سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بهاء طاهر وهالة البدرى.. بالمصادفة قدمهما يوسف إدريس طاهر: جيلنا هو الأسعد ونضجنا على أيدى قامات كبيرة مهدت لنا الطريق.. والبدرى: نظرية مؤامرة جيل الرواد ضد الشباب لا أساس لها من الصحة
حوار «بين جيلين».. لقطة جديدة تقام حديثا فى معرض القاهرة للكتاب هذه الدورة، بالتعاون مع لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة، ربما غرضها تهدئة الأوضاع بين الأجيال الأدبية. الثلاثاء الماضى كان من المفترض أن يكون الحوار بين الروائيين بهاء طاهر وطارق إمام، فى حضور الناقد حسين حمودة والشاعر شعبان يوسف، المسئول عن نشاط المقهى الثقافى، وإدارة وتقديم هالة البدرى، لكن اللقاء أصبح بين جيل بهاء طاهر وجيل هالة البدرى، ربما لأن الدعوة لم تصل لطارق إمام. شعبان يوسف لفت النظر إلى أنه قرأ أول قصة لبهاء طاهر بعنوان «المظاهرة»، والتى قدمها يوسف إدريس وكان منبهرا بها إلى أقصى حد، والمفارقة أن أدريس أيضا هو من قدم هالة البدرى. أما الناقد حسين حموده فطرح سؤالا: «لابد وأن كاتبينا ينتميان إلى سياقين مختلفين لكل منهما تأثيره الخاص على ملامح المشروع الأدبى الذى قدماه. والسؤال هنا لأى حد يؤثر هذا السياق على بدايات الكتابة ولأى حد يمكن أن يكون مغايرا؟ قال الروائى الكبير بهاء طاهر إن: «الموضوع يعكس تراث الثقافة والتعاون بين الأجيال، أنا أنتمى لجيل الستينيات ونحن جيل سعيد الحظ، نضجنا على أيدى قامات كبيرة مهدت لنا الطريق وشجعتنا، لم نواجه صراعا من الجيل السابق علينا بل على العكس تماما، حظيت بدعم كبير فى بداياتى من العظيم يوسف إدريس عندما قدم أول قصصى القصيرة فى مجلة «الكاتب»، وأعتبر نفسى محظوظا لأنى عاصرت نجيب محفوظ ويحيى حقى ولويس عوض. وأضاف طاهر: استفدت كثيرا من هؤلاء العمالقة فى مشروعى الأدبى، وكنت حريصا طوال الوقت ألا أقلد أيا منهم فى الكتابة، حاولت أن أشق طريقا مستقلا ولغة مستقلة. وكان ذلك من أهم ما تميز به جيل الستينيات، فقد طوع السياق الثقافى الذى نشأ فيه فى إحداث ثورة على أساليب الكتابة وتبنى مسالك جديدة تناسب الحالة الثورية التى سادت بعد ثورة 1952، وأظننا نجحنا فى ذلك إلى حد كبير، وفى هذه الفترة كان عبدالناصر يمسك بزمام الثقافة بيد قوية، وبدأ يعيد صياغة الواقع بجوانبه الواقعية والاقتصادية والسياسية، وسيطر الفكر القومى على هذه الثقافة لكنى كنت مغامرا دائما فى كتاباتى لا أمتثل لأى قيود. أما الكاتبة هالة البدرى فرأت أن فكرة الصراع بين الأجيال ونظرية المؤامرة التى يروج البعض أنها تحاك من قبل جيل الرواد لحجب الفرصة عن جيل الشباب لا أساس لها من الصحة، موضحة أن تراكم المراحل الإبداعية تطور طبيعى للفن. وقالت: «بداياتى مع الكتابة كنت أتلمس الطريق بحذر، ساندنى أديبنا الكبير بهاء طاهر، اهتم بأعمالى الأولى قرأها ولم يبخل على بالنصح والإرشاد، كذلك كان عطاؤه لجميع الكتاب الجدد. لكنى لم أتأثر بكاتب معين، جميع العمالقة الذين قرأت لهم أثروا فى كتابتى الأدبية أمثال نجيب محفوظ، يحيى حقى، توفيق الحكيم، العقاد، طه حسين، ومن جيل الستينيات بالطبع بهاء طاهر ومحمد البساطى، وعلى عكس الكثيرين لم أسع ليكون لى أسلوب مميز فى الكتابة، بل حاولت تجديد نفسى فى كل عمل أكتبه. وحول سؤال حسين حمودة لطاهر والبدرى عن مدى تأثير الضابط الدينى أو القيد الاجتماعى على تجربة الكتابة، أجابه طاهر بأن: «الضغوط التى يمارسها من يدعون التدين على حرية الإبداع لم يكن لها وجود فى الستينيات، ولم يكن لأنصار التيار الإسلامى حينها أى تأثير. كنت أقدس حريتى فى الكتابة، أغامر فى اختراق التابوهات. ولكنى كنت حريصا جدا ألا يكون ما أكتب مبتذلا ومثيرا، بل كنت أتحدث عن الصراعات بشكل مهذب». فى حين رأت هالة البدرى صاحبة «منتهى»، و«ليس الآن»، أن الكاتب دائما ما يكون مراوغا يهرب بحيل ذكية من مناطق الاشتباك مع الثوابت الدينية ويقول أيضا ما يريده بطريق غير مباشر... «أظن أن الرقيب الداخلى للكاتب هو ما يجب أن يوجهه، وكثيرا ما كنت أتعمد أن أحاصر هذا الرقيب فى داخلى وأنا أكتب فأفشل، وأكتشف أنه أذكى منى سبقنى وتسرب إلى النص، فلا تشغلنى التابوهات لا أتعمد الكتابة عنها بل أترك الكتابة تأتى بانسيابية دون أن أقرر مصيرها مسبقا». وتطرقت الجلسة إلى الجدل حول أدب الثورة، بهاء طاهر حسم الأمر قائلا: «أكذب لو قلت أنى سأكتب عملا عن الثورة، كل الأعمال التى كتبت عن ثورة 25 يناير هى أقرب إلى الريبورتاج منها إلى عمل أدبى مكتمل، فأنا أقبلها كنوع من الذكريات يوثق لأحداث الثورة وما تبعها، ولكنها ليست أعمالا خلقت لتبقى، الكتابة عن الثورة تتطلب منا الانتظار، لا يمكن أن تكتب عن ثورة وأنت تقف فى وسطها، هى كالدوامة تبتلعنا وحتى نكتبها يجب أن نقف على أرجلنا أولا ونتأملها من بعيد، هذا بالنسبة للأعمال الروائية، ولكن قد يكون الشعر أكثر قدرة على التعبير عن الحدث الثورى، فما يجوز له لا يجوز لغيره، وقد قرأت ديوان «الميدان» لعبدالرحمن الأبنودى الذى أبدع فى وصف الثورة والتعبير عنها. أما هالة البدرى فقالت: «بحكم عملى فى الصحافة كنت مجبرة على متابعة أخبار السياسة لحظة بلحظة، مهنتى ورطتنى فى ذلك، ولاحظت أن هناك أوراقا كثيرة توزع فى الشوارع منذ بدء الثورة، جمعتها وأعددت كتابا اسميته «قراءة فى أوراق الثورة» لكنى لا أعدها كتابة إبداعية، فهذه الربكة الثورية التى نعيشها لا يمكن أن تخرج عملا روائيا مكتملا، ولكن هناك صورا دقيقة تتخلل المشهد الثورى، لا أملك إلا أن أدونها حتى أكتبها يوما ما، فالروائى يختزن التفاصيل فى داخله ويخرجها حين يتاح وقتها.كيف نحارب الفقر ونحمى الفقراء؟