لا أعرف كيف جرت أحداث يوم أمس، فكالعادة نحن نكتب فى الصباح، ومصر أصبحت ليلية الأحداث والبيانات والحوارات، التى باتت تصدر مع انتصاف الليل، لكن المشهد، كما يبدو واضحا، يسير فى الاتجاه الذى حذرنا منه مرارا وتكرارا، صلف وعناد وغطرسة لا تبالى بمصالح الوطن، وبصالح مواطنيه، وبصراحة لا أفهم كيف يريد الإخوان حكم هذه البلاد وهم لا يتوقفون عن تهديد هذا الشعب، وأحيانا يتحول التهديد إلى واقع كما حدث فى بعض الحالات، بل إن أنباء القبض على أعضاء بالجماعة وبحوزتهم أسلحة لا تتوقف، هم والعديد من أنصارهم، فكيف يمكن لشعب أن يطمئن لحاكم وجماعته تفعل كل ذلك، ثم يسأل بعض قيادات الجماعة ببراءة لماذا يكرهوننا؟ الواقع أنه لا يوجد من يكره أحد لانتمائه، بل من أفعاله، وأفعال الجماعة منذ ثورة يناير وحتى الآن باعدت بينهم وبين الناس، وأفعالهم هى التى صنعت هذه الحالة من عدم التواصل، رغم أن الجماعة تعرف جيدا أن الذين كانوا يقاتلون من أجلها قبل الثورة وفى ظل نظام استبدادى، هم أنفسهم الذين يقولون لهم اليوم أنتم أخطأتم ومازلتم تصرون على الخطأ، لذا لا تجد الجماعة ولا قياداتها سوى إلصاق كل ما يحدث بأنه من صنع الفلول والثورة المضادة وهم يعلمون جيدا زيف ما يقولون، لأنهم يعرفون من يهتف الآن ويطالب بإسقاط النظام.
الجماعة أمام لحظة فارقة فى تاريخها، وعليها الاختيار، إما أن تكون جزءا من هذا الشعب وتعيش معه وبينه بقوانينه وأعرافه وتقاليده، وتكون مشاركتها فى الحكم طبيعية مثلهم مثل الجميع من دون إقصاء، وأيضا من دون تعويض على اساس انهم استبعدوا طويلا من المناصب بحكم انتماءاتهم، وإذا ما حازوا هذه المناصب لا يتحيزون لأهلهم وعشيرتهم كما فعلوا هذه المرة، بل تكون الإنحيازات للكفاءة ولصالح العمل العام كما هو حاصل فى كل الدنيا، أو أن تختار الجماعة أن تحارب شعبا بأكمله تجهر برغبتها فى إقصائه وذبحه ونحره كما يقول المتحدثون من أنصارها من أقطاب العنف، وهذا طريق لن يؤدى إلا إلى اندثار الجماعة وضياع سنوات البناء الثمانين، لأن الجماعة حتى لو تمكنت لبعض الوقت، فإن ما تفعله الآن لن يمر بسهولة، وسيخلق فى المقابل رغبة حقيقية فى إقصائها من كل شىء كرد فعل طبيعى لما تفعله الآن.
ويبقى أخيرا الزيف الكبير الذى تروجه الجماعة لأنصارها، وأن ما يحدث هو هجمة على الإسلام، وأن العلمانيين معارضون لحكم الإسلام، وكل من فى الجماعة والحزب والرئاسة يعلمون علم اليقين أن الجماهير خرجت من سوء حكم ورداءة أداء وإخفاق فى الوعود وحياة باتت بالغة الصعوبة يتحمل مسئوليتها من فى الحكم، لذا كان من الشجاعة أن تعترف الجماعة بذلك لا بتضليل الجميع بأن الإسلام هو المستهدف، وأن هذه حرب بين الإسلام والعلمانية، وأنها المعركة الأخيرة لإعلاء كلمة الله، ارحموا أنفسكم وارحمونا يرحمكم الله.