ا ترغب أي قوة غربية في التدخل في سوريا، لكن الخطاب الحالي يشير إلى وجود نوع من رد الفعل العسكري تجاه الهجمات الكيماوية التي وقعت الأسبوع الماضي. وفي عالم تسوده القوة الصارمة، لا يظهر على السطح الآن السؤال القديم حول من يمكنك الاتصال به في أوروبا. ففي عطلة نهاية الأسبوع تحدث الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون لمدة 40 دقيقة، وبعدها تحدث إلى الرئيس الفرنسي. وتمتلك كل من بريطانيا وفرنسا الامكانات والإرادة للمشاركة في عملية عسكرية. لكن هذه المرة، كان هناك اتصال تليفوني بالألمان، حيث كانت الولاياتالمتحدة مؤخرا تحث الألمان بهدوء على الاضطلاع بدور قيادي أكبر في الشؤون العالمية. وبالعودة إلى الماضي، نجد أن احتمال الدخول في عمل عسكري تسبب في حدوث انقسام في أوروبا، حيث عارضت فرنساوألمانيا غزو العراق، بينما قادت فرنسا وبريطانيا الحملة العسكرية ضد قوات القذافي في ليبيا، فيما امتنعت ألمانيا عن التصويت في جلسة الأممالمتحدة في هذا الشأن. كما أن ألمانياوفرنسا اختلفتا بشأن التدخل في مالي. وفي هذه المرة أيضا، كانت هناك بعض الخلافات المبكرة، حيث سارع الفرنسيون بطلب القيام بعمل ضد نظام الأسد، وقال وزير الخارجية الألماني: "قبل الحديث عن إنزال العواقب يجب علينا أولا أن نحصل على إيضاح". ومع ذلك، قد تتوصل الدول الثلاث إلى اتفاق بشأن سوريا. إرث العراق وقد أشار الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى أنه سيدعم "التدخل العسكري المحددة أهدافه"، مع تلميح قوي أن ذلك سيكون خلال هذا الأسبوع. وقال ستيفن زايبرت المتحدث باسم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، إن الهجوم الكيماوي "انتهاك خطير للمواثيق الدولية، والتي تحظر بشكل قاطع استخدام هذه الأسلحة، ويجب أن تعاقب سوريا لأنها لا يمكن أن تستمر دون إنزال عقاب". وفي البداية كانت برلين أكثر حذرا، فهي تريد دليلا ليس فقط على وقوع هجوم كيماوي، ولكن أيضا على وجود بصمات للنظام السوري في هذه العملية. وهناك اعتراف تدريجي بأن الدليل المطلق ربما يكون أمرا مستحيلا، على الرغم من أنه من المرجح أن تقدم واشنطن أدلة جديدة حول دور النظام في ذلك في وقت لاحق هذا الأسبوع. وفي مثل هذه الظروف يناضل الاتحاد الأوروبي كمؤسسة من أجل أن يكون له صوت، وقد أقرت كاثرين أشتون، مسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، أنه من الصعب على هذا التكتل الأوروبي الذي يضم 28 دولة أن يتوصل إلى "قرار نهائي مشترك". وسوف ينتقد البعض في أوروبا حقيقة أن دور الاتحاد الأوروبي أصبح مرة أخرى – وفي لحظة حرجة في العلاقات الدولية - دورا محدودا. وقد أكدت أشتون أنه "أمر مهم للغاية" أن يتم الحصول على دعم مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وسوف تلقى هذه الرؤية دعما واسعا في أوروبا، لكن في الواقع سيكون من الصعب جدا التوصل إلى اتفاق أممي في هذا الشأن مع وجود روسيا التي تعارض أي عمل عسكري من الخارج في سوريا. كما أنه من المرجح بشكل كبير أن يكون لأي تدخل في سوريا ما يبرره قانونيا، وذلك إما لأسباب إنسانية أو لانتهاك المواثيق الدولية فيما يتعلق باستخدام أسلحة كيماوية. والحقيقة هي أن إرث العراق لا يزال يخيم على سوريا وعلى الحرب الأهلية التي تدور فيها. ولا ينسى أحد أن مفتشي الأممالمتحدة أرادوا مزيدا من الوقت لاكتشاف ما إذا كان صدام حسين يمتلك أسلحة دمار شامل أم لا. كما أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما يتردد في لعب دور شرطي العالم. لكن في سوريا، قتل نحو 110 آلاف شخص حتى الآن، وأصيب ضعف هذا العدد، كما يوجد نحو أربعة إلى خمسة ملايين لاجيء سوري، وذلك في الوقت التي تظهر فيه بوادر حرب أهلية في الدول المجاورة. وهناك العديد في واشنطن الآن ممن يعتقدون أن عدم تحرك الولاياتالمتحدة قد شجع الرئيس السوري بشار الأسد. لكن أوباما كان قد صرح من قبل أن استخدام الأسلحة الكيماوية سيكون عاملا في تغيير قواعد اللعبة، وبالتالي أصبحت مصداقية الولاياتالمتحدة على المحك الآن. وربما لا يزال هناك دور للدبلوماسية، لكن كل الخطط الآن تعتمد على كيفية معاقبة نظام الأسد وترك إشارة مميزة بأن استخدام الأسلحة الكيماوية ستنتج عنه عواقب وخيمة. وسوف تمثل هذه الأيام اختبارا للدول الأوروبية، وما هو الدور الذي سوف تلعبه ألمانيا؟ وما حجم الدعم الذي سيحصل عليه الأمريكان في أوروبا؟ وفي وسط كل هذا، ذكَّر الرئيس السوري الدول الغربية بتاريخها الحديث، وقال: "نعم، هذا حقيقي، تستطيع القوى العظمى أن تشن الحروب، لكن هل يمكن أن تربحها؟" ولم يتجه الأمريكان وحلفاؤهم لشن حرب، لكن هل يستطيعون أن ينفذوا عملية محدودة يمكنها أن تردع قادة مثل بشار الأسد في المستقبل؟