صناعة الفرعون.. اختراع مصري بامتياز.. بمجرد أن يتولي الحاكم مقاليد الحكم يحوله المصريون الي إله صغير.. تلتف حوله شلة من المنتفعين وكتائب من رجالهم يوهمونه أنه الحاكم ولا شريك له في حكم البلاد.. وفي أسبوع واحد تم منع عدد من المقالات في الصحف القومية تنتقد الحاكم وبطانته وعشرات البلاغات تلقتها النيابة ضد كل من يتكلم عن الحاكم الجديد.. وهي مقدمات تحدث مع كل حاكم جديد حتي يتحول الي فرعون جديد.. يبطش بالحريات ويعصف بالحقوق دون أن يهتز له جفن لأنه الفرعون. من يصنع الفرعون؟ هل نصنعه نحن أم يصبح فرعونا لأنه يريد ذلك؟ فى البداية تؤكد الدكتورة ليلى عبد المجيد عميد كلية الإعلام أن الشعب هو الذى يصنع الفرعون لأنه ببساطة بمجرد تولى حاكم جديد يكون بالنسبة لهم الملهم والقادر على زيادة دخلهم وأنه لديه الفكر الخاص الذى يحولهم الى حياة أفضل دون أن يكون لهم دخل، وهنا يتبرأ الشعب من مسئوليته ويلقيها بالكامل على الحاكم الجديد، بالاضافة الى الإعلام الذى يحول الحاكم الى فرعون ويمكن أن يكون الحاكم لديه صفات حميدة كالتواضع والبساطة ولكن الاعلام يحوله الى فرعون لأنه ينظر الى كل تحركاته وتصرفاته ويقوم بإلقاء الضوء عليها بصورة مبالغ فيها ومع أن الإعلام كان لديه فرصة كبيرة خلال العام والنصف العام الماضى ان يغير من طبعه ومن طريقته فى التعامل مع المسئولين إلا أننا وجدنا الإعلام يعود ليعيش فى فلك الحاكم وتحركاته وعلى الإعلام أن يتعامل مع الحاكم كما يتعامل معه فى أى دولة متقدمة فالحاكم لا نسمع عنه فى كل وسائل الإعلام كما يحدث فى مصر فخطب الحاكم تعاد كل يوم أكثر من مرة وهذا يعطى انطباعا أن الحاكم هو الملهم وهنا يمكن أن يتحول الحاكم مع مرور الوقت الى فرعون والإعلام دوره أن يغطى الأحداث ويكون رقيبا على أداء الحاكم وينقد ما يكون خطأ فى أدائه وليس دوره ان يبحث عن كل ما يقوم به الحاكم ليبرزه. وأضافت: إن ما حدث مع مبارك من الإعلام جعله فرعونا وهو بدأ حكمه بقوله الكفن ليس له جيوب وانتهى الحال به فى السجن لأن الإعلام والشعب والحاشية السيئة أظهرت له الباطل على انه حق ولهذا فإن الإعلام المضلل أضر بمصر ولم يضر بالحاكم فقط حتى وصلنا الى ما نحن فيه الآن ولهذا أتمنى أن يغير الإعلام نهجه وأن يقوم بدوره فى النقد البناء الذى يفيد البلد قبل أن يفيد الحاكم وأعتقد أن الحاشية وزبانية السوء عليها عامل كبير فى تحول الحاكم من العمل لصالح الناس الى العمل لصالح مصالحهم الخاصة كما حدث مع مبارك ولهذا فإنه مطالب بأن يختار حاشية تقول له الحق ولا تجعل منه فرعونا جديدا ونتمنى أن يتحمل الشعب مسئوليته ويكون قادرا على العمل وليس إلقاء المسئولية الكاملة على الحاكم فكل واحد لابد ان يقوم بدوره ونحن دفعنا الثمن غاليا من القهر والذل بسبب ان الشعب لم يتحمل مسئولياته والحاشية كانت سيئة والاعلام هيأ للظالم ظلمه. ويؤكد الدكتور محمد هاشم استاذ الطب النفسى جامعة الأزهر أن صناعة الفرعون فى الأصل يكون اساسها شخصية الحاكم وهل هو إنسان ضعيف وليس عنده قناعة بمؤهلاته لإدارة البلاد أم هو إنسان قوى وله شخصية مستقلة يمكن ألا يتأثر بما حوله ونفاقهم وما يتم من حوله من حراسات وبرتوكولات. واضاف: إن العامل الثانى فى صناعة الفرعون هو الحاشية التى حوله وهل هناك مصالح بالنسبة لهم أم لا ويمكن للحاشية أن تحول اى إنسان الى فرعون بتزيين الباطل ولهذا فإن الحاكم عليه مسئولية كبيرة فى اختيار حاشيته التى تبدى له النصح دائما ولا تسمع وتطيع فقط خوفا على مصالحها الشخصية. ويضيف: إن الدور الأكبر سيكون للقانون هل يتم احترامه وهل يطبق على الجميع ام لا يطبق فان تم تطبيق القانون واعتبار ان البلد هى دولة قانون فإن ذلك لا يمكن ان يصنع فرعون وأضاف ان كل انسان لديه نزعة للتضخم وحب الذات ومن حوله يزيدون هذه النزعة عنده حتى يتحول الى فرعون حتى علية القوم عندهم نفس النزعة ولهذا من المراسم فى الكنيسة الكاثوليكية ان يقوم الأنبا فى يوم من الأيام بغسل قدم غلام من الكنيسة حتى يتم كسر هذه النزعة فى قلبه وعملها الشيخ الشعراوى عندما قام بدخول احد الحمامات وقام بغسله حتى تنكسر هذه النزعة فى قلبه ويشعر أنه إنسان عادى ولا يتملكه غرور الجاه وانتفاخ الذات الذى يصيب معظم من يكون لهم مكانة فى المجتمع. وأضاف أن الوضع الحالى من الصعب صناعة فرعون فيه إلا إذا أراد هو ذلك وان تكون المقومات التى حوله تساعده على ذلك. ويؤكد الدكتور محمد راضى استاذ علم الاجتماع السياسى جامعة جنوب الوادى ان التحول الذى شهده عقل الحاكم كبير للغاية فبعد أن كان مواطنا عاديا له ما له وعليه ما عليه تحول الى حياة مليئة بالبروتوكولات والتشريفات والأمور التى يمكن أن تحول أى شخص الى إنسان مختلف تماما وهذا التحول يمكن أن يبنى عليه الى كونه تحول فرعونى أو تحول الى الواقع الذى يعيشه وعليه أن يتجاوب معه ويضع فى حسبانه انها لا تدوم لأحد وهنا تكمن كيفية التعامل مع الواقع والتعايش معه ومن سيمهدون له الطريق ليتحول الى فرعون او يظل مواطنا يشعر بآلام المواطنين وأنا أرى أن جرعة النفاق الزائدة له من الجميع يمكن ان تجعل منه متضخما ذاتيا فلا يسمع إلا نفسه ولا يرى عيوبه التى يمكن أن تولد والإعلام والحاشية هما الأساس فى تحول شخصيته والمواكب الذى أصبحت تحيط به وهو فى هول صدمة توليه الرئاسة ومعرفته انها عبء ثقيل يمكن أن تؤثر فى سلوكه ونتمنى أن تحول سلوكه الى الأفضل ويستوعب ما أصبح فيه وما سيصبح فيه كل يوم ومعظم الرؤساء تحولهم حاشيتهم الى دكتاتوريين ولهذا عليه ان يعلم ان الحاشية اهم شىء عليه ان يعمل لها حسابا. ويؤكد الدكتور حمدى الفرماوى أستاذ علم النفس جامعة المنوفية أن البطانة هى التى تصنع الفرعون ويتوقف هذا على السمات الشخصية للحاكم فهناك سمات سلبية تسمح بسرعة تكوين الفرعون وسمات إيجابية تحاول لبعض الوقت التمرد على صناعة الفرعون وتبدأ البطانة على الفور فى التمركز حول القائد ويكون هذا التمركز له «ميكانزم» اولها الاستقطاب ثم الشكل والأرضية ويتبلور الاستقطاب بالنسبة للبطانة ان يوهموه أنه الشخص الذى لا مثيل له وأنه هو الوحيد الذى يصلح أن يكون حاكما وأن الشعب سوف يرى الخير على يديه ويتم هنا تضليل الحاكم من خلال الاستقطاب وتحويله الى الحاكم الملهم ويأتى بعد ذلك «ميكانزم» الشكل والأرضية وهذا يمارس فى كل مكان مع رؤساء المصالح والمؤسسات وهنا يوهمون الحاكم أنه هو الوحيد الذى له شكل والباقى أرضية وهنا يتم تضخم الذات ويصبح الحاكم غير قادر على ان يبتعد عن النفاق وتضخم الذات يكون عبارة عن ورم حميد إذا كان لدى هذا الحاكم قدرات ويكون قادرا على صنع مجد جديد أما تضخم الذات السرطانى فهو عندما يكون الحاكم ليس لديه قدرات ويوهمه من حوله بالقدرات الخارقة وهنا يتم بسرعة صناعة فرعون. وأضاف: إن دائرة صنع الفرعون تبدأ بالملاصقين له من حاشيه ووزراء ثم الإعلام وأخيرا الشعب الذى يمكن أن يصنع فرعونا بالهتاف له فى كل مكان وعندما يعتاد على الهتاف تصبح الصور السلبية معايير للحكم ويصبح لدينا فرعون، وأضاف: إن هناك سلوكيات تحدث حول الحاكم تجعل منه فرعونا وما يحدث معه من سلوكيات وهو فى النهاية بشر يمكن ان يتأثر بالمواكب والتفتيش والممارسات التى يشعر بها فى كل حركاته حتى إن شيخ الأزهر لم يجد له مكانا فى احتفالية جامعة القاهرة كل هذه السلوكيات تجعلنى أشعر بالقلق ان هناك من يريد ان يصنع الحاكم الملهم وهو يمكن ان تكون سماته الشخصية ترفض ذلك ولكنه مع مرور الوقت يتقبل ويصنع الفرعون وإذا كانت سماته الشخصية تقبل ذلك سيتم صناعة الفرعون بسرعة وكل ذلك محكات ستكون على مائدة الحاكم وعلى كاهله. وأضاف انه بلا شك ان هناك شكليات تؤثر على شخصية الحاكم لأنه فى النهاية بشر وأعتقد ان موروثات النظام السابق مازالت تتحكم فى افكار صانعى القرار الآن وبالتالى فإنه يمكن ان تندفع نحو هوة سحيقة ان لم يأخذ فى اعتباره أن هناك من يديرون صناعة الفرعون ومع ذلك فإن أهم مكتسبات ثورة يناير هى كسر الخوف ولن يستطيع أحد أن يبنى هذا الحاجز مرة أخرى وبالتالى فمن الصعب أن يتقبل الشعب فرعونا جديدا على شاكلة من حكموا البلاد منذ ثورة 52 الى الآن. ويؤكد الدكتور ابراهيم راضى أستاذ الاجتماع جامعة بنها ان الشكليات التى يقع فيها الحاكم والموروثات يمكن أن تؤثر على شخصيته نظرا لأنه واحد من الناس وفجأة أصبح هناك الكثير من شكليات الدولة العميقة تحاول أن تجره الى هوة سحيقة ولهذا فإن صناعة الفرعون ليست من البطانة فقط بل من موروثات النظام السابق الذى حاول ان يتمرد عليه دون ان يستطيع واعتقد انه فى النهاية سوف يرضخ لهذه الموروثات ونظرا لأن مصر دولة لها ريادتها فى كل شىء ولابد للحاكم أن يسير على بروتوكولات معينة فإن ذلك سوف يؤثر على كونه حاكما جاء من رحم الشعب المصرى ولم يكن يوما من الذين يملكون حراسات ولهذا فإن عليه مسئولية كبيرة إذا أراد أن يبتعد عن كونه فرعونا جديدا.