وزيرة التنمية المحلية: إنشاء 11 مدفنا صحيا آمنا في 8 محافظات بتكلفة 700 مليون جنيه    محافظ بني سويف: لا تهاون في التعديات ولا تأخير في التقنين والتصالح    نائب الرئيس الأمريكي: ترامب قد يتخذ إجراءات لإنهاء تخصيب اليورانيوم في إيران    كأس العالم للأندية.. انطلاق مواجهة فلومينينسي ودورتموند في افتتاح المجموعة السادسة    المشدد 5 سنوات للمتهم بخدش حياء فتاة وتهديدها بالقليوبية    مسلسل فات الميعاد يثير قضية الذمة المالية للزوجة    محافظ الأقصر يعلن بدء مشروع تطوير كورنيش مدينة إسنا    طريقة عمل الطحينة بالسمسم زي الجاهزة وبأقل التكاليف    التعليم العالى تعلن فتح باب التقدم للمنح المصرية الفرنسية لطلاب الدكتوراه للعام الجامعى 2026    الجيش الإسرائيلي: إيران أطلقت 400 صاروخ حتى الآن    "فوربس" تختار مجموعة طلعت مصطفى كأقوى مطور عقاري في مصر    نائب محافظ الدقهلية يتفقد الخدمات الصحية وأعمال التطوير والنظافة بمدينة جمصة    مصرع شاب في حادث دراجة بخارية بالمنيا    قرار مهم من "التعليم" بشأن سداد مصروفات الصفوف الأولى للعام الدراسي 2026    رئيسة «القومي للبحوث»: التصدي لظاهرة العنف الأسري ضرورة وطنية | فيديو    بعد تعرضهم لحادث.. صور مراقبي الثانوية العامة داخل المستشفى بقنا    «البحوث الإسلامية»: الحفاظ على البيئة واجب شرعي وإنساني    "أكبر من حجمها".. محمد شريف يعلق على أزمة عدم مشاركة بنشرقي أمام إنتر ميامي    ضربة قوية لمنتخب السعودية قبل مباراة أمريكا بالكأس الذهبية    "المدرسة البرتغالية".. نجم الزمالك السابق يطلق تصريحات قوية بشأن الصفقات الجديدة    "الحرية المصري": نخوض الانتخابات البرلمانية بكوادر على غالبية المقاعد الفردية    بدء الجلسة العامة للبرلمان لمناقشة الموازنة العامة    معهد ستوكهولم: سباق تسليح مخيف بين الدول التسع النووية    محافظ أسيوط يستقبل السفير الهندي لبحث سبل التعاون - صور    في ذكرى وفاة الشعراوي.. 7 معلومات مهمة عن إمام الدعاة يكشف عنها الأزهر للفتوى    "هيخسر ومش مصرية".. حقيقة التصريحات المنسوبة للفنانة هند صبري    بلمسة مختلفة.. حسام حبيب يجدد أغنية "سيبتك" بتوزيع جديد    افتتاح مشروع تطوير مستشفى الجراحة بتكلفة 350 مليون جنيه بالقليوبية    تخصيص بالأسبقية.. مواعيد الحجز الإلكتروني لشقق صبا بأرقام العمارات    محافظ المنيا يُكرم مديرة مستشفى الرمد ويُوجه بصرف حافز إثابة للعاملين    نجاح طبي جديد: استئصال ورم ضخم أنقذ حياة فتاة بمستشفى الفيوم العام    عرض غنوة الليل والسكين والمدسوس في ختام الموسم المسرحي لقصور الثقافة بجنوب الصعيد    مهرجان الإسكندرية الدولي للفيلم القصير يواصل تألقه بعرض خاص في القاهرة    التعليم العالي: جهود مستمرة لمواجهة التصحر والجفاف بمناسبة اليوم العالمي    تأجيل محاكمة متهمين بإجبار مواطن على توقيع إيصالات أمانة بعابدين    اختراق غير مسبوق.. إسرائيل تعلن اغتيال قائد خاتم الأنبياء الجديد    محافظ أسوان يشيد بجهود صندوق مكافحة الإدمان فى الأنشطة الوقائية    وزير الرياضة يرد على الانتقادات: دعم الأهلي والزمالك واجب وطني.. ولا تفرقة بين الأندية    زيلينسكي: روسيا هاجمتنا بالطائرات المسيرة بكثافة خلال ساعات الليل    محافظ المنيا: استمرار أعمال توريد القمح بتوريد 509آلاف طن منذ بدء موسم 2025    "ليست حربنا".. تحركات بالكونجرس لمنع تدخل أمريكا فى حرب إسرائيل وإيران    CNN: ترامب يواجه ضغوطا متعارضة من إسرائيل وحركته الشعبوية    هشام ماجد يسترجع ذكريات المقالب.. وعلاقته ب أحمد فهمي ومعتز التوني    المرور تحرر 47 ألف مخالفة متنوعة خلال 24 ساعة    البحوث الفلكية: الخميس 26 يونيو غرة شهر المحرم وبداية العام الهجرى الجديد    دار الإفتاء: الصلاة بالقراءات الشاذة تبطلها لمخالفتها الرسم العثماني    طلاب الثانوية العامة بالفيوم: "امتحان اللغة الأجنبية الثانية فى مستوى الطالب المتوسط لكن به بعض التركات الصعبة جدا    التعليم الفلسطينية: استشهاد أكثر من 16 ألف طالب وتدمير 111 مدرسة منذ بداية العدوان    جدول مباريات اليوم: مواجهات نارية في كأس العالم للأندية ومنافسات حاسمة في الكونكاكاف    مستشفيات الدقهلية تتوسع في الخدمات وتستقبل 328 ألف مواطن خلال شهر    ضبط 18 متهمًا بحوزتهم أسلحة و22 كيلو مواد مخدرة في حملة أمنية بالقاهرة    أسعار الأسماك والمأكولات البحرية في سوق العبور اليوم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 17-6-2025 في محافظة قنا    بدء التشغيل التجريبي لمستشفى طب الأسنان بجامعة قناة السويس    «أمطار في عز الحر».. الأرصاد عن حالة الطقس اليوم الثلاثاء: «احذروا الشبورة»    موعد مباراة الهلال ضد ريال مدريد والقنوات الناقلة في كأس العالم للأندية 2025    بعد تلقيه عرضًا من الدوري الأمريكي.. وسام أبوعلى يتخذ قرارًا مفاجئًا بشأن رحيله عن الأهلي    ما هي علامات قبول فريضة الحج؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ارحلا
نشر في الشروق الجديد يوم 27 - 06 - 2013

يوم الأربعاء 6 فبراير من هذا العام انضم شاب عراقى آخر إلى موجة المعبرين عن مراراتهم بقذف الجُناة بالأحذية، فقد أقدم شاب من الجالية العراقية فى لندن يُدعى ياسر السامرائى على قذف « بول بريمر» بحذائه بينما كان الأخير يتحدث عن تجربته كأول حاكم أمريكى للعراق بعد الغزو، فى لقاء داخل إحدى قاعات البرلمان البريطانى حضره صحفيون وسياسيون وعدد من العراقيين والمهتمين بالشأن العراقى فى العاصمة البريطانية.

طلب الشاب إذنا بالحديث، فتكلم عن أنه نشأ ووُلِد فى العراق وأنه يحمل لبريمر رسالتين، فاهتم الأخير، إلا أن السامرائى باغته بقذف فردة حذاء وصلت بالكاد إلى المنصة التى يجلس عليها، فابتسم بريمر شامتا بزهو، لكن السامرائى عاجله بقذف فردة حذائه الثانية، صارخا: «اللعنة عليك وعلى ديمقراطيتكم المزيفة.. لقد دمرتم بلدى ولن تفلتوا».

بول بريمر الذى عينه جورج بوش الابن ليحكم العراق تحت الاحتلال الأمريكى، مكث فى موقعه عاما واحدا وكان أول وأخطر ما فعله هو حل الجيش والشرطة العراقيين مما فتح باب الشر لتدمير كيان الدولة العراقية بإزالة مؤسساتها بغية إحلالها بمؤسسات بديلة تلائم مخططات أمريكا وتخضع لنفوذها وهذا ما حدث عند إعادة تكوين جيش وشرطة عراقيين لم يكونا إلا تعبيرا عن الطائفية البغيضة التى دمرت ولا تزال تدمر العراق وترمى به واقعيا فى فخ التقسيم الطائفى والعرقى الذى لا نهوض لدولة فى ظلاله الدامية المعتمة.

لقد دفعت الولايات المتحدة ثمنا لا بأس به من جنودها ومليارات دولاراتها للحصول على هذا التقسيم للعراق فى إطار مخطط تقسيم المنطقة الثانى بعد سايكس بيكو والمعروف بمخطط تقسيم المُقسَّم وتجزيء المُجزَّأ الذى وضع فلسفته الصهيونى البريطانى المتأمرك برنارد لويس. لكن الولايات المتحدة فيما بعد دشنت سياسة غزو جديدة تُعرف ب «الحرب الرابعة»، تدفع فيها أمريكا أقل القليل من المال، ولا تفقد جنديا واحدا من جنودها، وتتلخص فى تكرار ما حدث فى العراق من تدمير كيان الدولة بتفكيك مؤسساتها واستبدالها بكيانات تقسيمية للأمة قوامها الطائفية أو التمييز العرقى أو المذهبى أو العشائرى، مستخدمة فى ذلك أوراق الضغط والاستمالة الأمريكيين، وترك المهمة القذرة ليقوم بها آحاد أو جماعات من أبناء الدول التى يريدون تدميرها، سواء بوعى شقى أو بلا وعى غبى، وقد حدث هذا ويحدث فى مصر؟

أعتقد أن « الخطيئة الأولى» التى أدت إلى ركام الخطايا التى تخنق مصر حاليا، هى اللعب بورقة الدين فى السياسة، والزعم بأن أفراد جماعة أو جماعات بعينها هم وكلاء الله الأرض. وبعد أن وصلنا إلى ما وصلنا إليه من فشل اقتصادى وسياسى وأمنى بعد سنة طويلة ومريرة من حكم محمد مرسى، فإن ما حدث خلال أحد عشر شهرا هو كوم، وما حدث فى الشهر الأخير هو كوم وحده، وهو الأكبر والأخطر والأحقر فيما أرى. صحيح أن هناك شريطا طويلا من مشاهد استباحة هذا الحكم لمصر والمصريين عبر سياسة «التمكين» المُهدِرة لاختيار الكفاءات، و«الأخونة» المدمرة لمؤسسات الدولة وهويتها التاريخية، إلا أن ما حدث فى الشهر الأخير أخذ طابعا يقطع لا بمجرد خلل سياسى، بل بخلل أخلاقى هو أبشع ما يكون تأثيرا على بلادنا.

الأبشع، والذى يقطع بأن هذا الرجل فى سدة الرئاسة لا أمان له ولا أمانة وليس بالرجل الطيب كما يتم تسويقه، هو ما حدث فى وقائع محددة تتابعت فى الأسبوعين الأخيرين، وتجعل من سلوكه مُعادِلا بحساب النتائج لما انتهجه بول بريمر لتحطيم العراق من أجل مصالح خاصة، أمريكية فى حالة بريمر، وإخوانية بل شخصية فى حالة مرسى، الذى لا يمكن أن يكون طيبا ولا كريما لأن اللؤم والكذب أداته، وهذا ما شاهدناه بالصوت والصورة، فاضحا وفادحا فى الفترة الأخيرة!

إزاء فشل رئاسته سياسيا واقتصاديا واجتماعيا تدنت شعبيته إلى درجة أفزعته، وبدلا من السعى للتصالح مع الأمة بالتطهر رجوعا عما ارتكبه من خطايا، راح يلعب لعبا ليس نظيفا أبدا بقضايا أخطر أو أطهر ما تكون، كقضية مياه النيل فى مواجهة بناء سد النهضة الأثيوبى، وقضية مأساة الشعب السورى. فى القضية الأولى رأينا ذلك اللقاء المسخرة الذى انقلب فيه السحر البائس على الساحر الخائب عندما دعت الرئاسة من دعتهم إلى قصر الاتحادية بزعم التباحث فى قضية بناء سد النهضة الأثيوبى، ولأن النية لم تكن صادقة لدى هذه الرئاسة، وكان هدفها إظهار التفاف أطياف الأمة حول الرئيس لتكريس الانطباع بأن شعبيته على ما يرام، كان ما كان وانتقص المشهد الهزلى المذاع على الهواء من قيمة هذا الرئيس وهبط بشعبيته مزيدا وأطاح بمصداقية كثيرين ممن حضروا الاجتماع وكشفوا عن تهافتهم. ثم كان مهرجان ما سموه «لقاء القوى السياسية» للتشاور فى موضوع سد النهضة الأثيوبى فى قاعة المؤتمرات، ورأينا التحشيد المفتعل من أهل وعشيرة الرئيس فى هذا المهرجان، وأثارت فجاجة الموكب الرئاسى المكون من أكثر من عشرين سيارة امتعاض كل من تابعه، وكان الاستنتاج المنطقى أن ذلك الإنفاق الباهظ هو قطعا من جيب الدولة ويفضح عدم حرمة المال العام لدى هذا الرئيس وما يمثله. ثم كانت الطامة الكبرى فيما سُمِّى مهرجان «نصرة سوريا»، والذى كان تحشيدا فخَّخ الوضع المصرى الداخلى بكذبٍ على فتنةٍ على تحريض. لأن حقيقة المشهد كانت الإيهام بشعبية «سمع هُس مافيش كلام. الرئيس مرسى تعظيم سلام». ولم يكن ذلك إلا المهرجان العلنى الأول للفتنة والإرهاب برعاية أول رئيس «مسلم» منتخب على حد تعبير أحد مشايخ السلطان الذين حشدهم الرئيس تحت سقف القاعة المغطاة!

ليس من الشرف الوطنى، ولا الاستقامة الإنسانية، ولا الطيبة الفردية، أن يخرج أى إنسان من مأزقه الخاص بوسائل غير أخلاقية مدمرة لغيره، فما بالك برجل يُفترض أنه مسئول أمام الله والناس عن أُمَّة، يعبث بقضية وجود كقضية مياه النيل لقاء «شو» إعلامى خادع أحدث شرخا يصعب مداواته فى علاقتنا بعمقنا الأفريقى مع أثيوبيا وسائر دول حوض النهر، ويدرَّع نفسه بالمتطرفين والإرهابيين فى مهرجان ترويجى آخر تحت لافتة المأساة السورية، وبعده يتغوَّل هؤلاء وعيدا وتهديدا بالعنف تجاه المصريين الرافضين لسوء أداء هذا الرئيس فى جمعة سموها «نبذ العنف»! فهل كان ذلك أقل مما أتى به بريمر فى العراق؟

«هدم الدولة بتدمير مؤسساتها التاريخية الجامعة، واستبدالها بأخرى استقطابية لتكريس الفتنة وتسهيل الإنقسام» كان هذا عين ما أقدم عليه بريمر فى العراق. وهذا ما شرع فيه مرسى، سواء بالتدبير أو سوء التقدير، عبر سياسة التمكين بالتشريعات الباطلة والتعيينات الفجة، ثم بتحشيد أمراء التعصب والإرهاب من حوله فى محاولة الإيهام بشعبية كاذبة وتخويف أمة تُجمع على رفضه، غير عابئ بزرع الفتنة وتأجيج التطرف فى مصر لتفتيت قواها، وهذا ما يفسر اندفاع السفيرة الأمريكية «آن باترسون» فى الذود عن استمراره بطريقة بلغت حد الوقاحة فى دس أنفها فى شئوننا الداخلية بما فيها جيشنا الوطنى، فهل وجدت فيه ضالتها، وهى الخبيرة بصناعة الفتنة واللعب بجماعات التطرف فى باكستان وأفغانستان؟

ملحوظة: بعد أن أخرج أفراد الأمن الانجليز الشاب العراقى قاذف بريمر بالحذاء، أطلقوه فمضى إلى بيته آمنا، بلا عقوبة غير حرمانه من دخول البرلمان البريطانى بعد ذلك! وبرغم أننى ضد فجاجة وعبثية نماذج القذف بالأحذية، إلا أننى أعتقد أن القذف بالحقائق ضرورة وواجب فى اللحظات الحاسمة، ونحن فى لحظة حاسمة ينبغى أن يُقال فيها لهذا الرجل: ارحل، ويقال لآن باترسون: ارحلى معه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.