الصراع والخلاف بين دعاة إجراء الانتخابات بنظام القائمة الحزبية أو بالنظام الفردى أو المزج بين النظامين قديم ومثار منذ أوائل الثمانينيات والمؤكد أنه سوف يستمر لسنوات حتى يستقر المجتمع ويصبح طبيعيا ويفرز قوى سياسية فاعلة. ورغم أن الانتخابات النيابية قد صارت تالية للانتخابات الرئاسية فقد بدأنا الآن نشهد انقساما متوقعا داخل معسكر القوى الليبرالية أو بعبارة أخرى غير الإسلامية،خلاصتها أن لديهم مخاوف من أنه إذا أجريت الانتخابات بنظام القائمة فقد تأتى بالإخوان وبقية التيار الاسلامى وإذا أجريت بالفردى فقد تأتى بفلول ورموز الحزب الوطنى المنحل. هذا الانقسام زاد بعد تسريبات بأن النية تتجه لاعتماد النظام الفردى فقط. أنصار الفردى يقولون إن الناخب لا يعرف غيره إضافة إلى أن جذور الأحزاب المدنية فى التربة المصرية هشة للغاية وبالتالى فإن المستفيد الوحيد من القوائم سيكون للقوى المنظمة والتى تملك مالا كثيرا وللمصادفة البحتة فإن ذلك ينطبق تماما على الإسلاميين. يرد أنصار الانتخاب بالقائمة بقولهم إنه إذا لم نبدأ فى تجريب القوائم الآن فمتى سنجربها وأن الطبيعى أنها ستأخذ وقتا وجهدا. المشكلة الجوهرية أن كل ذلك يبدو نقاشا جدليا وأحيانا عقيما فى ظل أن الأحزاب المصنفة مدنية لا تريد أن تنزل إلى الشارع وتعمل بجدية لكسب ثقة الناخب. مربط الفرس هو أن تكون لدينا أحزاب حقيقية على أرض الواقع وليس فى وسائل الإعلام والندوات والمؤتمرات والسفريات فقط. الأصل أن يكون هناك حزب له أفكار ومبادئ وبرامج يعرضها على الناس وينال على أساسها ثقة الناخبين، والأصل أن يتواجد هذا الحزب وسط الناس يعبر عنهم ويتفاعل مع قضاياهم وهمومهم ومشكلاتهم ويكون له كوادر فى كل مكان فى البلاد وليس مجرد مقر وصحيفة فى منطقة وسط البلد بالقاهرة. من دون وجود وسط الناس فإن الحزب لا يحق له أن يصف نفسه بأنه جماهيرى، وبالتالى فإن خوف الأحزاب أو بعض السياسيين من إجراء الانتخابات بنظام القوائم إذا صح يكون كارثة ويدعونا إلى نصح هذه الأحزاب باعتزال السياسة. عندما تكون جماعة الإخوان فى هذه الحالة المزرية من الضعف ومعظم قادتها داخل السجون والبقية مطاردون ورغم كل ذلك تكون هناك مخاوف انتخابية منها فالمعنى الوحيد أنه لا توجد لدينا أحزاب فعلية. ما لا يريد السياسيون الاعتراف به هو أن وجود حزب مدنى كبير ومؤثر لن يتم بين يوم وليلة أو بين عشية وضحاها. هو يحتاج إلى وقت وجهد ومال كثير، لكن الأهم من كل ذلك يحتاج إلى فكر خلاق وقدرة على مخاطبة الناس وإثارة حماسهم والتعبير عن مشكلاتهم. لو أن الأحزاب التى تسمى نفسها مدنية لا تزال تخاف جماعة الإخوان وهى فى هذه الحالة من الضعف والتفكك، فعليها أن تبحث عن مهنة جديدة وتريحنا من العبثية والعدمية. قبل أن تتحدث غالبية الأحزاب المسماة مدنية عن ضرورة اعتماد القوائم فعليها أن تبرهن للشعب أولا على أن لها وجودا فعليا على الأرض. ولسوء الحظ فبعض هذه الأحزاب شبه ميتة وبعضها جرى دفنه بالفعل بل تم تقبل العزاء فيها.