لا أعرف ما إذا كانت حكومة الدكتور حازم الببلاوى تدرك أن التحدى الرئيسى الذى يواجهها اليوم وغدا وبعد غد هو الأوضاع المعيشية للناس وليس جماعة الإخوان فقط. بطبيعة الحال جماعة الإخوان ستظل تحديا سياسيا وربما أمنيا للحكومة الجديدة، لكن لقمة العيش ستظل المشكلة الاكبر. غالبية الشعب ثار ضد حكم الجماعة فى 30 يونيو، ثم خرج بكثافة استثنائية فى 26 يوليو مفوضا الحكومة والجيش فى محاربة العنف والإرهاب. أحد المعانى الرئيسية لهذا التفويض هو ان المواطنين يريدون الأمن والاستقرار حتى يمكن لحياتهم المعيشية ان تتحسن. والسؤال: ما الذى يمنع الحكومة من الاهتمام بالملف الاقتصادى الاجتماعى؟!. البعض سوف يتعلل بالاحتجاجات المتنوعة التى تنظمها جماعة الإخوان وأنصارها فى الشوارع والميادين. بالطبع سيظل هذا السلاح مغريا للجماعة كى تستخدمه حتى تعرقل عمل الحكومة بكل الطرق لإفشالها، مثلما كانت المعارضة السابقة تفعل ضد حكومة الإخوان. السؤال الثانى: هل هذه حجة كافية كى تستمر أوضاع الناس المعيشية متردية؟!. المشكلة ان المواطنين البسطاء لن ينشغلوا بالجدل وهل الحكومة معذورة أم لا، هم يريدون تحسن أحوالهم بغض النظر عن الأسباب. البعض يذكر الحكومة الحالية بأن حكومتى عاطف صدقى وكمال الجنزورى واجهتا حربا حقيقية وشرسة من جماعات إرهابية فى القاهرة والصعيد فى التسعينيات، ورغم ذلك فإن الأداء الاقتصادى كان مرضيا نسبيا إلى حد كبير، ولم يتحجج أحد وقتها بهذه التفجيرات. لكن البعض يستدرك ويقول ان الحكومة المصرية وقتها لم تكن تسمح بمظاهرات واعتصامات واسعة النطاق كما يحدث الآن وان جهاز الامن كان فى عز سطوته القمعية. وفى هذا الصدد يعتقد البعض ان تمرير قانون ينظم المظاهرات بصورة متوازية سوف يسمح بانطلاق عجلة الاقتصاد. من الضرورى ان نحافظ على حرية التعبير والاحتجاجات بكل صورها حتى لا نرتد إلى الدولة البوليسية وفى الوقت نفسه تعتقد دوائر فى الحكومة الجديدة انه من المهم ألا يتحكم مائة شخص فى مستقبل بلد بأكمله بحيث لو قطعوا طريقا أو حطموا منشأة يتوقف البلد بأكمله. جزء كبير من المواطنين غير مهموم بالدستور أو الديمقراطية أو التعددية أو جانب كبير من اهتمامات النخبة، هم مهمومون فى الأساس بلقمة العيش وهؤلاء سيحبون الديمقراطية لو تحسنت أحوالهم، ولن يكرهوا الديكتاتورية إذا وفرت لهم لقمة الخبز. وبالتالى فمن الأفضل أن تسير الاثنتان جنبا إلى جنب الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. كثيرون يعتقدون ان غالبية المصريين أحبوا عبدالناصر لأنه أصدر قانون الإصلاح الزراعى بعد 45 يوما فقط من ثورة يوليو 1952. تستطيع حكومة الدكتور حازم الببلاوى ان تدخل التاريخ من أوسع أبوابه إذا وضعت الأسس الصحيحة لانطلاق المجتمع إلى الأمام، على أساس استعادة الدولة اولا ثم هيبتها بالتوازى مع الحفاظ على مكاسب ثورة يناير خصوصا فى مسألة الحريات والكرامة الإنسانية. وبجوار ذلك يكون الشغل الشاغل لهذه الحكومة هو العدالة الاجتماعية حتى لا نتفاجأ بالموجة الثالثة من الثورة التى يتخوف البعض من انها قد لا تبقى ولا تذر. غالبية المصريين تحتاج قرارات حكومية عاجلة لتحسين أحوالهم، وكذلك رسالة حاسمة بأن هناك أملا فى الغد، فهل تملك الحكومة هذه الرسالة؟ وهل هى قادرة على اتخاذ القرار؟!