أراد «القذافى» أن يكون خليفة للرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ولم يفلح، وعندما تولى «مبارك» السلطة عام 1981، توهم البعض أن شخصيته تقترب من شخصية عبدالناصر! رغم أن الشخصيتين تبتعدان عن بعضهما البعض فى الملامح بعد السماء عن الأرض. إذن محاولة إسقاط صورة عبدالناصر على بعض الرؤساء الذين أتوا من بعده شكّل هاجساً أساسياً لدى العديد من المصريين. وليس أدل على ذلك غير هذا الحديث الذى لا يتوقف عن أوجه التشابه بين عبدالناصر والفريق أول عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع منذ 30 يونيو، ولو أنك تابعت وسائل الإعلام الرسمى والخاص يوم 28 سبتمبر الماضى (ذكرى عبدالناصر) فربما تكون لاحظت أن المبالغة فى وصف حالة التشابه بين الرجلين أعادتنا بقوة إلى زمن «إعلام الاتحاد الاشتراكى»! لا بأس أن يحلم المصريون باستعادة روح عبدالناصر فى شخص الفريق «السيسى»، لكن ما يحيرنى حقاً هو: لماذا لم يعبر المصريون ذات يوم عن الحلم بأن يحكمهم رئيس مثل «أنور السادات» مرة أخرى، ولماذا لم يجتهدوا فى إسقاط صورة «السادات» على شخص يتوسمون فيه الزعامة؟ ولا أجد إجابة عن هذا السؤال سوى عبارة أن السادات «مظلوم حياً وميتاً». قد تختلف معى حول شخصية السادات أو تقييم فترته، لكن لا بد وأن نتفق على أن الرجل هو قائد معركة تحرير الأرض فى أكتوبر 1973، وصاحب الرؤية الأعمق فى استكمال رحلة تحرير سيناء من خلال نظرية «السلام البارد» مع إسرائيل. أذكر أننى -فى مطلع شبابى- كنت واحداً من الغاضبين أشد الغضب على السادات عندما زار إسرائيل ووقع اتفاقية السلام معها، لكن الصورة اتضحت لى تماماً وأنا لا أجد الآن «حساً ولا سيرة» عن إسرائيل فى خطاب أى من الناصريين أو العسكريين، وكأنها لم تعد عدواً! لقد كنت أتعجب أشد العجب وأنا أرى بعض المصريين يرفعون صور «جمال عبدالناصر» على هامش أى هجوم إسرائيلى على غزة، رغم أنه المسئول عن أكبر هزيمة فى تاريخنا أمام إسرائيل فى يونيو 1967. لماذا لا يرفع هؤلاء صورة السادات «الزعيم المنتصر» على إسرائيل فى أكتوبر 1973؟ ربما يكون هذا الأمر مرتبطاً بجذورنا الفرعونية التى دفعت أجدادنا ذات يوم إلى عبادة الفرعون «حاكم الدولة» والتى تدفعنا اليوم إلى البحث عن زعيم ملهم (أى يأتيه الخبر من السماء) مثل المعلم الملهم السابق «جمال عبدالناصر»، وتجعلنا نزهد فى حاكم كان يؤمن الناس أنه بشر يجتهد فيخطئ ويصيب مثل «أنور السادات».. قد يكون! رحم الله أنور السادات الذى نعيش ذكراه، الرجل الذى يُعد من الزعماء الاستثنائيين فى تاريخ بلادنا، الذى كانت حياته عجباً، ورئاسته أعجوبة، وقراراته أحدوثة، واستشهاده يوم نصره مصادفة غريبة!