دخل الاعلام المصري في حالة انقسام تعكس ما تعيشه مصر سياسيا وإنسانيا، وأول مؤشرات الانقسام كانت المبالغة في مديح الصديق، وفي انتقاد الخصوم. مديح الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع والإنتاج الحربي، وصل في بعض وسائل الإعلام إلى تشبيهه بأبطال الفراعنة، واستدعاء أشعار قديمة على طريقة «أحكم فأنت الواحد القهار»، وهي مبالغات يقول أساتذة الإعلام إنها قد تسيء إلى شخصية السيسي أكثر مما تفيده. «بوابة الشروق» استطلعت آراء ثلاثة من خبراء الاعلام للتعرف على الظاهرة، وتداعيتها على الساحة السياسية والإعلامية. فتش عن الاستقطاب الآفة منتشرة في جميع انحاء العالم. هكذا يتحدث د. حمدي حسن نائب رئيس جامعة مصر الدولية وعميد كلية الاعلام، « مديح الإعلام للقادة والحكام يعكس مصالح وعلاقات وطيدة بمن في السلطة، وقد تكون تلك المؤسسات الاعلامية مملوكة مباشرة للدولة، أو في دوائر نفوذ بعض المسئولين». المساحة التي أطل فيها السيسي على الناس لا تستحق مثل هذه الهالة الاعلامية في رأي حمدي حسن، «فهو رجل قليل الكلام ولم يتول منصبا تنفيذيا بالنسبة للدولة المدنية. لم نقترب من الرجل ولم نحتك به مثل بقية الساسة، فضلا عن ان المعلومات القليلة عنه لا تسمح لوسائل الاعلام بالحديث عنه بشكل يومي فيه نوع من المبالغة الكبيرة عن كل ما يخص أبعاد شخصيته». حالة الاستقطاب التي خلقتها وسائل الاعلام المختلفة بكثرة الحديث عن السيسي، كما يرى د. حمدي حسن، سوف تلحق الضرر به شخصيا وربما بالوضع السياسي المصري وهو مرض مزمن في الاعلام يتمثل في العمل لصالح السلطان ويؤدي في نهاية المطاف الى صناعة فرعون. «دور الشعب لا يمكن اغفاله خصوصا وانه صاحب الفضل الأول في تغيير مسار مصر بعد الجموع الغفيرة التي نزلت في الميادين، والعلاج الوحيد هو أن يكون الاعلام مستقل». إنها المصالح الشخصية محمد شومان استاذ الاعلام بجامعة عين شمس وعميد كلية الاعلام باكاديمية الشروق، يرى أن هناك حملة لا يمكن الجزم بانها منظمة او غير منظمة، «تروج للسيسي كبطل منقذ للبلاد ورئيس قادم، وهي مبالغات غير منطقية، وربما لا ترضي الفريق السيسي لانها غير واقعية وترفع سقف الطموحات للجماهير، بما يمكن ان يقوم به السيسي خلال اسابيع قليلة لحل المشاكل بشكل قد يفوق قدراته. حالة الاحباط الناجمة عن ذلك سيكون الاعلام هو المسئول الأول عنها». هذا الوضع تاريخي في الاعلام المصري في نظر شومان، «لأن معظم الإعلاميين تدربوا على البحث عن السيد ومحاولة الاقتراب منه ومن يملك السلطة من خلال التقرب اليه والعمل على خدمته. وكنا نامل بعد 25 يناير ان يتغير الوضع وكان هناك رهان على الاعلام الخاص ليحقق قدرا من التوازن، لكن رجال الاعلام أصحاب المصالح الشخصية اختاروا الانحياز للسلطة». لكل حاكم رجاله تعلل الكاتبة الصحفية فريدة الشوباشي تلك الظاهرة الاعلامية بأنها «جاءت في نهاية كابوس حكم الاخوان ومحاولتهم تقسيم مصر الى دويلات عرقية وطائفية وصراع سنة ضد الشيعة»، بحسب وصفها. الآن جاء قائد حقيقي استطاع ان يوحد المصريين على هدف قومي، الأمر الذي دفع بعض الاعلاميين للجوء إلى نوع من المبالغات في مديح القادة، وكل من يكتب في الصحافة المصرية هو المسئول عن كتابته، وفي نهاية المطاف فان من يبالغون ويمجدون هذا أو ذاك هم يمثلون شرذمة سوف تنتهي في أقرب وقت » . كان هناك نوعية من الاعلام في عهد الرئيس المعزول، كما توصل فريدة الشوباشي، «كانت تمجد له وتقول عنه كلام لا يصدق ولا يعقل مثل تشبيهه بنبي الله موسى وانه يؤم النبي، صلى الله عليه وسلم».