الى أى مدى يمكن أن يتأثر الواقع بالسينما، وينقل المشاهدين ما يرونه على الشاشة من صورة لسلوك وفكر ولغة ليشكل مفردات حياتهم اليومية فى الواقع حتى لو كانت مواصفاتها سيئة؟ السؤال فرض نفسه عقب تداول فيديو على نطاق واسع لأحد الشباب، عقب مشاهدته فيلم «قلب الأسد»، وهو يرقص بالمطواة على كوبرى قصر النيل مقلدا اللوك الذى ظهر به بطل الفيلم محمد رمضان فى العمل، وهو ما يطرح عددا من الأسئلة وهى: هل الشباب يأخذ من السينما ما هو سيئ فقط، أم أن تلك الأعمال لا تتطرق إلا للجانب السيئ فى الحارة الشعبية. الناقدة الفنية خيرية البشلاوى ترى أن السينما والواقع يتبادلان مع بعضهما البعض التأثير، وأن السينما طوال تاريخها لها تأثير على الواقع فى الوقت الذى تستمد أحداثها من قصص واقعية من حياتنا مثلا من صفحات الحوادث وحياة بعض الشخصيات. وأوضحت البشلاوى على سبيل المثال أن اليهود الذين انتقلوا من أوروبا وأسسوا هوليوود استغلوا ذلك فى نقل ما يريدونه من أفكار وسلوك عن طريق السينما للواقع، وشكلوا الكثير من عادات وطبائع الشعب الأمريكى، مشيرة إلى أن ذلك يثبت أن السينما سلاح ذو حدين من الممكن أن ينقل ما هو جيد وفى نفس الوقت من الممكن نقل ما هو سيئ، كما أنه يؤثر ويتأثر بالواقع، وبالرغم من أن هناك أدوات أخرى للتوصيل إلا أن الصورة تظل هى اللغة والسلاح الأقوى والأكثر تأثيرا، وتلعب دورا مهما. وفيما يخص واقعة تقليد أحد الشباب لمحمد رمضان واللوك الخاص به فى فيلم «قلب الأسد» أشارت إلى أن رمضان ما هو إلا تقليد للواقع وأن هذا المثال مأخوذ من واقع موجود على الأرض، ولم يخرج من واقع فارغ، مضيفة أن تلك الأعمال خرجت من قلب العشوائيات والعنف المتواجد بها نتاج كل الظروف الاجتماعية التى نمر بها. واعتبرت البشلاوى أنه لا يوجد بطل سينما ناجح يقلده الشارع إلا إذا كان يمس الواقع بنسبة كبيرة، لذا وجد رمضان صدى عند نسبية كبيرة من الشباب، لأن جمهور السينما 90% منه شباب، كما أن العمل عندما يُعرض على شاشات التلفزيون فإنه ينتقل لمساحة أكبر من الجمهور. الكاتب مصطفى محرم أوضح أن تأثير السينما على الشارع موجود منذ زمن، والتأثر بأبطال السينما موجود منذ نشأة السينما، لأنه من المفترض أن السينما محاكاة للواقع وتقنين له، أى أن السينما استلهام من المواقع وليس الواقع ذاته، بمعنى ألا ننقل الشارع بشكله كما هو موجود إنما لا بد من الاختيار والتقنين. التقليد موجود منذ فترة ولكن مع زيادة الإسفاف أصبح التقليد يُرى بشكل سيئ، لذا لا بد من اختيار الألفاظ التى يتم استخدامها فى الأعمال ويسمعها الجمهور، حيث إن تلك الألفاظ السيئة التى يتم استخدامها من الممكن استبدالها بأخرى تنقل نفس المعنى ولكن بشكل مهذب. وأشار محرم إلى أن السينما دائما بها شخصية المعلم ورجل الشارع، ولكن فى نفس الوقت كان يتم تقديم تلك الشخصيات بشكل به شىء من الجمالية، فالسينما طوال تاريخها تقدم الحارة أيضا مثل أعمال صلاح أبو سيف وأعمالى ولكن ليس بالشكل المتدنى الذى نراه الآن، لأننا كنا نقدم الحارة بعدما نأخذ الشكل الفنى ونختار ما نريد أن نقدمه للمتفرج. وأضاف أن تلك الأعمال القديمة كانت تمتاز بالواقعية وهى النظرة العلمية للأمور وتحليل الأسباب وراء أى ظاهرة نتطرق إليها، وأسباب تلك التصرفات وتأثير المكان على سلوك الأفراد والدوافع وراء ذلك. المخرج الشاب عمرو سلامة اعتبر أن السينما تعكس الواقع ومن الممكن بعد ذلك أن يُحدث الفيلم تأثيرا، فمثلا بعد فيلم كابوريا انتشر «قصة شعر» أحمد زكى فى الشارع المصرى، أى أن الفيلم لو كان يشبه المجتمع فسوف يؤثر بشكل كبير فى الشارع. وأكد سلامة أنه ضد فكرة أن الفيلم هو الذى ينقل السلوك السيئ للمجتمع، وإنما الفيلم وظيفته هو نقل ما يحدث فى المجتمع، مشيرا أنه يرى أن السينما والواقع يؤثران فى بعضهما البعض.