وكأننا في يوم العيد.. منذ السابعة صباحًا يتدفق التلاميذ مرتدين أزياءهم المدرسية الجديدة وحقائب بكل الألوان، فرحة تكسو الوجوه، وقبلات تتبادلها الأمهات، اللاتي يعرفن بعضهن من العام أو الأعوام السابقة. أمام مدرسة قصر الدوبارة التجريبية، تحاول الشرطة تنظيم الحركة في شارع قصر العيني المغلق، ليغلق باب المدرسة في السابعة والنصف، ويبدأ طابور الصباح، أمام المبنى الأثري، في الفناء الصغير المكسو بالبلاط. وبسبب الوضع السياسي المتوتر حاليًّا، فضلت بعض الأمهات الانتظار خارج المدرسة؛ حيث قالت سهام إسماعيل، والدة أحمد بالصف الرابع الابتدائي، "سأنتظر قليلا ثم أتوجه إلى عملي بعد أن أطمئن على أن كل شيء على ما يرام". فيما قالت سمية عبد الكريم، والدة محمد بالصف الخامس الابتدائي، بأنها "ستبقى حتى انتهاء اليوم الدراسي في الواحدة والنصف ظهرًا؛ لأنها تخشى من اندلاع مظاهرات أو أي مشاكل قد تحدث، لتكون قريبة من ابنها". محمد عطية مدير إدارة غرب القاهرة التعليمية، رحب بالطلاب والمعلمين في طابور الصباح، ثم بدأ جولته بالفصول؛ كما وقفت أبله داليا السكران، ابنة أستاذ التربية بجامعة عين شمس الدكتور محمد السكران، مع تلاميذ «كي جي 1» ليبدءوا يومهم بتناول الفطور الذي أحضروه من بيوتهم. الأعمال الفنية التي زيِّن بها الفصل من إنتاج المعلمات؛ "لأن إنتاج التلاميذ يأخذونه إلى بيوتهم في آخر العام، عدد التلاميذ 29 فقط، فلم نطبق بعد قرار رئيس الوزراء بزيادة العدد إلى 40 تلميذًا، رغم أن مساحة الفصل ضيقة، بالمقارنة بفصول أخرى بالمدرسة"، كما تقول داليا. "المفروض أن يخصص لكل فصل من فصول رياض الأطفال معلمتان، لكن هناك عجز في مدرسي رياض الأطفال؛ لأننا نطلب فقط خريجي كليات رياض الأطفال، أو أقسام علم النفس والخدمة الاجتماعية، فلا توجد سوى معلمة واحدة لكل فصل"، يعلق مدير الإدارة التعليمية. مضيفًا، أن "بعض مدرسي رياض الأطفال بالتجريبيات من المعينين، ومتوسط راتبهم 600 جنيه، أما الذي يعمل منهم بعقد لسد العجز، فيصل الراتب إلى 300 جنيه". في الطابق الثاني، وقف الأستاذ طه مصطفى، يدرس لتلاميذ الصف الثاني الابتدائي أول دروس اللغة العربية، "أنا بشتغل في التدريس من 27 سنة، من الدفعات التي عينت بدبلوم المعلمين، ولهذا لم يتجاوز راتبي 1500 جنيه رغم أني حصلت على ليسانس آداب وتربية بعد ذلك، وحافز التجريبي 200 جنيه، نحصل عليه فقط في الشهور من سبتمبر حتى يناير، رغم أن العام الدراسي ينتهي في يونيو". لكن راتب أستاذ جاب الله روبيل، مدرس الرياضيات، الذي يعمل منذ 25 عامًا، قد وصل إلى 2100 جنيه، "بدأت تدريس الرياضيات باللغة الإنجليزية منذ 4 سنوات فقط، والآن أصمم دفتر التحضير بشكل مبتكر، لم نعد نشتريه من المكتبات كما كان في السابق، وقريبًا سيكون الدفتر كله مكتوبًا بالكمبيوتر". أمام فصل رابعة أول، أشارت أبلة تهاني مصطفى ناظرة الابتدائي، إلى أن فصول سنوات رابعة وخامسة ابتدائي والأول الإعدادي بالمدرسة، اختارتها الوزارة لتطبق فيها طريقة التدريس بالتابلت، بالتوازي مع كتاب المدرسة، وتدرب المدرسون على الطريقة الجديدة، وسيبدأ التطبيق في الأسبوع المقبل. • مبنى واحد ونظامين تعليميين: ومن قصر العيني إلى بولاق أبو العلا، بجوار مخازن الحديد الخردة، فناء واحد يجمع مدرستين، كانتا في الأصل مدرسة التحرير الابتدائية، ليتحول أحد مبنيي المدرسة إلى مدرسة النيل التجريبية. المدرسة التجريبية 18 فصلا، متوسط التلاميذ فيه 27 طالبًا، منها 4 فصول لرياض الأطفال، أما مدرسة التحرير، فبها 8 فصول، ولا يوجد بها فصول لرياض الأطفال. الفصول الثمانية، هي فصل لكل سنة من سنوات الدراسة الابتدائية، وفصلين لرابعة وخامسة، "في الصف الرابع رسب 16 طالبًا يمثلون نصف عدد طلاب الفصل البالغ عددهم 29 طالبًا، فخصصنا فصلين لهذه السنة، ومع السنة الخامسة" يقول صلاح الدين مصطفى مدير المدرسة. الطلاب الذين رسبوا وبقوا في الإعادة، هم من الأطفال العاملين من أبناء المنطقة، وبعضهم غير منتظم في الدراسة، وتحاول المدرسة أن تنظم لهم برنامج معالجة تعليمي، كما تقول أبلة هند صلاح. تلاميذ مدرسة التحرير لن يدفعوا المصروفات المدرسية هذا العام، أسوة بطلاب كل المدارس الحكومية، لكن طلاب مدرسة النيل لن يتمتعوا بهذه الميزة. على الباب وقفت داليا محمود، أم حبيبة، بالصف الثاني بالمدرسة التجريبية وأحمد برياض الأطفال، تقول: «إحنا كمان غلابة، ودخلنا ولادنا التجريبي عشان يتعلموا، ليه ما أعفوناش من المصاريف زي المدرسة التانية، أو حتى من نسبة منها، يا ريت حد يوصل صوتنا للمسؤولين». مصروفات المدرسة التجريبي 400 جنيه، و200 جنيه للباص، ويجلس طلابها في فصول بها مراوح، عكس فصول مدرسة التحرير، ويتمتعون بمكتبة واسعة ثرية بالكتب، عكس مكتبة التحرير المتواضعة، لكن في النهاية يجمع تلاميذ المدرستين فناء واحد مبلط، ويرددون معًا تحية العلم في طابور الصباح.