لا أعتقد أن مصر عبر تاريخها الحديث سبق لها أن واجهت موقفا بالغ التعقيد وبالغ الصعوبة مثل الموقف الذى تواجهه اليوم، ولكنها تواجهه بروح التفاؤل والأمل والشعور بأننا ربما نكون قد أصبحنا الآن على بداية الطريق الصحيح لنبدأ من حيث كان علينا أن نبدأ فى أعقاب ثورة 25 يناير، وقبل أن تُختطف الثورة وتسير فى دهاليز أوصلتها إلى تلك الحالة البائسة التى كانت عليها قبل يوم 30 يونيو؛ اقتصاد منهار وأمن غائب وأمل شاحب والأخطر من هذا كله ذلك الانقسام الحاد الذى قسم الوطن إلى نصفين والبلد إلى بلدين، وحيث رأينا لأول مرة فى تاريخ مصر من يهاجم فكرة الوطن والوطنية ويُهمش مصر ككيان وطنى فى سبيل أيديولوجية أممية غامضة وغريبة عن مصر وعن تاريخها وروحها وتراثها. على أية حال عاد الوطن وعادت الروح المصرية التى جُبلت على التسامح والتفاؤل، عاد الأمل رغم ما جرى للاقتصاد من تجريف وسوء إدارة وضع مصر على حافة الإفلاس، ورغم ما نراه من حرب على الوطن فى سيناء وعلى أبناء مصر الأوفياء فى القوات المسلحة والشرطة؛ سيناء التى كانت وستظل رغم كل شىء رمز التحرير والتضحية، ورمز انتصار الروح المصرية والإرادة المصرية والبطولات المصرية التى أنقذت العروبة والإسلام فى حطَّين وعين جالوت وغيرهما. ●●● أهم ما يدعو للتفاؤل اليوم أننا نرى أن سفينة الوطن قد أصبحت فى يد قيادة لا تعرف هدفا سوى مصر والعمل على أن تسترد عافيتها وتعمل على تنفيذ أجندة وطنية واضحة لوضع الدستور وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية ليكون لدينا قبل عام واحد كيان دستورى لائق بمصر وتسترد مصر أمنها وأمانها وتضع الأسس الكفيلة بإنقاذ الاقتصاد المصرى مما كان قد وصل إليه من انهيار. لا أتحدث عن رئيسٍ مؤقت استطاع فى فترة وجيزة لا تتعدى الأيام أن يحوز رضاء شعبيا واسعا ولا أتحدث عن الدور البطولى الذى قامت وتقوم به القوات المسلحة والشرطة، ولكننى أتحدث عن فريق الحكومة وأثق فى تشكيلها، أعرف أهم رجالاتها وأركانها وأثق فيهم بدءا برئيسها حازم الببلاوى صاحب الخلفية والتجربة الفريدة وأعرف آخرين وأقدرهم كل التقدير، حسام عيسى وزياد بهاء الدين ومنير عبدالنور.. وغيرهم. ولكننى أتحدث خاصة عن وزير خارجية يدخل إلى وزارته واثق الخطى ليبدأ العمل منذ اليوم الأول ويضع خريطة لحركة السياسة الخارجية فى الحقبة المقبلة، ولأننى أعرفه شخصيا فإننى واثق من أن نبيل فهمى سيكون الأقدر على إدارة الملف الخارجى فى هذه الحقبة. ومن مؤتمره الصحفى الأول كان واضحا أنه يدرك تماما تلك السمة الأصيلة فى سياسة مصر الخارجية عبر العصور، سياسة يتفاعل فيها الداخل مع الخارج، ويدرك تماما مدى أهمية السياسة الخارجية فى التعامل مع التحديات الخطيرة التى تواجهها مصر الآن سواء فى أمنها القومى العربى بدءا من سيناء وفلسطين حتى سوريا ومنطقة الخليج والعراق أو فى أمنها القومى فى الجنوب، فى منابع النيل والتحديات الراهنة مع أثيوبيا ومع الاتحاد الأفريقى، فبادر منذ اليوم الأول بإيفاد مبعوثين ممتازين لأفريقيا لشرح سياسة مصر وما تواجهه من تحديات. سيجد نبيل فهمى أمامه وهذا هو الأهم ليس فقط جدول أعمال حافلا بالقضايا ولكن سيجد أمامه علاقات مصر بالعالم وهى فى حالة فيها من التأزم قدر كبير وسيكون عليه أن يعالج أوضاع هذه العلاقات مع الإخوة العرب والأفارقة، ومع أمريكا وتركيا وروسيا والاتحاد الأوروبى فضلا عن دول آسيا الكبيرة (الهند والصين واليابان)، سيكون عليه أن يشرح لهم الكثير مما قد يستغلق عليهم فى ظروف ما حدث سيكون عليه أن يخاطب ويتحدث إلى العالم باللغة التى يفهمها والتى يجيدها، سيكون صوت مصر فى الخارج دون أن يغفل الحديث إلى الداخل. ●●● وزير الخارجية الجديد يعرف تماما كيف يتعامل مع هذا الكيان اللغز والمعقد أعنى الولاياتالمتحدة التى يبدو فى الفترة الأخيرة وكأنها قد تاهت فى سراديب الشرق الأوسط وفقدت البوصلة، أثق فى أنه سيعالج الشأن الأمريكى بتوليفة من الحزم والحكمة والسيطرة على النفس بحيث لا نترك أنفسنا مرة أخرى للعواطف الجياشة. بل نتعامل معهم بخطوات محسوبة، تجعلهم يعودون لصوابهم دون أن يورطوا أنفسهم ويورطوا المنطقة معهم فى خطوات تفتقد إلى الرؤية الثاقبة وإلى الاتزان ورؤية الحقائق على الأرض، وكم فى التاريخ الأمريكى من تجارب اندفعت فيها أمريكا إلى المزالق التى لم تقتصر تبعاتها عليها وحدها بل امتدت إلى مناطق بأسرها. إنها كما يقال دائما هى الفيل فى دكان ملىء بالزجاج والفخار، وفى اعتقادى أن الملف الأمريكى سيكون واحدا من أعقد وأهم ملفات المرحلة الحالية، ودور وزير الخارجية هنا هو أن يكون بمثابة مايسترو للعلاقة مع هذا البلد المهم وأملى أن يكون فى تواصل وتشاور مع مؤسسات الدولة فيما يجرى التفكير فيه من خطوات يراد اتخاذها فى هذا الملف الحيوى والخطير. ●●● ومن حسن حظ الوزير الجديد أنه سيجد فى هذه المؤسسة العتيدة، مؤسسة الخارجية نخبة من أبناء مصر الأوفياء والأكفاء المستعدين لبذل كل جهد للعمل من أجل مصر الباحثة عن آمالها، وسط أعقد الظروف وسيعرف كيف يخرج من هذه النخبة أفضل ما لديها وهو كثير. رغم كل شىء يحيط بنا ورغم كل أرقام الاقتصاد القومى فإننى أنظر للمستقبل بالتفاؤل، ومع غيرى من أبناء مصر فإننا ننظر إلى المستقبل بثقة ونتطلع إلى الخطوات المتسارعة القادمة من خارطة الطريق ولنستعد لها بعد أن خضنا تجربة طويلة كفيلة بأن تأخذنا إلى طريق الصواب.