كتب كرتيس ماريز، رئيس جمعية الدراسات الأمريكية وأستاذ مشارك وأستاذ كرسى بقسم الدراسات العرقية بجامعة كاليفورنيا بسان دييجو، مقالا نشر على موقع جريدة « The Chronicle of Higher Education»، تناول فيه إعلان جمعية الدراسات الأمريكية، فى الشهر الماضى، عن تصويت أعضائها لمصلحة التصديق على المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل، وهى الجمعية العلمية الثانية رفيعة المستوى التى تفعل ذلك حتى الآن. والمقاطعة إحدى شعب حركة العدالة العالمية الثابتة فى القانون الدولى ومبادئ حقوق الإنسان العالمية. وهى تهدف إلى المساعدة على وقف انتهاكات إسرائيل للحقوق الفلسطينية. يضيف الكاتب أنه من المحزن أنه فى الأيام التى أعقبت ذلك هوجم أعضاء الجمعية بشراسة فى الصحافة بواسطة مسئولين حكوميين إسرائيليين، حيث اتهموا زورا بأنهم معادون للسامية، وكانوا هدفا للتهديد عبر البريد الإلكترونى والمكالمات التليفونية. وتركز معظم النقد حول أن الجمعية تخنق الحرية الأكاديمية وتعاقب العلماء الإسرائيليين وتخص إسرائيل بالإساءة. وباعتبار ديفيد هاريس المدير التنفيذى للجنة الأمريكية اليهودية أحد المنتقدين البارزين، فقد تساءل عن سبب استهداف إسرائيل «وليس إيران أو كوريا الشمالية أو كوبا أو سوريا أو السودان أو دولة تنتهك حقوق الإنسان باستمرار». ويجيب ماريز عن ذلك بأن الجمعية قد اتخذت هذا الإجراء استجابة لدعوة المقاطقة الصادرة من أغلبية ساحقة من منظمات المجتمع المدنى الفلسطينى، ومنها النقابات والمنظمات غير الحكومية والجماعات الطلابية. وهى تقوم بما دعا كثيرون فى المجتمع الدولى، ومنهم الرئيس أوباما، مرارا وتكرارا أن يفعله الفلسطينيون، وهو تبنى الوسائل السلمية فى كفاحهم من أجل الحرية وتقرير المصير. ومع ذلك فإنه فى الوقت الذى ينصح فيه أوباما وآخرون الفلسطينيين بالسلمية وبعد ذلك لا يفعلون شيئا عندما ترد إسرائيل بالعنف والقمع، تتخذ الجمعية وعدد متزايد من المنظمات، من بينها كنائس وجماعات طلابية ونقابات عمالية، إجراء لدعم الفلسطينيين. ••• ويشير الكاتب إلى أن المؤتمر السنوى لجمعية اللغات الحديثة، المنعقد من 9 إلى 12 يناير فى شيكاغو، سوف يتضمن جلسة عن المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل بالإضافة إلى التفكير فى اتخاذ قرار يشجع وزارة الخارجية الأمريكية على التصدى لرفض إسرائيل التعسفى دخول الأكاديميين الأمريكيين الذين دُعوا للتدريس أو حضور مؤتمرات أو القيام بأبحاث فى الجامعات الفلسطينية من دخول غزة والضفة الغربية. المقاطعة التى أقرتها الجمعية طواعية ومقصورة على المؤسسات وممثليها الرسميين. وهى لا تستهدف الأكاديميين الأفراد. بل تستهدف الجامعات الإسرائيلية لأنها تعمل بشكل وثيق مع الحكومة والجيش فى تطوير الأسلحة وغيرها من التكنولوجيا المستخدمة فى فرض احتلال الأراضى الفلسطينية واستعمارها، بينما تضع مراكز الأبحاث المرتبطة بالجامعة الاستراتيجيات السياسية واستراتيجات الاتصالات لتعزيز أهداف الحكومة وتدافع عنها دوليا. والحقيقة هى أن الجامعات تشارك بنشاط فى سياسات إسرائيل القمعية والظالمة وغير القانونية تجاه الفلسطينيين، وهى ممكِّن مهم لتنفيذها. ••• ويرى ماريز أنه إذا كانت هناك أية جماعة تُنكَر حريتها الأكاديمية فهى الفلسطينيون. فالاحتلال الإسرائيلى يمنع الأكاديميين الفلسطينيين من الوصول إلى مؤسسات التعلم والمؤتمرات الخارجية، مما يعوق قدرتهم على أداء عملها، بين تصعب السلطات الإسرائيلية على الأكاديميين الأجانب السفر إلى غزة والضفة الغربية. تمنع السياسات الإسرائيلية كذلك الطلاب الفلسطينيون من ممارسة حقهم فى التعليم بحرية. فنقاط التفتيش فى الضفة الغربية تعوق وصول الطلاب إلى مدارسهم والسفر للخارج صعب على نحو مبالغ فيه. ويستعرض الكاتب مثالا مخجلا يبين السبب فى ضرورة المقاطعة، فقد بدأت وزارة الخارجية الأمريكية فى عام 2010 برنامجا لتوفير تمويل للطلاب من غزة للدراسة فى الضفة الغربية. وعندما رفضت إسرائيل إصدار تصاريح السفر، ألغت إدارة أوباما المشروع فى هدوء بدلا من تحدى السلطات الإسرائيلية. على عكس إيرانوكوريا الشمالية وكثير من البلدان الأخرى التى يذكرها باستمرار المعارضون للمقاطعة على أنها منتهكة أشد سوءا لحقوق الإنسان، إسرائيل هى أكبر متلقى للمساعدات العسكرية الأمريكية وتتمتع بدعم دبلوماسى غير مشروط تقريبا من الحكومة الأمريكية. والواقع أن هذه «العلاقة الخاصة» التى يتباهى بها الساسة الأمريكيون والإسرائيلون باستمرار هى التى تخص إسرائيل بالإساءة وتجعل محنة الفلسطينيين مسئولية أخلاقية بالنسبة لكل الأمريكيين. ••• ويختتم الكاتب المقال بقوله: إن رؤساء الجامعات الذين يستنكرون الخطوة التى اتخذناها كانوا صامتين إلى حد كبير فيما يتعلق بإساءات إسرائيل للأكاديميين الفلسطينيين وحقوق الإنسان الفلسطينية بشكل عام. وربما يعارض هؤلاء الرؤساء موقفنا المبدئى، لكنهم بقيامهم بذلك ينبغى أن يكون لديهم من اللياقة ما جعلهم يعترفون بتلك الانتهاكات. لقد ذكرنا رحيل نيلسون مانديلا مؤخرا بوقت تصدى فيه الناس بشجاعة للأبارتهايد ببدء المقاطعات وغيرها من الإجراءات الاستباقية لعزل نظام جنوب إفريقيا. وكان ذلك فى يوم من الأيام موقفا لا يحظى اتخاذه بالقبول إلى حد كبير، لكن التاريخ أثبت أن هؤلاء الناس على حق. وفى يوم من الأيام، بعد أن تتغير الآراء، سوف يُنظر إلى مقاطعة إسرائيل ونظام الأبارتهايد الذى وضعته بالطريقة ذاتها.