عاشت مصر طويلا مستسلمة للعصر الأمريكى، بعد سنوات طويلة أيضا من العيش المستقر المخلص فى المعسكر السوفييتى، ومنذ العام 1974، والرئيس الراحل أنور السادات يعلن دوما أن أوراق اللعبة فى يد أمريكا، وهو ما كان يعنى ضمنا الارتماء فى أحضانها، وهى السياسة التى استمرت فيها مصر، وأكدتها فى زمن مبارك، وربما عمقتها أكثر، وحتى بعد تفكك الاتحاد السوفييتى لم تفكر مصر فى إعادة صياغة العلاقات، بالرغم من أنها كانت مستمرة على الكثير من الأصعدة، بما فيها التعاون العسكرى الذى لم يتوقف يوما حتى الآن، وأذكر أن الفريق سعد الدين الشاذلى (رحمه الله) قال لى فى حوار تليفزيونى إنه رغم طرد مصر للخبراء الروس قبل حرب أكتوبر، فإنها التزمت بالمساعدات العسكرية كاملة خلال الحرب، ويومها ذكر الفريق الشاذلى تفاصيل الجسر الجوى الروسى لمصر والذى كان أكبر من الجسر الجوى الأمريكى لإسرائيل وفقا لتقديراته، كما أن الاتحاد السوفييتى بقى على موقفه من إسرائيل منذ يونيو 1967، ولم يعد معها العلاقات إلا بعد كامب ديفيد بسنوات طويلة، وهو ما أثار الدهشة وقتها فى الأوساط الدبلوماسية العالمية لأن الروس قطعوا العلاقات مع تل أبيب من أجل مصر، ومصر نفسها صار لها سفير فى تل أبيب وتل أبيب لها سفير فى القاهرة، ومع ذلك التزم الروس بموقفهم دعما لمصر وسوريا والقضية الفلسطينية. ومنذ أربعين عاما، وسياسة مصر الخارحية تدور غالبا فى الفلك الأمريكى، وهو الخطأ الذى إرتكبته مصر طوال 40 عاما، وسيتم تصحيحه اليوم بتحسين العلاقات مع روسيا، فكما قال لى نبيل فهمى وزير الخارحية (فى حوار خاص)، إن عدم توسيع التعاون كان خطأ، لكنه فى ذات اللحظة يؤكد على أن ذلك لا يعنى أبدا أن هذه العلاقة ستكون على حساب علاقة أخرى، أو وفقا لتعبيره (ليس بديلا لأحد) وطبعا الرجل يقصد الولاياتالمتحدةالأمريكية، فهو لديه منطق واضح فى إعادة رسم سياسة مصر الخارجية يعتمد بالأساس على توسيع التعاون، وهو لا يذهب لروسيا لكيد أمريكا، فهذا ليس منطق المصالح ولا منطق الدول الكبرى، لذا يقول الرجل مباشرة عن العلاقة مع روسيا أنه لا يعقل أن يتجاهل أحد دولة بهذا الحجم، ثم كشف لى أن مصر ستكون فى الصين قريبا، ربما خلال أسبوعين أو ثلاثة على أقصى تقدير، وهو ما يعنى أن هناك تصورا كاملا لإعادة المكانة المصرية على الساحة العالمية شرقا وغربا. من الواضح أن هناك ثورة فى فهم الخارحية المصرية للعلاقات الدولية، وأجمل ما فى هذه الثورة أنها تنطلق من كون مصر دولة كبرى وذات أهمية قصوى ليس فقط على مستوى الإقليم، ولكن أيضا على المستوى العالمى، إن إدراك دور وحجم وأهمية مصر، التى غابت طويلا عن الساحتين الإقليمية والدولية، بداية ممتازة من نبيل فهمى لتصحيح مسار السياسة الخارحية، التى قزمت مصر طويلا وكثيرا، وحينما سألت نبيل فهمى عن طبيعة العلاقات المتوقعة مع روسيا، أشار الرجل بوضوح إلى أن سياسات مصر الجديدة واضحة، سياسات تستهدف استثمار العلاقات مع القوى الكبرى، لا التجارة بها فى لحظات بعينها، وهذا يعنى أن مصر من اليوم تبدأ تاريخا جديدا فى علاقتها الخارحية بعيدا عن سياسة الارتماء فى الأحضان واستجداء المساعدات وعشق دور التابع، وتحديدا هذا ما سيستعيد لمصر مكانتها التى فقدتها بثمن بخس.