بعد ثمانى سنوات فى منصبها تواجه الأزمة الاقتصادية التى هزت الدول من الولاياتالمتحدة إلى اليونان.. رفعت ميركل حزبها الديمقراطى المسيحى إلى مستوى من الأصوات الانتخابية لم يرها منذ عقدين من الزمن. وكانت هى الموضوع، فى انتخابات تخلو من موضوع. وكان شعارها «المستشارة.» فقد مثل ذلك انتصارا شخصيا، مع تحقيق هذه الغالبية الغالبة. وكتب توماس شميت فى تعليق نشر على الصفحة الأولى لصحيفة دى فيلت «العظيمة ميركل أكبر من الحياة». غير أنها تمثل وجها فى الزحام، ولا تقف خارجًا. ويمكن أن تبدو ميركل بوجهها المتغضن الصلب، وملابسها البسيطة؛ سترة (غالبا ما تكون ضيقة) وبنطلون، حالة تدرس فى الاعتيادية المقصودة، خلقها على نحو رائع خبراء فى استراتيجية الانتخابات، يتفهمون الحالة النفسية للألمان ما بعد الصدمة. وربما يتكلف الظهور بهذا المظهر العادى الكثير من المال، ولكن بمرور الوقت يبدو واضحا أنها كما هى، لم تغيرها السلطة؛ امرأة مثل مارجريت تاتشر، «ليست قابلة للتحول». ●●● وتعتبر ميركل ظاهرة. فهى تمتلك قبسا من روح العصر الحديث، ورحيق حكمة عصر التحدى الذى عاش فيه مهربو اللوحات وتجار المنسوجات. كما أنها تعمل بجد وفى تواضع. وكان شعار الثوار عام 1968 فى أوروبا «السلطة للخيال». غير أن المستشارة على العكس تماما من ذلك. وهى دراسة فى القدرة على التنبؤ. وعلى حد قول راينر ستينر من الحزب الديمقراطى الحر المنهزم، إنها «النهاية التدريجية» الناجحة لعصر ما بعد الأيديولوجية. وألمانيا هذه لا تنغمس فى التجارب. فهى مستقرة وغنية، بمعدل البطالة البالغ 5.3 فى المائة، وميزانية متوازنة ونمو مطرد. ولا تنشغل أكبر دولة فى أوروبا، بالتركيز على أكثر من هدف فى نفس الوقت، وهى الآن فى مرحلة التوحيد. وهنا، مرة أخرى، تناسب ميركل روح اللحظة. فهى زعيمة قادمة من ألمانياالشرقية سابقا، تتولى تطريز البلاد الموحدة بالتعقل. وهى أنها تمثل جيلا ألمانيا براجماتيا يبدو مؤمنًا بأنه: بعد المجادلات الهائلة، وبعد الآلام، دعونا نسع إلى تحقيق الازدهار. ومن السهل نسيان الذكريات المؤلمة. ولكن، لعل أكثر ما لفت نظرى، عند عودتى لألمانيا بعد كثر من عشر سنوات أمضيتها فيها كمراسل صحفى، النقلة الفكرية التى حققتها ألمانيا. فقد كان كل جيل ألمانى فيما بعد الحرب ينشغل بجدل مختلف: فقد حلت مطالب غاضبة بالمحاسبة أطلقها جيل الستينيات، محل الصمت فى عهد أديناور، وبعد ذلك كان هناك فيلى برانت ضعيفا فى حلف وارسو؛ والتردد بشأن الاسترخاء؛ والمهاترات بشأن تمركز صواريخ بيرشينج 2، ومعجزة الوحدة، والتكلفة الهائلة لتلك العملية الطويلة، وأخيرا التساؤل المؤلم للذات حول ما إذا كانت ألمانيا بعد أوشفيتز يمكن تصبح فى أى وقت «طبيعية» والألمان «فخورون» وهى الأسئلة التى وجدت جوابا فى النشوة الملتحفة بالعلم الألمانى فى كأس العالم 2006. وقد أغلقت ميركل كل هذه الصفحات. فهى الموحدة العظيمة، ومن أجل ذلك تتمتع بالحب فى أمة سئمت التشكك فى الذات، فلتبع السيارات، ولتحقق التوازن، ولتحافظ على القدرة التنافسية، وتجنب المفاجآت وعش سعيدا بعد ذلك. فهل يكفى هذا بالنسبة لأقوى دولة فى أوروبا؟ لقد عنون شميت تعليقه: «هل تطل المستشارة برأسها أخيرا من مكمنها؟» أظن أنها ظهرت بالفعل: وهذه هى حقيقة ميركل. لا تنشغل بالموروثات، إذا كان الإرث ينطوى على مبالغة مصطنعة من أجل الإنجاز التاريخى. ●●● وقد وازنت بين مطالبة بلادها بالحصافة المالية، والخلاص من اليورو. كما سارت أيضا فوق خط رفيع جدا بالنسبة لألمانيا بين مطالب القيادة، والتصورات حول هيمنة لا تحمد عقباها. وربما تبدى، بتشكيل ائتلاف واسع متوقع مع الاشتراكيين الديمقراطيين (لم يعد حزب الشعب)، ومن دون الديمقراطيين الأحرار الليبراليون الجدد تساهلاً موجها للنمو على نحو أكثر قليلا إزاء دول مثل اليونان. وينبغى أن تفعل ذلك، ولكن أى تغيير سيكون هامشيا. وماذا أيضا؟ سوف تهتم ميركل أكثر بالأنجلوسكسون أكثر من اهتمامها بفرنسا، وستفعل كل ما فى وسعها لإبقاء بريطانيا فى الاتحاد الأوروبى، وربما منح بعض الصلاحيات مرة أخرى إلى الدول القومية فى مقابل التكامل المالى. كما ستدفع بقوة باتجاه زيادة قدرة أوروبا على المنافسة. وسوف تمارس سلطة هادئة فى صيغة ألمانية: ضد العسكرة والتدخل، ومن أجل نظام عالمى أكثر توازنا تقوده أمريكا، على أن تتقبل حدوده. فهى تتطلع إلى ألمانيا قوية، ضمن أوروبا متحدة، فى عالم أكثر حرية. ●●● ولا شك أنها غيرت ألمانيا بالفعل، على نحو يفوق ما يدركه الناس. فقبل جيل من الآن، كان من يرى أن امرأة من الشرق لم تنجب، يمكن أن تقود الديمقراطيين المسيحيين، وألمانيا مع وزير خارجية مثلى الجنس، ونائب للمستشارة من أصل فيتنامى، سوف يوصم بالجنون. لكنها أتاحت لألمانيا مساحة للتطور. وقال لى جيوفانى دى لورنزو، رئيس تحرير صحيفة دى تسايت الأسبوعية، أنه كان خارجا مع ابنته ذات السنوات الخمس، وعندما شاهدت كل تلك الملصقات الانتخابية لميركل، التفتت إليه وسألت: «هل هذه المرأة زعيمة العالم؟».. سؤال جيد.