توقع الملياردير الأمريكي بيل جيتس أن يختفي الفقر في العالم بحلول عام 2035. وأصدر جيتس وزوجته ميليندا مؤخرا الخطاب السنوي لمؤسسة «جيتس»، للرد على ثلاث أساطير بشأن الفقر في العالم. الأسطورة الأولى: الدول الفقيرة ستظل فقيرة يقول بيل جيتس إن هذه الأسطورة خاصة بالحال في الكثير من الأماكن، ولكن أغلبها يوجد بأفريقيا، ولكنها غير صحيحة، فالحقيقة أن الدخل ووسائل الترفيه الأخرى ترتفع في كل مكان تقريبًا، بما في ذلك في أفريقيا ذاتها. مدينة مكسيكو عام 1986 وعام 2011 نيروبي عام 1969 و عام 2009 شنجهاي عام 1978 وعام 2012 توضح هذه الصور قصة قوية: أعيد رسم الصورة العالمية للفقر بالكامل. إن دخل الفرد في تركيا وتشيلي تساوى مستوى الدخل في الولاياتالمتحدة عام 1960، وتقترب ماليزيا من هذا الأمر كما هو الحال للجابون. ومنذ 1960، ارتفع الدخل الحقيقي للفرد في الصين ثمانية أضعاف، والهند أربعة أضعاف، والبرازيل خمسة أضعاف تقريبًا، وشهدت جمهورية بوتسوانا زيادة لدخل الفرد بمقدار ثلاثين ضعفًا. لذلك فإن الطريقة الأسهل للرد على هذه الأسطورة هي الإشارة إلى حقيقة أن هذه الدول لم تبقى فقيرة، وان العديد من الدول التي كنا نعتبرها فقيرة أصبحت مزدهرة اقتصادياً. وانخفضت نسبة الفقراء بها بما يزيد عن النصف منذ عام 1990. لا يزال هناك أكثر من مليار شخص يعيش في فقر بالغ، لذلك فهذا ليس وقت الاحتفال، ولكن من المنصف القول إن العالم تغير كثيرًا لدرجة أن مصطلحي «الدول النامية» و«الدول المتقدمة» أصبحا عديمي الفائدة. الأسطورة الثانية: المساعدات الخارجية مضيعة كبيرة قال جيتس إن الناس يعيشون أطول وتصبح صحتهم جيدة، ويهربون من الفقر جزئيًا بسبب الخدمات التي ساعدت المعونات بتطويرها وتوصيلها اليهم. وإن كانت المساعدات واحدة من الأدوات المستخدمة لمكافحة الفقر والأمراض، فان الدول الغنية أيضًا تحتاج لإجراء تغيرات في السياسة، مثل فتح أسواقها، كما تحتاج الدول الفقيرة لمزيد من الإنفاق على الصحة والتنمية لشعوبها. إن هذه الأسطورة تعطي القادة السياسيين سببًا لتقليص المساعدات، وهذا يعني قلة في عدد الأرواح التي يمكن إنقاذها، وزيادة في الوقت حتى تصبح هذه الدول مكتفية ذاتيًا. المساعدات الخارجية تساعد اللاجئين مثل نيكوز عزيزة على إطعام أسرهم والبقاء في صحة جيدة ( مخيم كيزيبا - رواندا - 2011) يعتقد الكثيرون أن المساعدات تشكل نسبة كبيرة من ميزانيات الدول الغنية، مما يعني إمكانية التوفير إذا تقلص حجم المساعدات المقدمة، ولكن هذا ليس صحيحًا، فالنرويج الدولة الأكثر سخاء في العالم تبلغ حجم المساعدات التي تقدمها نسبة أقل من 3 % من ميزانية الدولة. في حين تشكل المساعدات التي تقدمها الولاياتالمتحدة نسبة 1 % فقط من ميزانية الدولة، وهي تبلغ حوالي 30 مليار دولار سنويًا، سُنفق حوالي 11 مليار دولار على الصحة: اللقاحات والناموسيات، وتنظيم الأسرة والأدوية التي تبقي المصابين بالإيدز على قيد الحياة، وتذهب ال 19 مليارا الأخرى إلى بناء المدارس والطرق ونظم الري. يوضح هذا الرسم عددًا قليلًا من البرامج التي تدعمها المعونة المقدمة من الولاياتالمتحدة وغيرها من الجهات المانحة، وكما نرى فالتأثير مثير للإعجاب. إن واحدة من أكثر القصص شيوعًا حول المعونة هو أن بعضها تُهدر بسبب الفساد، ولأنه من الصحيح أنه عندما تُهدر أو تُسرق المعونة الصحية فإن هذا يضر بالأرواح، فاننا نحتاج استئصال الفساد. الأسطورة الثالثة: إنقاذ الأرواح يؤدي إلى الزيادة السكانية تقول ميليندا جيتس إن نهج ترك الأطفال يموتون الآن حتى لا يموتون جوعًا في وقت لاحق لا يعمل في الوقت الحاضر. قد يكون الأمر متناقضًا، لكن الدول التي تزيد فيها الوفيات هي الأسرع نموًا في العالم؛ لأن النساء في هذه الدول تميل إلى المزيد من المواليد أيضًا، ويناقش العلماء الأسباب الدقيقة لذلك، ولكن العلاقة بين معدلات وفيات ومواليد الأطفال قوية. على سبيل المثال، في أفغانستان حيث معدل وفيات الأطفال قبل بلوغهم الخامسة من عمرهم مرتفع للغاية، فان متوسط الأطفال للنساء الأفغانيات يبلغ 6.2، ونتيجة لذلك، وعلى الرغم من أن أكثر من 10 % من الأطفال الأفغان لا يبقون على قيد الحياة، فمن المتوقع أن يزيد عدد السكان من 30 مليونا إلى 55 مليونا بحلول عام 2050. وعندما يبقى الأطفال على قيد الحياة بأعداد أكبر، يقرر الأهالي أن تكون الأسر صغيرة. ففي تايلاند على سبيل المقال بدأ معدل وفيات الأطفال في الانخفاض عام 1960، وعندما استثمرت الحكومة في برنامج قوي لتنظيم الأسرة عام 1970 بدأت معدلات الموالد في الانخفاض. فقط، أصبح متوسط الأطفال عند المرأة التايلاندية اثنين بعد أن كان ستة، واليوم أصبح معدل وفيات الأطفال في تايلاند منخفضًا كما هو الحال في الولاياتالمتحدة. سنجد الأمر ذاته في الرسم البياني أدناه عن البرازيل: انخفض معدل وفيات ومواليد الأطفال، ويوضح معدل النمو السكاني نمو معدل السكان بشكل أبطأ مع نجاة المزيد من الأطفال، وسيكون الأمر متشابه فيما يخص باقي دول أمريكا الجنوبية. عندما يحصل الأطفال على التغذية الجيدة، والتطعيم الكامل، والعلاج من الأمراض الشائعة مثل الإسهال والملاريا والالتهاب الرئوي، يصبح المستقبل أكثر قابلية للتنبؤ، ويبدأ الأهالي صنع القرارات بناء على توقعات معقولة أن أبناءهم سيبقون على قيد الحياة. تحتاج الحكومات لوضع سياسات لمساعدة الدول على الاستفادة من الفرصة التي أوجدتها التحولات الديموجرافية. وبمساعدة الجهات المانحة، تحتاج الحكومات للاستثمار في الصحة والتعليم، وأولويات تعليم الأسرة، وخلق فرص العمل. في الواقع فان إنقاذ الأرواح لا يؤدي إلى الزيادة السكانية، ولكن الأمر على العكس تمامًا. إن خلق مجتمعات توفر الرعاية الصحية، والرخاء النسبي، والمساواة الأساسية، والوصول إلى وسائل منع الحمل هي الطريقة الوحيدة لضمان عالم مستدام. الأطفال الذين يحصلون على بداية صحية في الحياة يبدأون دورة فعالة للتنمية (داكار، السنغال 2013)