لو ذهب المصريون اليوم إلى صناديق الاقتراع للتصويت على الدستور المعدل، فربما سيصوت كثير منهم ضده. هؤلاء قد لا تشغلهم مواد الدستور الجدلية كثيرا، وربما يكون بعضهم لا يعرف أصلا حكاية الدستور ومواده الخلافية. الشارع المصرى محتقن إلى حد كبير هذه الأيام والسبب مجموعة من الأشياء البسيطة المتراكمة التى عندما تتجمع تكون حالة عامة من الزهق والطهق والميل إلى السلبية. عندما يظل المواطن «مزنوقا» فى سيارته أو الميكروباص أو الأتوبيس لمدة ساعة فى المسافة من ميدان التحرير إلى شارع جامعة الدول العربية بالمهندسين، وعندما يظل لساعات على المحور أو الدائرى فى مسافة يفترض ألا تستغرق ربع أو نصف الساعة فى الأحوال العادية، فإنه أول ما يفكر فيه هو توجيه كل انتقاداته إلى السلطة. لا اعرف هل تدرك الحكومة وأجهزتها خطورة مشكلة المرور على صورتها العامة أم لا؟! نعم تعانى مصر مشكلة أزلية فى المرور، لكنها للموضوعية لم تكن بهذه الحدة، بل هى زادت حتى عن أيام مرسى الأخيرة فى الحكم. الذى أسقط مرسى وجماعته هو أشياء بسيطة متراكمة أيضا مثل المرور ونقص الوقود من بنزين وبوتاجاز وغاز، وتعطل المرور وقطع الطرق والمواصلات. إضافة بالطبع إلى محاولتهم تغيير البلاد وأخونتها. ولذلك فإن المواطن البسيط الذى قد لا يهتم بالتدقيق فى مواد الدستور ومطالعتها والتفريق بينها، قد يدلى بصوته بناء على الحالة العامة للبلاد، ومدى إحساسه بوجود أمل فى المستقبل. إضافة إلى المشاكل اليومية الحياتية هناك فشل لجنة الخمسين فى تهدئة خواطر فئات كثيرة فى المجتمع مثل العمال والفلاحين والمرأة والأقباط والنيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة، بغض النظر عن مدى أحقية هذه الفئات فى الحصول على تمييز مختلف فى الدستور مقارنة ببقية قطاعات المجتمع. وإذا أضفنا إلى كل هذا «الكوكتيل الملتهب» التربص الإخوانى بالدستور وبكل المجتمع يمكننا ان نتخيل كيف سيكون عليه الحال لو لم تسارع الحكومة إلى محاولة ترميم هذه الصورة المهتزة. مبدئيا لدى الحكومة خطة مجربة فى مسألة تطبيق حظر التجوال، ورغم ان الحظر مكروه شعبيا فإن إحساس المواطنين بأن الحكومة كانت تريد فرض الأمن والاستقرار لمصلحة المجتمع جعلهم يتحملون الكثير ويلتزمون بالخطة. إذن يمكن إذا شعر الناس ان الدولة جادة فى تنظيم المرور خصوصا فى القاهرة الكبرى ان يتحملوا دفع ثمن مؤقت. ما الذى يمنع الدولة ان تكون جادة فى تنظيم المرور ومنع الاختناقات، خاصة ان الزحام بات يهدد ليس فقط فرص وجودها، بل ربما يدمر النظام بأكمله. ما الذى يمنع حكماء الأمة وكبارها من التدخل بسرعة لمنع انفراط لجنة الخمسين ووقف الحروب الأهلية المشتعلة داخلها قبل ساعات من التصويت النهائى على مواد الدستور؟! قد يكون الإخوان يلعبون دورا فى تعطيل البلاد أملا فى انفضاض الناس عن الحكومة الحالية، وهذا أمر منطقى ان يفعلوه مثلما كان معارضوهم يفعلون قبل 30 يونيو. وبغض النظر عن النوايا الطبية لغالبية أعضاء الحكومة ورئيسها، فإن ذلك لا يشفع لها عندما تتأزم الأمور. المواطن يريد انجازات وحلولا على الأرض، لا يشغله إذا كان رئيس الحكومة يقضى اليوم بأكمله فى المكتب أم فى المصيف.. الحكومة عليها أن تتحرك فورا، لأن الوقت صار يلعب ضدها.