لم يكن قيام صحيفة جزائرية فى إطار الحرب الإعلامية والنفسية بنشر تقرير مطول تحت عنوان: «دعوكم من منتخب مصر.. فصحافة بلاده تتكفل بتدميره» إلا انعكاسا حقيقيا ومؤسفا ونتيجة لعملية رصد لحال تعامل الإعلام المصرى مع المنتخب الوطنى، وهو الحال الذى يحمل الكثير من المتناقضات، ويتم تناول كل قضايا المنتخب العامة والخاصة حسب الأهواء، وإذا كانت الصحافة قاطرة الإعلام لم تغير من أسلوبها ونهجها فى التناول، حيث تصعد بالمنتخب إلى عنان السماء وقت الانتصار، وتسقط إلى سابع أرض وقت الانكسار، وهو حال كل صحافة الإعلام الرياضية، فها هى صحافة إيطاليا تصف أبطالها أبطال العالم بالأموات بعد الهزيمة من مصر فى بطولة القارات، وهى نفسها من صنعت تماثيل من الذهب الخالص للاعبيها بعد الفوز بكأس العالم، ورغم ذلك لم نقرأ ولم نسمع، ولم تنقل لنا وكالات الأنباء تصريحات غاضبة من الجهاز الفنى للمنتخب الإيطالى تتهم صحافة بلادها بالتآمر أو التخابر لصالح جهات أجنبية أخرى، مثلما اتهم مسئول بالجهاز الفنى للمنتخب الوطنى عددا من النقاد الرياضيين بأنهم أناس غير وطنيين، لمجرد أنهم تجرءوا وانتقدوا أداء المنتخب بعد الهزيمة أمام أمريكا. إلا أن الجديد والخطير هو التناول الإعلامى الفضائى لقضايا المنتخب، وهو التناول الذى يتم وفقا لحسابات المصالح، وحسابات التنافس، وحسابات الحصرية، فمن اليوم مع، غدا ضد، والأمثلة كثيرة.. فمن كان بالأمس القريب يتآمر فضائيا على المنتخب بدعوى الانتقام وتصفية حسابات قديمة مع حسن شحاتة المدير الفنى، نجده اليوم مع، بل أشد الحلفاء دفاعا عن شحاتة ومنتخبه، والعكس، فمن كان من المؤيدين والمناصرين انقلب على عاقبيه لأن قناته الفضائية لم تكسب رهان حصرية كواليس رحلة المنتخب فى بطولة القارات، وما كان مسموحا ومحبذا فى الماضى، وشيئا يتم التباهى والتفاخر به فى بورصة السباق الإعلامى المجنون، بات الآن خطرا يهدد مسيرة المنتخب المونديالية، وليس من أخلاقيات المهنة. ولأننا نعيش عصر السماوات المفتوحة، وزمن الإنترنت لم يكن ببعيد على الإعلام الجزائرى أن يرصد متناقضات الإعلام المصرى المكتوب والمرئى، وهو الرصد الذى خرج منه الإعلام الجزائرى بما يفيد بأن إعلام مصر يتآمر على منتخب مصر.. وقد تكون الصحيفة الجزائرية وضعت يدها على عين الحقيقة من خلال رصد عشوائى تم دون تقييم موضوعى، وهذا أمر لا يعنيها، بقدر ما يعنينا نحن. ما وجهته الصحيفة الجزائرية من اتهام للإعلام الرياضى فى مصر ولم يرع انتباه أحد، وتعامل معه مع علم بالأمر على أنه لا يندرج إلا تحت بند الحرب النفسية والإعلامية، أخطر بكثير من تلك الاتهامات التى وجهها البرتغالى مانويل جوزيه المدير الفنى السابق للإعلام، فاتهام التآمر على منتخب وطن، أهم وأكبر ويستحق الرد، أكثر من التوقف طويلا أمام تصريحات واتهامات مكررة من مدرب قالها على خلفية حالة عداء مع عدد من النقاد الرياضيين. ولكن نتوقف أمام نقطة مهمة وخطيرة جدا وهى إذا كان جزء من الإعلام الرياضى فى مصر متهما حقيقيا، فإن أعضاء المنتخب الوطنى جهاز فنى ولاعبين يتحملون مسئولية تصدير فكرة التآمر للخارج، بعد أن نجحوا فى إرساء قواعد نظرية المؤامرة التى يوهمون أنفسهم قبل الجميع أنهم يتعرضون لها من قبل الإعلام المصرى بداخلهم، حتى بات وكأن المنتخب الوطنى يعيش فى جلباب المؤامرة، ويسعده كثيرا التعايش بها، وأسقط الجميع داخل المنتخب عن عمد الدور البطولى الذى يلعبه الإعلام المصرى وقت الجد، ووقت تدق فيه ساعة الرهان والتحدى، وساعة أن يحيق خطر خارجى أو داخلى بالمنتخب. تلك هى الحقيقة التى اكتشفتها وأنا أتحدث مع عدد من لاعبى المنتخب الوطنى من بينهم محمد أبوتريكة وأحمد حسن وحسنى عبدربه فى اليوم التالى لمباراة رواندا، عندما سألت أبوتريكة عن سر احتفاله بهدفه الأول فى مرمى رواندا بجملة «حسبى الله ونعم الوكيل»، أشار إلىّ بطريقة ضاحكة وعلى طريقة التلميح لا التصريح أن المقصود هم النقاد الرياضيون المصريون.. وعندما سألت عبدربه عن سر انفعاله وهو يحتفل بطريقة غاضبة بالهدف الثانى الذى أحرزه فى نفس المباراة، فهمت من كلامه أن الجماهير المصرية لا تلتف حول منتخبها وأنها مازالت تشجع المنتخب بطريقة وحسبة «للأهلى والزمالك»، لمجرد أن الجماهير هتفت مطالبة بتصدى أبو تريكة لضربة الجزاء، فيما أكد عبدربه أن الإعلام هو الذى رسخ هذا الأمر فى عقول الجماهير من خلال نبذه وتجاهله للاعبى الأقاليم. وقال أيضا: «الإعلام الملون يدعم لاعبى الأهلى والزمالك ويفضلهم حتى على المحترفين»، أما أحمد حسن قائد المنتخب فأشار إلى أن المنتخب يحارب فى عدة جبهات، وأخطر منافسيه على الإطلاق هو الإعلام المصرى، وإذا كان قائد المنتخب أشار إلى الأمر بطريقة مباشرة فإن المدرب العام للمنتخب شوقى غريب ماكينة التصريحات التى لا تهدأ ولا تتوقف ولا تعطل يتعمد بدهاء انتقاد الصحافة الرياضية، ردا على نقدها المشروع للمنتخب سواء كان فائزا أو مهزوما. وبعد أن فرغت من الحديث معهم سقطت الفكرة من رأسى فكرة مقاضاة الصحيفة الجزائرية، بعد أن أيقنت بالفعل أن المنتخب الوطنى جهازا فنيا ولاعبين ارتدوا بالفعل جلباب المؤامرة، وأنهم يؤمنون فعلا وقولا ويتعاملون بنظرية «صحافة مصر تتآمر على منتخب مصر!!». والمتابع الجيد للفضائيات، والراصد للمواقع الرياضية يجد أن الإعلام المصرى بات متهما حقيقيا بالتآمر على منتخب وطنه بفعل كم التصريحات الصريحة والخبيثة، المباشرة وغير المباشرة التى يدلى بها كل أعضاء المنتخب الوطنى، بدون أن يقدم أحدهم دليلا واحدا دامغا على وجود مؤامرة، وإن كان الجميع داخل المنتخب أحسن اللعب على وتر الخطأ الذى ارتكبه الإعلامى عمرو أديب من خلال تناوله لقضية بنات الليل قبل اعتذاره السريع والشجاع، فتم تفريغ كل القضية فى سقطة «أديب»، وإذا كان حسن شحاتة المدير الفنى للمنتخب قد بنى كل نظريته وصدرها للجميع، من واقع خلاف شخصى مع أحد النقاد الرياضيين الكبار، ورغم تراجع إعلامى آخر عن محاربته واضطهاده تحت شعار «المصالح.. تتصالح»، ورسخ المدير الفنى للمنتخب لوهم نظريته مستندا إلى ذكريات غير سعيدة له مع الإعلام وقت أن كان لاعبا بشكل عملى من خلال مقاطعة وسائل الإعلام، حتى أنه رفض الظهور فى تليفزيون وطنه قبل أن يتراجع بفعل الضغوط فى حين أنه رحب وعمل «قعدة عرب» برفقة جهازه المعاون فى صالون إحدى الفضائيات العربية بعد أيام بل ساعات من خروج المنتخب من الدور الأول لبطولة القارات، وفى «قعدة العرب» ظل شحاتة يتحدث ويكشف النقاب عن أبعاد ومخططات الإعلام المصرى لتدمير منتخب مصر. والغريب، ولا نقصد شوقى غريب، أن شحاتة هو نفسه الذى كشف عن الخلافات التى دبت بين عدد من لاعبى المنتخب وتحديدا أبو تريكة وعمرو زكى أثناء مباراة الجزائر فى التصفيات المونديالية، وهو الذى كشف عن أسباب استبعاد ميدو غير الفنية، وأكد دون أن يقصد صحة ما ذهبت إليه الصحافة من حدوث خلافات قبل أن ينفيها ويكذبها وقتها، بل إنه فسر تناولها لتلك الخلافات فى حينها بأنها جزء من مخطط وحملة التدمير الشاملة للمنتخب!. واللافت فى تلك القضية الأخيرة أن شحاتة يتعمد إيهام الجماهير أن وسائل الإعلام فى بلاده تتآمر على المنتخب فى إطار حملة خفية للإطاحة به من منصبه، رغم أنه التزم الصمت عندما كشفت الصحافة وهى ترتدى ثوب الدفاع عنه، ومازالت النقاب عن الكثير من محاولات الإطاحة به، ومن بينها تصريح جوزيه قبل عامين أحمد شوبير وقت أن كان نائبا للاتحاد طلب منه أن يشارك فى مؤامرة ضده أى شحاتة وكيف أن الإعلام تصدى وبقوة لكل محاولات الاتحاد للتدخل فى شئون وصميم عمله كمدير فنى من خلال تعيين اتحاد الكرة لمحمود الجوهرى مستشارا فنيا للاتحاد، ودافعت الصحافة وقتها عن حقه فى أن يمارس عمله بدون ضغوط حتى تمت إقالة الجوهرى من منصبه، وإذا كان شحاتة يتهم الإعلام الأحمر الاهلى باضطهاده على وقع أزمة هروب الحضرى، فإن شحاتة نفسه حل ضيفا وتم الاحتفاء به على قناة النادى الأهلى، وعرض وجهة نظره فى التمسك بالحضرى حارسا للمنتخب دون أن يتعرض لأى مضايقات أو استفزازت، وعندما لفقت تهمة «فتيات الليل» إلى لاعبى المنتخب تصدى لها الإعلام المصرى ومنح الجميع صك البراءة حتى من دون تحقيق، ولو كانت هناك مؤامرة إعلامية لكتبت نهاية درامية لقصة مدرب ناجح ومنتخب رائع. ويشهد الجميع أن الإعلام المصرى المتهم دائما، أنه لم يدلل ولم يساند ولم يؤازر مديرا فنيا عبر التاريخ كما يفعل الآن مع حسن شحاتة، مقارنة بالنقد الحاد والمشروع الذى كانت تتعامل به مع كل سابقيه بما فيهم الجنرال الجوهرى، الذى كان يرحل على أسنة رماح الإعلام، وكيف أطاح الإعلام بنقده المباح بالإيطالى جيرار جيلى المدير الفنى الأسبق للمنتخب لمجرد أنه كان غير مركز مع المنتخب، ولولا الدعم الإعلامى لما استمر المعلم فى منصبه لمدة 4 سنوات متتالية وحتى الآن، وهى مدة زمنية طويلة لم تتح لمدرب سابق وفيهم من حقق إنجاز الفوز ببطولة الأمم الأفريقية. المهم أن شحاتة نجح فى تكريس نظرية الاضطهاد المؤامرة الإعلامية له فى نفوس الجميع، وبلغ نجاحه فى تصديرها لوسائل الإعلام الأجنبية حتى إن عددا من وكالات الأنباء العالمية، بل إن موقع الاتحاد الدولى لكرة القدم «الفيفا» تعرض إلى تلك النظرية كلما جاء ذكر اسم حسن شحاتة. كابتن حسن أرجوك اخلع جلباب المؤامرة عن نفسك وعن لاعبيك، وعلى رأى الإعلان: «حتى المتشائمين بيشجعوا مصر».