تنسيق المرحلة الأولى 2025.. رابط موقع التنسيق الإلكترونى لتسجيل الرغبات    الكهرباء: الدفع ب 60 مولد متنقل وتوصيل كابل بمحطة جزيرة الذهب لتأمين التغذية    أسعار الأسماك بأسواق كفر الشيخ اليوم.. البوري ب130 جنيها    تراجع أسعار الذهب مع انحسار مخاوف الرسوم الجمركية وترقب اجتماع الفيدرالي الأمريكي    معيط: دمج مراجعتي صندوق النقد يمنح مصر وقتًا أوسع لتنفيذ الإصلاحات    تراجع في 3 بنوك.. سعر الدولار اليوم ببداية تعاملات الثلاثاء    منال عوض تبحث موقف التعاون مع شركاء التنمية والمشروعات البيئية الحالية    اعتراف صهيوني بارتكاب حكومة نتنياهو إبادة جماعية في غزة    ارتفاع حصيلة ضحايا إطلاق النار فى نيويورك ل5 أشخاص بينهم ضابط شرطة    رئيس الوزراء البريطاني يعقد اجتماعا طارئا لبحث مسار السلام في غزة    ياسر إدريس أول مصري يفوز بمنصب نائب رئيس الاتحاد الدولي للألعاب المائية    رئيس اتحاد طنجة: عبد الحميد معالي اختار الانضمام إلى الزمالك عن أندية أوروبا    كريم رمزي يعلق على ستوري عبد القادر.. ويفجر مفاجأة بشأن موقف الزمالك    ثنائي المصري أحمد وهب وأحمد شرف ضمن معسكر منتخب الشباب استعدادًا لبطولة كأس العالم بشيلي    سودانيان ومصري، حبس تشكيل عصابي بتهمة سرقة عدادات المياه بمدينة نصر    "حرارة مرتفعة ورطوبة خانقة".. الأرصاد تكشف عن تفاصيل طقس الثلاثاء    موعد عرض مسلسل حرب الجبالي الحلقة الأخيرة    رانيا فريد شوقي تواسي المخرج خالد جلال في وفاة شقيقه    حصاد 13 يوما، «100 يوم صحة» تقدم 19 مليون و253 ألف خدمة طبية مجانية    قافلة طبية لجامعة جنوب الوادي تفحص 939 مواطن بمركز الوقف في قنا    تفاصيل القبض على رمضان صبحي في مطار القاهرة (إنفوجراف)    بفرمان من ريبيرو.. الأهلي يتراجع عن صفقته الجديدة.. شوبير يكشف    مصرع 30 شخصًا في العاصمة الصينية بكين جراء الأمطار الغزيرة    عاجل- قافلة "زاد العزة" تنطلق من مصر صوب غزة عبر كرم أبو سالم: مساعدات عاجلة وغذاء يكفي لآلاف الأسر    ضياء رشوان: الأصوات المشككة لن تسكت.. والرئيس السيسي قال ما لم يقله أحد من الزعماء العرب    «رجب»: احترام العقود والمراكز القانونية أساس بناء الثقة مع المستثمرين    رسميًا.. موعد بداية العام الدراسي الجديد 2026 بالمدارس الرسمية والدولية والجامعات    سفير تركيا: خريجو مدرسة السويدي للتكنولوجيا يكتسبون مهارات قيّمة    وصول قطار الأشقاء السودانيين إلى محطة السد العالى بأسوان.. صور    المرحلة الأولي 2025 أدبي.. مؤشرات تنسيق الثانوية العامة (الألسن 84.26%)    يوسف معاطي: «سمير غانم بيضحك ودمه خفيف أكتر من عادل إمام»    ماجدة الرومي تتصدر تريند جوجل بعد ظهورها المؤثر في جنازة زياد الرحباني: حضور مُبكٍ وموقف تاريخي    من «ظلمة» حطام غزة إلى «نور» العلم فى مصر    عطلة 10 أيام للموظفين.. هل هناك إجازات رسمية في شهر أغسطس 2025؟    تشييع جثماني طبيبين من الشرقية لقيا مصرعهما في حادث بالقاهرة    مرشح الجبهة الوطنية: تمكين الشباب رسالة ثقة من القيادة السياسية    تحت عنوان «إتقان العمل».. أوقاف قنا تعقد 126 قافلة دعوية    وزير الخارجية: العالم يصمت عن الحق في قطاع غزة صمت الأموات وإسرائيل تغتال الأطفال بشكل يومي    نشرة التوك شو| الوطنية للانتخابات تعلن جاهزيتها لانتخابات الشيوخ وحقيقة فرض رسوم على الهواتف بأثر رجعي    وزير الثقافة يشهد العرض المسرحي «حواديت» على مسرح سيد درويش بالإسكندرية    لا تليق بمسيرتي.. سميرة صدقي تكشف سبب رفضها لبعض الأدوار في الدراما    بدء اختبارات مشروع تنمية المواهب بالتعاون بين الاتحادين الدولي والمصري لكرة القدم    السيطرة على حريق بمولدات كهرباء بالوادي الجديد.. والمحافظة: عودة الخدمة في أقرب وقت- صور    «النادي ممكن يتقفل».. رسائل نارية من نصر أبوالحسن لجماهير الإسماعيلي    تشييع جثمانى طبيبين من الشرقية لقيا مصرعهما فى حادث على الدائرى.. صور    قرار مفاجئ من أحمد عبدالقادر بشأن مسيرته مع الأهلي.. إعلامي يكشف التفاصيل    صراع على السلطة في مكان العمل.. حظ برج الدلو اليوم 29 يوليو    محافظ سوهاج يوجه بتوفير فرصة عمل لسيدة كفيفة بقرية الصلعا تحفظ القرآن بأحكامه    في عامها الدراسي الأول.. جامعة الفيوم الأهلية تعلن المصروفات الدراسية للعام الجامعي 2025/2026    جوتيريش: حل الدولتين أصبح الآن أبعد من أي وقت مضى    لها مفعول السحر.. رشة «سماق» على السلطة يوميًا تقضي على التهاب المفاصل وتخفض الكوليسترول.    للحماية من التهاب المرارة.. تعرف على علامات حصوات المرارة المبكرة    بدون تكلفة ومواد ضارة.. أفضل وصفة طبيعية لتبييض الأسنان    مي كساب بإطلالة جديدة باللون الأصفر.. تصميم جذاب يبرز قوامها    ما الوقت المناسب بين الأذان والإقامة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل "الماكياج" عذر يبيح التيمم للنساء؟.. أمينة الفتوى تُجيب    إلقاء بقايا الطعام في القمامة.. هل يجوز شرعًا؟ دار الإفتاء توضح    أحمد الرخ: تغييب العقل بالمخدرات والمسكرات جريمة شرعية ومفتاح لكل الشرور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليلة فى (دكان) أفريقى
نشر في الشروق الجديد يوم 07 - 07 - 2009

قرأت خبرا نشرته الصحف فى يوم من أيام الأسبوع الماضى عن سقوط طائرة فى البحر قرب مطار مورونى عاصمة جزر القمر. تألمت ولكنى رغم صدق مشاعر الألم لم أتمكن من إخفاء ملامح ابتسامة مترددة ظهرت على وجهى. سرحت بى الذكريات بعيدا بعيدا فى الزمان وبعيدا فى المكان.
كانت ليلة حارة وشديدة الرطوبة وكنت على وشك الانتهاء من جمع متعلقاتى الورقية ولملمة الملابس التى استعملتها خلال اليومين الأخيرين وترتيب حقيبة السفر استعدادا للرحيل عندما رن الهاتف لأسمع شخصا يتحدث قليلا من الإنجليزية وكثيرا من الفرنسية يبلغنى أن طائرتى لن تقلع فى موعدها وأنه سيتصل فى وقت آخر لينقل لى معلومات عن الموعد الجديد.
كانت الليلتان السابقتان كافيتين لأعرف أن مورونى مدينة تنام مبكرا، وأن من لا ينام فيها مبكرا يندم ندما شديدا لأنه سيتعذب بالرطوبة والملل عذابا أليما. عرفت أيضا أن الفندق الذى أقيم فيه لا يقدم أى خدمات من أى نوع لأى نزيل بعد تقديم وجبة العشاء وحتى صباح اليوم التالى.
وبالمناسبة لم أكن أنا الذى اختار هذا الفندق لأنزل فيه، بل اختارته لنا حكومة جزر القمر باعتباره الفندق الوحيد فى العاصمة وربما فى الجزر الأربع الذى تسمح إمكاناته بإيواء «أجانب» ففيه مطبخ ومياه جارية لبعض الوقت وتصل إليه الكهرباء بين حين وآخر.
توجهت إلى غرفة رفيق الرحلة أحمل إليه خبر تأجيل موعد إقلاع الطائرة. وجدته فى حال يرثى لها بسبب الرطوبة وحرارة الجو. أبلغته الخبر وبصفته المسئول عن حسابات الرحلة قال إن ليلة أخرى فى هذا الفندق التعيس ستأتى حتما على حساب ليليتين على الأقل يجب أن نقضيهما فى دولة أفريقية أخرى حسب برنامج المهمة التى كلفنا بتنفيذها.
كان مقتنعا بأن الفندق يحاسبنا على أساس ما نحمل من دولارات ويتمنى مالكه ألا نترك مورونى ومعنا شىء منها.
وفى بهو (!!) الاستقبال وبعد ساعة أو أكثر من الانتظار أشفق علينا حارس الفندق فتعهد بأن يدلنا على «دكان» على بعد خمسين مترا من الفندق، يجتمع فيه بعض الأجانب، يقصد بعض الفرنسيين.
يحتسون أنواعا وماركات شتى من المشروبات ويرقصون على أنغام تصدر على «جرامافون» يدوى تشحنه وتبدل اسطواناته سيدة وافدة من القارة، أى من إحدى دول الساحل الأفريقى، تعهد كذلك بأن يعود إلينا عندما يبلغه خبرا عن موعد إقلاع الطائرة.
تركنا حقائبنا فى البهو (!!) وذهبنا مع الحارس الذى أرشدنا إلى المكان وأفل راجعا إلى الفندق. دلفنا إلى «الدكان» وكان معتما باستثناء شعاع خافت يتسرب من ثقب فى أقصى الطرف الآخر من الدكان وشمعتين لا حياة بادية فى شعلتيهما حيث لا هواء ولا أنفاس تحركهما.
استقبلتنا سيدة بأرداف عريضة وصدر عال يتناسب وأردافها وإلى جانبها شاب فى العشرين من عمره ممشوق القوام أسمر البشرة وناعم الشعر وأنيق الملبس، كان هو الذى بدأ الحديث مرحبا بنا.
لم نفاجأ بأنه يعرف أسماءنا وجنسياتنا، فمورونى بأسرها علمت بوصولنا حين خرج من أهلها خمسة آلاف شخص لاستقبالنا فى المطار يوم وصولنا، ثم إن الصحيفة الصادرة بالفرنسية وهى الوحيدة فى الدولة، نشرت صورا لنا مع رئيس الجمهورية ثم مع الوزراء عندما قرروا عقد مجلسهم ضيوفا علينا فى الفندق الذى نقيم فيه. لم يعرفنا الشاب بنفسه ولم يثقل علينا بالجلوس معنا ولكنه كان حريصا على أن نقضى وقتا يراه ممتعا، فلا نضجر ولا نمل ولا نشكو.
وبعد قليل من وصولنا وصلت ثلة من الفتيات كان واضحا من ملبسهن وأناقتهن أنهن لسن من أهل جزر القمر وانضممن على الفور إلى المائدتين اللتين كان يحتلهما الرجال الفرنسيون.
عرفنا خلال السهرة أن واحدا من هؤلاء الفرنسيين يعمل فى حقل التصدير، ويتخصص فى تصدير نوع من الزهور لا تصنع الروائح العطرية الفرنسية بدونه، وفهمنا أن الباقين يعملون لحساب شركة من شركات الأمن الخاص.
وبدا لنا أن وجود هذه الجماعة فى مورونى فى ذلك الوقت أمر منطقى خاصة أننا كنا نعرف أن رئيس الجمهورية تسلم السلطة قبل وصولنا إلى مورونى بأيام قليلة عن طريق انقلاب عسكرى!(انقلاب عسكرى فى دولة لا يوجد فيها رجال شرطة مسلحون أو جيش وطنى).
التهينا برقص الأجانب مع الأفريقيات وبالموسيقى القديمة وبروح المرح والفكاهة التى هيمنت على المكان. ومارسنا، صاحبى وأنا، بمهنية لا بأس بها أساليب علماء الأنثربولوجيا زاعمين لأنفسنا بأننا ندرس على الطبيعة سلوكيات «الأهالى» لنزداد معرفة بالمكان والناس. لم يكن الساهرون من «الأهالى» ولم نكن من العلماء ولكنها مقتضيات التبرير.
كان الشاب الوسيم ذو الشعر الناعم والجسم الممشوق نجم السهرة بلا منازع. غنّى للجميع ورقص مع الساهرات وشرب أكثر من كل ما شرب الشاربون. قال رفيقى بعد ساعتين أو ثلاث «دعنا نروح من هنا قبل أن نرى هذا الشاب يسلك سلوك السكارى فيحطم ويعتدى. قلت بل دعنا ننتظر وأراهنك أنه لن يفعل ما تقول.
عاد رفيقى يصر على أن الشاب بدأ بالفعل يترنح. قلت «كلا إنه يتمايل مع الموسيقى ويتجمل للفتيات». قضينا الليل، رفيقى وأنا، نقيس حالات سكر الحاضرات والحاضرين ونقوّم أداء الراقصات والراقصين وتناغم رقصهم مع الموسيقى ونحاول رغم حشرجة الفونوغراف التقاط ما يمكن التقاطه من أسرار عن الانقلاب يتبادلها مغامرون عسكريون.
أظن أنه لولا وجود الشاب الراقص دائما والمتنقل طوال الليل بين الموالد يلقى بالنكات ويشارك فى المشروبات ويداعب النساء ويساعد صاحبة «الدكان» ما بقينا حتى بشائر الفجر عندما جاء حارس الفندق وينحنى نحو أذنى لينقل إلى مسامعى الأمر الصادر بإقلاع الطائرة بعد ساعة.
ودعنا رفاق ورفيقات السهر والسمر ودفعنا الحساب وجاء الشاب الأسمر يشد على أيدينا مودعا بحرارة شديدة متمنيا لنا رحلة سعيدة وآمنة وإلى الشارع الضيق خرجنا عائدين إلى الفندق، وصاحبى يصر على أن يد الشاب التى شدت على أيدينا كانت ترتعش وكلماته كانت متعثرة وأنه بالتأكيد شرب حتى كاد يفقد الوعى.
كان فى استقبالنا بالمطار موظف يتثاءب بكثرة إلى حد دفع بالنعاس إلى جفوننا إلى بعد ليلة قضيناها نتحداه ونطارده. أنهى وهو يتثاءب إجراءات السفر ثم حمل حقائبنا بعد أن أغلق بالمفتاح مكتب الشركة وقادنا إلى خارج مبنى المطار وصعد بنا وبحقائبنا إلى الطائرة ونظرنا حولنا وعندها فهمنا أننا كل الركاب.
جلسنا فى مقعدينا نغالب النعاس ويبدو أنه تغلب علينا فى دقائق معدودة فلم نشعر بالطائرة تتحرك وتقلع. أفقنا على صوت خشن يدعونا إلى شرب القهوة. فتحت عينى بصعوبة ورأيت أمامى الباب الفاصل بين كابينة الركاب وكابينة القيادة مفتوحا وبدا واضحا أن الطائرة حلقت بالفعل وصارت فوق السحاب وظهرت لى كابينة القيادة وقد خلت من الطيار وضابط الملاحة.
وإلى جانبى وفى الممر وقف رجل يحمل صينية القهوة ويرتدى زى الطيارين وعلى وجهه ابتسامة ترحيب تلمح إلى أن صاحب هذا الوجه يعرفنا جيدا.
تأملنا فى الابتسامة ثم دققنا النظر فى الوجه وتأكدنا أن هذا الطيار الأنيق الذى يقف إلى جانبى يدعونا إلى شرب القهوة هو نفسه رفيق سهرة «الدكان».. الشاب الأسمر ممشوق القوام المترنح أحيانا والمرتعشة يداه أحيانا أخرى بتأثير الخمر التى قضى زهاء خمس ساعات فى شربها.
لم ينتظر رد التحية من جانبنا وابتسم وغادرنا بعد أن ترك فى أيدينا القهوة وعاد إلى مكانه فى قمره القيادة. وعند الباب الفاصل استدار ليلقى بكلمات تمنى لنا بها رحلة سعيدة وداعيا بألا نتردد فى طلب أى خدمة أو الاستفسار عن أى شىء.
لم نطلب شيئا أو نستفسر عن أمر ولم ننطق بحرف واحد خلال رحلة الساعتين بين مورونى فى عرض المحيط وتاناريف على الساحل الأفريقى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.