مازال فيروس كورونا الجديد يشكل علامة استفهام محيرة للعلم والعلماء. رغم رصد أعراضه تلك المتلازمة التنفسية الحادة والالتهاب الرئوى الذى يتسبب فيه وعواقبه الوخيمة إلا أنه مازالت هناك أسئلة بالغة الأهمية تتعلق بنشأته ووسائل انتقال عدواه تحول دون التوصل لعلاجه أو تحديد سبل للوقاية منه. اختار العلم للفيروس الذى ينتمى لعائلة كورونا الفيروسية الصغيرة الخطيرة فى آن واحد اسما له علاقة بجغرافيا اكتشافه: Middle East Respiratory Syrdrome Mers إذ ان الفيروس المشابه لفيروس السارس المكتشف فى الصين عام 2002 قد أعلن عن رصده فى العام الماضى سبتمبر 2012 فسمى بفيروس كورونا الجديد حتى تتبين ملامحه وتتحدد خواصه novel Coronavirus - nCoV. جاء اكتشافه فى أحد معامل المستشفيات السعودية الخاصة نتيجة لجهود عالم مصرى الدكتور على زكى أستاذ الفيروسات بجامعة عين شمس. خلال عام واحد بلغ عدد الحالات التى تأكد تشخيصها أربعا وتسعين حالة توفى منها ست وأربعون كلها تقترن بدول الخليج حتى لو انتقل المريض منها إلى دولة أوروبية مثل بريطانيا، فرنسا، ألمانيا إما للعلاج أو أنه يعيش فيها. كان نصيب العربية السعودية منها 62 إصابة توفى منها أربع وثلاثون داخل المملكة. تحديد عائلة الفيروس الضارى كانت بداية الخيط الذى قاد العلم إلى ملامح هويته وبالتالى إلى تطوير التحاليل المعملية اللازمة لرصده بدقة ومتابعة تطورات نشاطاته المختلفة بداية من مصادر نشأته إلى وسائل انتشاره. لم يعد خافيا الآن أن ينتشر بين البشر اثر انتقال عدواه من إنسان لآخر بعد ان تم رصده فى العائلة الواحدة ورصد انتقاله من مرضى لآخرين أصحاء فى نفس المستشفى أو عدوى أفراد من طاقم المستشفى الطبى فى مستشفى يعالج فيه مرضى مصابون بالفيروس. مقارنة الشفرة الوراثية من الفيروسات التى يتم عزلها من مرضى الالتهاب الرئوى الوخيم أكدت أن الفيروس ينتقل من إنسان لآخر عبر الجهاز التنفسى وانتشار الرذاذ أثناء العطس أو السعال. لكن لحسن الحظ قدرة فيروس كورونا المكتشف ليست كبيرة على الانتشار وبالتالى رغم ضراوة الفيروس فإن احتمالات عدوى المحيطين بالمريض ليست خطيرة الأمر الذى قد يحد من انتشاره كوباء. عزل المريض فى غرفة جيدة التهوية والمداومة على إجراءات الوقاية مثل عدم الاقتراب إلى مسافة كافية من المريض وغسل الأيدى باستمرار بالماء والصابون واستخدام الأقنعة الطبية الواقعية كلها احتياطات تحد أيضا من انتشار العدوى وتسهل التحكم فى خطورتها. كان من الضرورى أيضا الكشف عن «محطات العبور» التى قد يستوطنها الفيروس قبل أن ينتقل إلى الإنسان بعد إصابة رجل من الإمارات العربية إثر إصابة جمل يملكه بعدوى فيروس الكورونا. درس العلم علاقة الفيروس بالجمال والماعز والخراف والقطط ثم اخيرا الوطاويط انتقلت بعثة علمية من جامعة كولوجيا لتعاون فريق عمل من العربية السعودية فى البحث عن الحيوان الوسيط الذى منه ينتقل الفيروس للإنسان تنتشر عدواه من إنسان لآخر. الصدفة وحدها قادت البعثة إلى كشف مهم حينما التقت أحد سكان الصحراء الذى قادهم إلى اطلال مدينة قديمة اندثرت فى الرمال بينما بقى منها كهف ما ان دخلوه حتى فاجأتهم عشرات العيون اللامعة تتألق فى ظلام سواده الذى يبطن جدرانه. كانت العيون لأكثر من خمسمائة وطواط التصقت بالجدران معلقة تنتظر أن ينسحب ضوء النهار لينطلق فى ظلام الليل بأجسادها الصغيرة واجنحتها القوية العضلية الطويلة تبحث عن طعامها لتعود به إلى كهفها المظلم قبل أول شعاع ترسله الشمس للأرض. رغم تعدد أنواع الوطاويط الخمسمائة التى أجرت عليها البعثة العلمية أبحاثا من عينات دم أخذت منها قبل إطلاق سراحها لتعاود حياة الظلام آمنة إلا أن هناك نوعا واحدا فقط تم رصد العدوى فى دمه مطابقة وراثيا تركيب فيروس كورونا الذى يصيب الإنسان. كان هذا النوع من الوطاويط الذى يطلق عليه اسم وطواط القبور المصرى Egyptian Tomb bat. رغم مطابقة الصفات الوراثية للفيروس الذى تم عزله من وطواط القبور المصرى لفيروس كورونا إلا أن سيل الأسئلة لم يتوقف بعد. هل وجود الفيروس فى دم الوطواط يعنى أنه مريض؟ أم أنه يعد معبرا طبيعيا فى دورة حياة الفيروس التى تكتمل فى شرايين الإنسان مصيبة إياه بالالتهاب الرئوى الوخيم؟ هل تنتقل الفيروسات مباشرة للإنسان كأن يتمكن الوطواط من عض الإنسان أم عن طريق تلوث طعامه أو دمه بمخلفاتها؟ هل يلعب الوطواط بمفرده هذا الدور محتفظا بصندوق أسرار الفيروس أم أن حيوانات أخرى تشاركه فيه؟ كلها أسئلة مهمة يرى العلم أن فى الإجابة عليها سبيلا واقعيا للخلاص من فيروس ميرس MERS إما بعلاجه أو الوقاية منه فيأمن العالم شر وباء محتمل خاصة أن أيام الحج قادمة وضيوف الرحمن قد تهيأوا لشد الرجال إلى قبر الرسول الكريم والوقوف بعرفة.