حكمت المحكمة حضوريا بمعاقبة كل من.... يا لها من كلمات ثقيلة الوطأة أحيانا... كنت من ضمن العشرات الذين تجمعوا عند دار القضاء العالى صباح الأحد 5 يناير لحضور جلسة النطق بالحكم فى القضية المعروفة اعلاميا بقضية حرق مقر أحمد شفيق، والمتهم فيها 12 شخصا من بينهم بائع فاكهة متجول شاء حظه العثر أن يوجد بالقرب من المقر وقت نشوب الحريق، ومن بينهم النشطاء الذين أتشرف بصداقتهم منذ سنوات علاء عبدالفتاح وأخته منى سيف. تأتى الأحكام إما بالعقوبة وإما بالبراءة، وحيث أننا كأفراد كنا متأكدين من براءة على الأقل بعض المتهمين، فقد كنا نأمل أن تأتى الجملة حاملة البراءة. حكمت المحكمة حضوريا بمعاقبة كل من.. أكيد مش كل الأسماء حتتقال.. أكيد فيه منهم براءة.. هكذا حدثنى عقلى وأنا أستمع بإنصات إلى القاضى...كل الأسماء قيلت.. «بمعاقبة».. ليه؟ مافيش أى دليل ادانة ضد الناس دى؟ بمعاقبة عن ايه؟... «بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة»... وضعت يدى على فمى اكتم صرخة كادت تصدر رغما عنى وأنا أحاول ان استمع إلى باقى الحكم لعلى أعرف ما التهمة التى ثبتت على أصدقائى وعلى بائع الفاكهة وعلى تسعة آخرين يعاقبون عنها فى قضية قال صاحب الشأن الأول فيها لوسائل الاعلام انه تنازل عن البلاغ لأنه لا يريد أن يحاكم شباب الثورة باسمه.. حكمت المحكمة حضوريا بمعاقبة كل من.. أعرف أنها ثوان مرت بين أول الجملة وبين «وأمرت (المحكمة) بايقاف التنفيذ» التى سمعناها لاحقا، ولكنى إلى هذه اللحظة لا أستطيع وصف كم المشاعر التى مرت بداخلى أثناء هذه اللحظات والتى شعرت انها دهر كامل، خاصة بعد أن قرأ القاضى كل أسماء المتهمين الاثنى عشر.. ولا يزال الحكم بالادانة حتى مع إيقاف التنفيذ.. كان اليوم فى مجمله سيرياليا غريبا بالنسبة لى، فقد كانت هناك أكثر من جلسة مهمة.. جلسة النطق بالحكم فى قضية «الونش»، وهى القضية المتهم فيها عرفة معوض بمحاولة اقتحام قصر الاتحادية أثناء رئاسة محمد مرسى.. عرفة محبوس منذ 11 شهرا على ذمة التحقيق وجاء الحكم سنة مع ايقاف التنفيذ (بعد ما قضاها فعليا حبيسا على ذمة التحقيق!!).. جلسة تجديد حبس شريف فرج للمرة الرابعة على ذمة التحقيق.. شريف معيد فى كلية الفنون الجميلة بجامعة الاسكندرية، وأحد مؤسسى حملة الحفاظ على التراث المعمارى للإسكندرية، اعتقل من بيته بعد اعلان رفضه لقانون التظاهر واتهموه اولا بالانتماء لجماعة الاخوان ثم أضيفت تهم أخرى آخرها سرقة بنك!! وجُدد لشريف الحبس 15 يوما للمرة الرابعة.. جلسة تجديد حبس «معتقلى القهوة»، وهم عشر طلاب قبض عليهم لتجرؤهم بالحديث عن السياسة أثناء جلوسهم على قهوة، وتم تجديد حبسهم أيضا.. جلسة أحمد مندور عضو حزب التحالف الشعبى الاشتراكى وأحد مؤسسى حملة أحياء بالاسم فقط الذى قبض عليه فى يوليو فى أحداث رمسيس على انه اخوان أثناء وجوده بالصدفة فى المنطقة (تم تأجيل النطق بالحكم ليوم الخميس 9 يناير).. وطبعا جلسة النطق بالحكم فى حرق مقر شفيق. ••• حرق مقر شفيق.. منى سيف فراشة الثورة متهمة بحرق مقر شفيق!! هكذا كنت أفكر هذا الصباح السيريالى وأنا أرقبها تدخل فى هدوء وسكينة إلى قفص الاتهام.. وكان الخاطر الوحيد المسيطر على ذهنى هو أن الثورة فى أنقى صورها قابعة فى قفص الاتهام.. عرفت منى سيف فى 2011 حين انضممتُ لمجموعة لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين وبُهِرت بقدرتها على الاهتمام بمشاكل وأوجاع الآخرين (خاصة البسطاء) حتى فى أحلك اللحظات لها شخصيا.. لن أنسى أبدا يوم أن كنا نتنظر خارج مجمع المحاكم العسكرية س 28 حيث كنا نأمل فى ذلك اليوم من شهر ديسمبر 2011 فى إخلاء سبيل أخيها علاء عبدالفتاح الذى فضل أن يرضخ للسجن عن أن يحاكم أمام القضاء العسكرى.. كانت منال زوجته فى الشهر التاسع من حملها وكنا نأمل فى اخلاء سبيله كى يشهد ولادة ابنه البكر.. تم رفض الطعن وهو ما كان يعنى ولادة خالد وأبيه فى السجن. خيمت علينا جميعا حالة من الحزن والوجوم، وذهبت أبحث عن منى كى ننصرف بعد أن باءت المساعى بالفشل. وجدت منى جالسة على الرصيف أمام بوابة س 28 محاطة بكم من المصريين البسطاء من أهالى المحاكمين عسكريا وهى منكبة على النوتة الصغيرة التى تسجل فيها تفاصيل القضايا. تمسح منى حزنها بمساعدة الآخرين، فالحرية هى الغاية والهدف لكل أفراد عائلة أحمد سيف الإسلام عبدالفتاح، أجدع عائلة مصرية فى رأيى المتواضع وأكثرها نكرانا للذات.. واليوم علاء محبوس مرة أخرى على ذمة قضية أخرى لا علاقة له بها ويحاكم هو وأخته فراشة الثورة فى قضية حرق مقر شفيق.. الثورة فى قفص الاتهام. حكمت المحكمة حضوريا بمعاقبة كل من.. فى الليلة السابقة لم أستطع النوم.. كتبت على صفحتى الشخصية على فيس بوك: «يا ترى يبقى ايه احساسك وانت عارف أن بكرة فيه جلسة محكمة وممكن جدا يتحكم عليك حكم بالسجن فى قضية صاحبها اتنازل عنها اصلا وقال ماتحاكموش الثوار باسمى؟! يا ترى تقدر تنام؟! ليه الناس مش فاهمة ان العدل أساس الملك؟ ليه تحقيق العدالة صعب أوى كده؟ وليه ناس قليلة جدا اللى عندها استعداد تضغط علشان تشوف عدالة فى بلدها؟ وليه ناس كتير اوى عندهم استعداد يخَوِّنوا الناس دى؟ العدل اسمك يا رب.. العدل من عندك يا رب».