عندما يبلغ المرء عامه الخمسين يواجه نفسه للمرة الأولى، يحاول اقتناص فرصة بلوغ «منتصف العمر» للتوصل إلى تفاهم مع الحياة، والتصالح مع وضعه الحالى فيها قياسا بأحلامه، والتوفيق بين أهدافه التى باتت بعيدة عن التحقق وتلك التى مازال قادرا على السعى خلفها. إلا أن بلوغ تلك العتبة داخل أسوار البيت الأبيض، وكسيدة أولى للولايات المتحدةالأمريكية، يعد لحظة مهمة وفارقة، رغم أنها لم تتكرر سوى مرتين فى التاريخ، مع زوجة الرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون، هيلارى، وزوجة الرئيس الحالى، باراك أوباما، ميشيل، التى احتفلت بعيد ميلادها الخمسين الجمعة الماضية. هيلارى رودهام كلينتون، أول سيدة أولى تبلغ الخمسين فى مقر الرئاسة الأمريكية يوم 26 أكتوبر 1997، ولم تكن المناسبة بالنسبة لها مجرد احتفال، بل تخطت ذلك لتصبح خطا فاصلا بين حياتها قبل تلك اللحظة، وحياتها بعدها. فهيلارى دخلت عامها الخمسين محملة بكدمات صعبة، على حد وصف صحيفة «واشنطن بوست»، جراء مشوار زوجها الصعب، وفشل جهدها السياسى لإصلاح نظام الرعاية الصحية، وانضوائها بعيدا عن الأنظار، إذ كانت نادرة الظهور فى المناسبات العامة. كما كانت تعانى على الصعيد الشخصى فى ظل ابتعاد ابنتها الوحيدة تشيلسى عنها للدراسة فى كلية تبعد 300 كيلومتر عن واشنطن. وبعد أن انتصف عمرها شرعت فى اتخاذ خطوات لإعادة التأهيل السياسى، وبدأ صوتها يتردد خارج البيت الأبيض، خصوصا عندما أعلنت فى الصين أنه «لا مجال للحديث عن حقوق المرأة خارج إطار حقوق الإنسان»، ما دفع سنغاليات لتلقيبها ب«الأخت هيلارى»، وسميت قرية باسمها فى بنجلادش. بعد عام من تلك اللحظة، استطاعت هيلارى أن تتجاوز فضيحة زوجها الجنسية مع مونيكا لوينسكى، وبدأت الاستعداد لخوض انتخابات مجلس الشيوخ، ففازت مرتين متتاليتين بسهولة عن ولاية نيويورك، قبل أن تخسر الجولة التمهيدية، داخل الحزب الديمقراطى، لانتخابات الرئاسة الأمريكية أمام أوباما عام 2008، ثم شغلت منصب وزير الخارجية لأربع سنوات، والآن وهى فى ال66 من العمر، وتستعد لخوض سباق الرئاسة فى 2016، بحسب وسائل إعلام أمريكية. أما ميشيل، فترى «واشنطن بوست» أن هناك تكهنات كثيرة حول الفصل القادم فى حياتها، معتبرة أنه «بالنسبة لميشيل، كل شىء يبدو ممكنا». وتشترك ميشيل مع هيلارى فى أن كلتيهما رمز، فالأولى أول أمريكية من أصل أفريقى تصبح السيدة الأولى للولايات المتحدة، والأخيرة كانت رمزا لجيل من السيدات النسويات. واستقبلت ميشيل لحظة «منتصف العمر» ببهجة لا تشوبها شائبة، رغم حالة عدم الاتزان التى تمر بها رئاسة زوجها لأقوى دولة فى العالم. ويتناقض تأكيد صحيفة «ديلى تليجراف» البريطانية على أن السيدة الأولى الحالية تمسك بزمام السلطة الحقيقية فى البيت الأبيض، مع طبيعة ميشيل التى تبعد نفسها عن أتون السياسة، وتكرس وقتها لحملات دعائية «للغذاء الصحى»، وترقص الهيب هوب فى برامج كوميدية تليفزيونية، فى تصرف يراه المحافظون غير لائق. هذه هى ميشيل نفسها التى طالبت مدعوين لعيد ميلاد فى البيت الأبيض بتناول الطعام قبل القدوم، فى خطوة متعمدة كسرت بها كل القواعد الاجتماعية المتعارف عليها، ولم تكن لتخرج من هيلارى، مثلا، بحسب «ديلى تليجراف». أما «واشنطن بوست»، فترى أن السيدة الأولى قادرة على صياغة مستقبل قوى بعد انتهاء رئاسة زوجها، استنادا لدورها الرئيسى فيما وصل إليه أوباما، وشعبيتها الكبيرة التى بلغت فى آخر استطلاعات الرأى 60% متفوقة على زوجها، كما يدعم اختيار مجلة «فوربس» الأمريكية لها كرابع أقوى سيدة فى العالم، وجهة النظر التى تؤكد أن «سيدة قوية جديدة ستولد بعد الخمسين فى أمريكا».