«ادخلوا مصر آمنين.. فلا مكان للمتعصبين».. لم تجد صحيفة «الشروق» الجزائرية شعارا أفضل من ذلك لتتخذه عنوانا لتقريرها عن الأجواء فى مصر قبل المباراة المرتقبة بين المنتخبين المصرى والجزائرى بعد غد «السبت» فى لقاء حاسم على بطاقة التأهل لنهائيات كأس العالم 2010 بجنوب أفريقيا. هكذا بدأت بعض الصحف المصرية والجزائرية فى محاولات لتهدئة الأجواء قبل أيام قليلة من المواجهة العصيبة والمثيرة بين منتخبى البلدين، لكن الغالبية العظمى من الصحف ووسائل الإعلام فى البلدين ما زالت تضرم نار الفتنة بين أحفاد الفراعنة ومحاربى الصحراء قبل هذه المواجهة. وفى الوقت الذى تبذل فيه بعض المحاولات من الطرفين لتهدئة الوضع، خاصة أن أى شرارة للشغب فى هذا اللقاء بين مشجعى الجانبين وربما بين اللاعبين داخل المستطيل الأخضر قد تتحول إلى كارثة، لا يعرف أحد إلى أى مدى سيصل تأثيرها على جميع المستويات السياسية والشعبية والرياضية، ما زالت بعض وسائل الإعلام فى البلدين تثير الفتنة بين الجانبين. ووصلت الحرب الإعلامية بين الطرفين إلى ذروتها على مدار الأيام الماضية، حتى تحولت مباراة السبت المقبل من مجرد مواجهة رياضية يجب فيها توافر الروح الرياضية واللعب النظيف إلى معركة حربية يزيدها الإعلام المصرى والجزائرى ضراوة. ولم تكد أحداث الجولة الخامسة من التصفيات الأفريقية المؤهلة لنهائيات كأس العالم 2010 تنتهى، حتى تسابقت بعض وسائل الإعلام فى البلدين إلى تهييج الرأى العام فى كل من البلدين ضد الطرف الآخر، خاصة بعد أن أصبحت موقعة السبت فاصلة وتتكافأ فيها فرص الفريقين بشكل كبير. المنتخب المصرى يخوض المباراة على ملعبه ووسط جماهيره المتحفزة، ويحتاج للفوز بفارق ثلاثة أهداف حتى يتأهل للنهائيات دون الدخول فى أى حسابات ولكنه قد يضع نفسه فى اختبار آخر وموقعة فاصلة بعدها بأربعة أيام مع المنتخب الجزائرى على ملعب محايد إذا فاز بفارق هدفين فقط. والمنتخب الجزائرى يخوض اللقاء وهو يتفوق على نظيره المصرى بفارق ثلاث نقاط ولكنه يدرك صعوبة المباراة خارج ملعبه وعلى استاد القاهرة الذى كان «بعبعا» للعديد من المنتخبات الأفريقية على مدار عشرات السنين ولكنه يعتمد فى مواجهة ذلك على امتلاكه لأكثر من بديل للخروج من هذه الموقعة بأمان فالفوز أو التعادل أو الهزيمة بهدف ثلاثة بدائل متاحة أمام محاربى الصحراء للتأهل إلى كأس العالم. لذلك لم تجد وسائل الإعلام الجزائرية وسيلة لتحميس وتحفيز اللاعبين والمشجعين سوى استعادة ذكريات الهزيمة التى منى بها المنتخب الجزائرى أمام نظيره المصرى على استاد القاهرة بالذات فى عام 1989 فى ختام تصفيات كأس العالم 1990 بإيطاليا. وفاز المنتخب المصرى فى تلك المباراة 1/صفر سجله حسام حسن برأسه يوم 17 نوفمبر ليحجز بطاقة التأهل لنهائيات كأس العالم بإيطاليا وها هو التاريخ يعيد نفسه بعد مرور 20 عاما وفى نفس الشهر بل سيكون الفارق ثلاثة أيام فقط وفى ظروف مشابهة ليلتقى الفريقان فى لقاء حاسم على بطاقة التأهل. واتخذت وسائل الإعلام من هذه الذكرى التاريخية وسيلة لمطالبة لاعبى الجزائر بالثأر الذى طال انتظاره كثيرا. وذهب البعض فى الإعلام الجزائرى إلى وصف لاعبى المنتخب المصرى بأنهم «قتلة» وأنهم «كتيبة إعدام» مع وصف لاعبى المنتخب الجزائرى بأنهم مجموعة من الوطنيين يصطفون خلف العلم الجزائرى وتعلو وجوههم ابتسامة الثقة. وذكرت صحيفة «البلاد» الجزائرية قبل أيام أن هناك مؤامرة من قبل مشجعى مصر تعتمد على تسلل عدد من مشجعى المنتخب المصرى إلى المدرجات الخاصة بمشجعى الجزائر لإثارة الشغب وقذف الصواريخ وإظهار المشجعين الجزائريين بصورة سيئة مما يمنح الجانب المصرى الفرصة فى حالة الهزيمة بالمباراة إلى اللجوء للاتحاد الدولى للعبة (فيفا) والمطالبة بإعادة المباراة أو احتساب نقاط المباراة لصالح أحفاد الفراعنة. أما صحيفة «الهداف» الجزائرية ذات الشهرة الكبيرة فلجأت إلى حيلة أخرى لإثارة الرأى العام من خلال مقابلة مع البرتغالى مانويل جوزيه المدير الفنى السابق لفريق الأهلى المصرى والحالى للمنتخب الأنجولى لكرة القدم. وذكرت الصحيفة على لسان جوزيه الذى يحظى بشعبية طاغية لدى مشجعى كرة القدم فى مصر أنه يتوقع خسارة المنتخب المصرى وتأهل الجزائر لنهائيات كأس العالم. وأعربت الصحيفة فى عدد تال عن دهشتها من الاعتقاد السائد بين جماهير الكرة المصرية بأنه حوار مصطنع مؤكدة سخريتها من الجماهير المصرية التى لا تعترف بإمكانية الهزيمة. أما صحيفة الشروق فعلى الرغم من بعض محاولات الإثارة التى شنتها عقب فوز مصر على زامبيا والجزائر على رواندا فى الجولة الخامسة من التصفيات وتعقد الحسابات ، لجأت الصحيفة مؤخرا إلى بعض محاولات التهدئة لكن على ما يبدو أن هذه المحاولات لن تجدى فى ظل «الهياج» الإعلامى من باقى الوسائل. فى المقابل، لم يكن الحال أفضل فى وسائل الإعلام المصرية حيث دأب المحللون ومقدمو البرامج فى القنوات الفضائية العديدة مثل «مودرن» و«دريم» على إثارة التعصب من خلال المطالبة بالرد على الجانب الجزائرى بفوز ساحق يقضى على معنويات الجزائريين تماما. واستشهد البعض على التعصب الجزائرى ضد الكرة المصرية بحرق العلم وفانلة المنتخب المصرى من قبل على هامش إحدى المواجهات السابقة ولذلك لم يعد هناك سبيل سوى تحقيق فوز كبير على لاعبى الجزائر فى الملعب. وأصبحت الانتقادات العنيفة هى الرد المنتظر على أى موجة للتهدئة ولذلك لم يكن غريبا أن يتساءل مواطن ومشجع مصرى فى مداخلة هاتفية ببرنامج يقدمه لاعب الزمالك ومنتخب مصر السابق خالد الغندور على قناة «دريم» عن جنسية وديانة أحمد شوبير حارس مرمى الأهلى ومنتخب مصر سابقا والذى يقدم برنامجا آخر على قناة «الحياة». واتهم كثيرون شوبير بالتواطؤ لمجرد محاولات التهدئة فى برنامجه. وانتقلت حمى الإثارة الإعلامية بشكل مقيت من الشاشات وصفحات الجرائد والمجلات إلى اللافتات التى يحملها المشجعون فى الاستاد وهو ما وضح من خلال بعض العبارات الثأرية التى حملتها اللافتات خلال مباراة ودية بين المنتخبين المصرى والتنزانى قبل أيام. وعلى الرغم من الزيارة التى قام بها محمد روراوة رئيس الاتحاد الجزائرى إلى اتحاد الكرة المصرى والجلسة التى عقدها مع مسؤولى الاتحاد لتأكيد مشاعر الأخوة بين البلدين وبين مسؤولى اللعبة فى الجانبين لم تفلح هذه المحاولة فى إخماد النار التى تضطرم تحت الرماد انتظارا لمواجهة السبت المقبل. كما لم تفلح محاولات سمير زاهر رئيس الاتحاد المصرى للعبة ومسؤولى الرياضة فى مصر لتهدئة الأوضاع فى ظل حرية الصحافة والإعلام واستمرار الكثيرين فى إشعال نار الفتنة. ومع تحول وسائل الإعلام من التحدث عن فرص الفريقين وتناول الأمور الفنية بالتحليل والتفصيل ومتابعة استعدادات الفريقين إلى موجة الانتقادات والهجوم المشين والتلميح إلى وجود مؤامرات لم يكن غريبا أن تبدى وسائل الإعلام اندهاشها وانزعاجها من هذه المباراة التى وصل صيتها لأكثر من كونها مباراة فى التصفيات وتحولت لتصبح أكثر من نهائى لكأس العالم. كما حرص الفيفا على توجيه رسالة تحذير إلى اتحاد الكرة فى البلدين من حدوث أى أعمال شغب. وأصبح الجميع فى انتظار مباراة السبت المقبل ليس فقط لمعرفة النتيجة وهوية الفريق المتأهل للنهائيات وإنما أيضا لمعرفة ما ستسفر عنه هذه المواجهة المفترض أن تتسم بروح الأخوة بين اثنين من الأشقاء العرب.