها مسألة تعويض الدولة.
وأوضحت: «ذهبنا إلى السفارة الفرنسية مع أحد المهتمين بالقضية وعرضنا عليهم أن يشتروا الفيلا التراثية، إلا أنهم أكدوا عدم رغبتهم فى شرائها فى الوقت الحالى»، متسائلة: بعد كل ذلك تلومون أصحاب الفيلا ولا تلومون الدولة التى لا تقدر تراثها وتاريخها.
أنقذوا الإسكندرية
لمدينة الإسكندرية أبناء يحمون تراثها وتاريخها، يعشقون كل شبر فيها، كل حارة، كل شارع وبيت، لا يتنفسون إلا تلك الرائحة العتيقة التى تخرج من جدران المبانى الجميلة والبيوت الخشبية بالمنشية وشارع فؤاد والعطارين ومحطة الرمل، التى غلفها الزمن برائحة يود البحر.
أبناء الإسكندرية دشنوا حملة على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» تحت عنوان أنقذوا الإسكندرية، وهى مبادرة معنية بحماية وتحسين البيئة العمرانية للمدينة، تهدف إلى زيادة الوعى بما تبقى من تراث المدينة المعمارى الثرى، وبالمشكلات والتحديات العمرانية الأخرى التى تواجه المدينة.
وتعتبر «أنقذوا الإسكندرية» نفسها جماعة ضغط، فهى تسعى لإحداث تغيير فعلى فى مجال اهتمامها، سواء باتجاه نشر الوعى بالحق فى المدينة وقيمة التراث بين العامة، أو باتجاه الإصلاح الإدارى والقانونى نحو إدارة أفضل لعمران مدينة الإسكندرية.
وتشكلت المبادرة وبدأت فى التحرك والتفاعل داخل الإسكندرية منذ مارس 2012، حيث نظمت منذ هذا التاريخ عددا من الوقفات الاحتجاجية والمحاضرات والجولات المعمارية، كما تواصلت مع متخذى القرار فى مناسبات عدة، وتحرص المبادرة على التواصل مع المهتمين بقضيتها من خلال شبكات التواصل الاجتماعى، التى تمكنها من إطلاع المتابعين لها على أى اعتداءات أو تهديدات من شأنها أن تزيد من تدهور البيئة العمرانية بالمدينة.
القانون فى مواجهة مخالفات البناء
المستشار محمود بيرم التونسى، ممثل الادعاء بالمحكمة التأديبية بالإسكندرية، وحفيد بيرم التونسى وأحد مبدعى مدينة الإسكندرية على المستوى القانونى والثقافى، فند ل«الشروق» قضية الفيلات التراثية برمتها قائلا: «لدينا دستور جديد، التفت فى مادته الخمسين إلى أهمية الرصيد الثقافى المعاصر المعمارى، ولكن النص الدستورى وحده لا يكفى لمواجهة مشكلة مخالفات البناء التى جَرفت الإسكندرية من معظم تراثها المعمارى، فالمشكلة على الأرض مركبة، جانب منها سياسى وجانب آخر ثقافى، والثالث قانونى».
وأوضح المستشار بيرم أنه من الخطأ تحميل الجانب القانونى فى المشكلة وزر كل شىء، ورأى أن الجانب السياسى يحتاج إلى ضرورة امتلاك إرادة سياسية قوية تجاه حل المشكلة، وقصد بذلك النفاذ إلى جوهرها عبر التخطيط لمدينة سكنية جديدة ترحم المدينة العجوز.
وأضاف قائلا: «أذكر أن جماعة الإسكندرية بتكليف من المحافظة أعدت عام 1973، مخططا للمدينة عام 2000 تكلف وقتها أكثر من مليون جنيه، هذا المخطط الآن لن تجد منه نسخة فى ديوان المحافظة، ولكنى وجدته يباع على رصيف الكتب بشارع النبى دانيال».
وأشار المستشار بيرم إلى الجانب الثقافى الذى يلعب دورا مهما بالنسبة للإسكندرية، فالمعمارى الفرنسى الشهير «أجوست بيريه» الذى أدخل الخرسانة المسلحة فى بناء الفيلات، عندما خرج من باريس لم يجد إلا ميدان وابور المياه فى الإسكندرية ليشيد نموذجه من الفيلات، وهى الفيلا المواجهة للنادى الأوليمبى، والتى تعانى الآن من التخريب المتعمد، مما يؤكد أنه لا يمكن الفصل بين الجوانب المختلفة للمشكلة.
اضطراب تشريعى
وعن الجانب القانونى للمشكلة يقول: «هناك اضطراب تشريعى يحتاج إلى ضبط، فمثلا عندما أقام المحامى السكندرى أكرم النقيب عام 2002 دعوى امام محكمة القضاء الإدارى لإلغاء قرار حى شرق الإسكندرية برفض منحه ترخيصا بهدم الفيلا بسبورتنج، وقد هدمت لاحقا، جاء الحكم ليكشف عن جزء من هذا الاضطراب والتداخل».
ويكمل: «إذا كان وزير الإسكان قد عدل اللائحة التنفيذية للقانون رقم 106 لسنة 1976، وحظر هدم الفيلات، فتبعه رئيس مجلس الوزراء وأصدر قرارا بذات المعنى رقم 3086 لسنة 1996، وراح محافظ الإسكندرية لينشئ تبعا لذلك جدولا بهذه الفيلات، ولكن المحكمة الدستورية قضت بعدم دستورية القرارين، وقضت المحكمة الإدارية العليا بأن القرارين اصطنعا شروطا لم ينص عليها قانون هدم المبانى أصلا».
وأضاف بيرم: «عندما أصدر المشرع القانون رقم 144 لسنة 2006، محاولا تلافى العيوب التى كان الحكم السابق قد كشفها، وقع تضارب فى صيغة المادة الثانية للقانون والمادة المقابلة لها فى اللائحة التنفيذية فى القانون، دفعت للقضاء فى قضية هدم فيلا المستشار عبدالمسيح سميكة باشا، نائب رئيس المحكمة المختلطة، إلى تجاهل اللائحة التنفيذية التى تتفق وأهداف التراث».
وأشار إلى أن الأخذ بتفسير غير موسع يرى أن صفة التمييز هى بمثابة شرط عام ينبغى أن يتوافر فى كل عمارة تدرج فى جدول الحظر، ولكن يجب توافر شرط آخر أن يكون التميز مقرونا بتاريخ قومى أو شخصية تاريخية أو.. إلخ.
ويكمل: «اللجنة الفنية التى صممت جدول الحظر اعتبرت أن العمارة المتميزة سبب فى ذاتها للإدارج دون الحاجة للاقتران بسبب آخر، وقد جرى فى هذا الاتجاه أكثر من 29 حكما، مما يلقى بعبء على البرلمان القادم، أن يصدر تحديثا تشريعيا عاجلا للحفاظ على التراث المعمارى، مؤداها أن يجعل من إدراج الإدارة لعقار فى الجدول بمثابة قرينة، ويكون عبء إثبات العكس على المدعى بغير ذلك، وأن يجعل من تميز العمارة فى ذاته سببا للإدراج فى جدول الحظر، دون أن يقرن ذلك بأسباب أخرى، ويتصل بالجوانب التنظيمية القانونية فكرة المساءلة القانونية للقائمين على الإشراف على عمليات الهدم والبناء».
ويضيف المستشار بيرم قائلا: «بحكم عملى كممثل الإدعاء التأديبى، ألاحظ أن جميع البلاغات لا تأتى إلا بأثر رجعى، بعد أن يكون البناء المخالف قد تم شغله بالسكان، فأين الرقابة الإدارية وإدارات المتابعة، كما ألاحظ أن مستويات الرقابة الداخلية بين الأقسام المختلفة فى الإدارات الهندسية أو إدارات المتابعة فى الأحياء أو حتى على مستوى وزارة الإسكان، غير مجدية».
ورأى أنه من الأفضل أن يتم تعديل قانون الحكم المحلى ويمنح قطاعات خارجية أو هيئات مستقلة الحق فى الرقابة على كل مستوى من القرارات التى تصدرها الإدارة الهندسية، وأيضا فى الرقابة على التنفيذ، مشيرا إلى أن الإدارات الحكومية أصبحت مخترقة.
وطالب المستشار بيرم بضرورة أن تفعل النيابة الإدارية الجانب الجنائى المنصوص عليه فى القانون رقم 119 لسنة 2008، بشأن إهمال مهندسى الأحياء وتبلغ النيابة العامة ضدهم، ولا تكتفى بالجزاء الإدارى، وكذلك توقيع عقوبة الفصل ضد هؤلاء المهندسين الذين باتوا ضيوفا دائمين على المحاكمات التأديبية وإفساح مكانهم للشباب.
واختتم حديثه بمؤتمر مشترك بين مجلس الدولة الفرنسى ومحكمة النقض بباريس فى ديسمبر 2013، والذى انتهى إلى أن العقوبة يجب أن تتطور حتى تصل إلى نقطة التوازن بين احتياجات المجتمع، معبرا عنها فى ثقافته، وبين القانون، قائلا فى هذا الإطار: «إنها مسألة دقيقة وصعبة أتمنى معها من المجتمع الجديد فى مصر أن يصل فيها إلى نقطة التوازن تلك».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.