جاب الطالبات من الشارع.. محافظ بورسعيد يحيل مديرة مدرسة إلى النيابة    ندوة عن"المواطنة والهوية" بمركز شباب الشهيد فرج فضل مبروك في الفيوم    فرحة أهالي طلاب كلية العلوم جامعة حلوان في حفل تخرجهم    أسعار الأسماك بسوق العبور اليوم الثلاثاء 23 سبتمبر 2025    أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 23 سبتمبر 2025    أسعار مواد البناء اليوم الثلاثاء 23 سبتمبر 2025    من القاهرة إلى نيويورك.. الاعتراف الدولي بفلسطين تتويج لجهود الدبلوماسية المصرية    إندونيسيا والاتحاد الأوروبي يتوصلان إلى اتفاقية تجارة حرة    ما بين ترحيب ومعارضة.. تباين ردود أفعال الأحزاب السياسية الفرنسية بعد اعتراف باريس بدولة فلسطين    إسبانيا تهدد بالرد على أي عمل إسرائيلي ضد أسطول الحرية    أوكرانيا: مقتل أو إصابة 1010 من العسكريين الروس خلال 24 ساعة    مواجهات نارية اليوم في الدوري المصري.. الأهلي يلاقي حرس الحدود والزمالك يصطدم بالجونة    مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 23 سبتمبر والقنوات الناقلة    اليوم.. طقس حار نهارا معتدل ليلا والعظمي بالقاهرة 32 درجة    جميعهم من أسرة واحدة.. مصرع 3 أشخاص إثر انقلاب سيارة في البحيرة    سيولة في شوارع ومحاور القاهرة وسط تواجد أمني مكثف لضبط المرور    من كفر الشيخ إلى مجد الدراما.. حكاية صداقة أسامة أنور عكاشة وإسماعيل عبد الحافظ    حكم لبس الحظاظة في الإسلام.. دار الإفتاء توضح    لأول مرة.. تشغيل وحدة مناظير المسالك البولية بمستشفى أسوان التخصصي    وزير الصحة يتلقى تقريرا حول متابعة 29 مشروعا صحيا في 12 محافظة    بينهم يسرا وعمرو يوسف وتامر أمين.. تكريم الفنانين والإعلاميين بالدورة ال16 من مهرجان الفضائيات العربية (صور)    بالعلامة الكاملة.. نابولي يتصدر الدوري الإيطالي    حكم فسخ الخطوبة بسبب ترك الصلاة.. دار الإفتاء توضح    نجم المصري السابق: الكوكي أقل من النادي.. والساعي إضافة قوية للفريق    صدمة في أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 23 سبتمبر 2025 في مصر وعالميًا    بكام الفراخ النهارده؟.. أسعار الدواجن والبيض في أسواق وبورصة الشرقية الثلاثاء 23-9-2025    حجز "مستريح السيارات" بحدائق القبة بعد استيلائه على 50 مليون جنيه من المواطنين    «معلومات الوزراء» يستعرض واقع الصناعة الذكية وتطورها محليًّا ودوليًّا    عاجل| رئيسة الجمعية العامة للأمم المتحدة: خطوات لا رجعة عنها نحو حل الدولتين    بعد البيانو.. سميح ساويرس يكشف عن حلمه الجديد: أستعد لإخراج أول أفلامي.. وهذه نصيحي للشباب    محمود حمدان يتألق في مهرجان الفضائيات العربية ويظفر بلقب أفضل مؤلف    صلاح عبد الله يسترجع ذكريات الصداقة مع هشام سليم في ذكراه الثالثة: المهلبية بداية الحكاية    منهم روجينا وصابرين والعوضي، القائمة الكاملة لتكريمات مهرجان الفضائيات العربية (صور)    ميسي يهنئ ديمبيلي بعد الفوز بالكرة الذهبية 2025    رونالدو وفيليكس يقودان النصر أمام جدة في كأس الملك    اعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية.. خطوة تاريخية نحو كسر الجمود السياسي    بكام الطن؟.. سعر الأرز الشعير والأبيض ب أسواق الشرقية اليوم الثلاثاء 23-9-2025    رئيس برشلونة يكشف لحظات التوتر قبل إعلان جائزة أفضل لاعب    داخل منزله.. أول صور ل علاء عبد الفتاح بعد العفو الرئاسي    الداخلية تكشف ملابسات صورة جرافيتي على مبنى محافظة الدقهلية    الاَن توزيع درجات أعمال السنة 2025-2026 لصفوف النقل.. التفاصيل كاملة    نجلاء بدر: تصوير مشهد جريمة القتل في «أزمة ثقة» كان الأصعب    رابط التقديم على أراضي الإسكان الأكثر تميزا (مسكن)    عليك مكافأة نفسك.. حظ برج الجدي اليوم 23 سبتمبر    «ساعدني».. قاضٍ يعترف باستخدام الذكاء الاصطناعي في إصدار حكم قضائي    خرّجت مشاهير.. 16 معلومة عن المدرسة السعيدية بعد فيديوهات الشرطة المدرسية    بدء الدراسة في مراكز «الأسرة والطفولة» بقرى «حياة كريمة» ب9 محافظات    لاعب غزل المحلة يغادر المستشفى بعد الاطمئنان على حالته الصحية    آمنة على أطفالك.. استشاري تغذية يوصي باستخدام «لانش بوكس» من هذا النوع    بعد وصول سعر الكيلو ل25 جنيهًا.. 6 بدائل رخصية ل الطماطم موجودة في كل مطبخ    من أبرز وجوه ثورة يناير ..العفو عن علاء عبد الفتاح.. انفراجة سياسية أم استثناء مفروض بضغوط غربية؟    الاعتداء على باسم عودة وتدوير "أبو الفتوح" ونائبه بالتزامن مع قرار العفو عن "عبدالفتاح"    منتخب الشباب يفوز على نيو كاليدونيا بثلاثية استعدادا للمونديال    مستشفى مبرة المعادي ينجح في علاج ثقب بالقلب باستخدام تقنية التدخل المحدود    مصرع 3 عناصر إجرامية في مداهمة أمنية بالبحيرة    ما هي صلاة الغفلة وكيفية أدائها؟.. أمينة الفتوى تجيب (قيديو)    البحوث الإسلامية: الأمة الإسلامية في حاجة ماسة إلى تجديد الصلة بالنبي    من هم ال70 ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب؟.. الشيخ رمضان عبد المعز يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليلة فى (دكان) أفريقى
نشر في الشروق الجديد يوم 07 - 07 - 2009

قرأت خبرا نشرته الصحف فى يوم من أيام الأسبوع الماضى عن سقوط طائرة فى البحر قرب مطار مورونى عاصمة جزر القمر. تألمت ولكنى رغم صدق مشاعر الألم لم أتمكن من إخفاء ملامح ابتسامة مترددة ظهرت على وجهى. سرحت بى الذكريات بعيدا بعيدا فى الزمان وبعيدا فى المكان.
كانت ليلة حارة وشديدة الرطوبة وكنت على وشك الانتهاء من جمع متعلقاتى الورقية ولملمة الملابس التى استعملتها خلال اليومين الأخيرين وترتيب حقيبة السفر استعدادا للرحيل عندما رن الهاتف لأسمع شخصا يتحدث قليلا من الإنجليزية وكثيرا من الفرنسية يبلغنى أن طائرتى لن تقلع فى موعدها وأنه سيتصل فى وقت آخر لينقل لى معلومات عن الموعد الجديد.
كانت الليلتان السابقتان كافيتين لأعرف أن مورونى مدينة تنام مبكرا، وأن من لا ينام فيها مبكرا يندم ندما شديدا لأنه سيتعذب بالرطوبة والملل عذابا أليما. عرفت أيضا أن الفندق الذى أقيم فيه لا يقدم أى خدمات من أى نوع لأى نزيل بعد تقديم وجبة العشاء وحتى صباح اليوم التالى.
وبالمناسبة لم أكن أنا الذى اختار هذا الفندق لأنزل فيه، بل اختارته لنا حكومة جزر القمر باعتباره الفندق الوحيد فى العاصمة وربما فى الجزر الأربع الذى تسمح إمكاناته بإيواء «أجانب» ففيه مطبخ ومياه جارية لبعض الوقت وتصل إليه الكهرباء بين حين وآخر.
توجهت إلى غرفة رفيق الرحلة أحمل إليه خبر تأجيل موعد إقلاع الطائرة. وجدته فى حال يرثى لها بسبب الرطوبة وحرارة الجو. أبلغته الخبر وبصفته المسئول عن حسابات الرحلة قال إن ليلة أخرى فى هذا الفندق التعيس ستأتى حتما على حساب ليليتين على الأقل يجب أن نقضيهما فى دولة أفريقية أخرى حسب برنامج المهمة التى كلفنا بتنفيذها.
كان مقتنعا بأن الفندق يحاسبنا على أساس ما نحمل من دولارات ويتمنى مالكه ألا نترك مورونى ومعنا شىء منها.
وفى بهو (!!) الاستقبال وبعد ساعة أو أكثر من الانتظار أشفق علينا حارس الفندق فتعهد بأن يدلنا على «دكان» على بعد خمسين مترا من الفندق، يجتمع فيه بعض الأجانب، يقصد بعض الفرنسيين.
يحتسون أنواعا وماركات شتى من المشروبات ويرقصون على أنغام تصدر على «جرامافون» يدوى تشحنه وتبدل اسطواناته سيدة وافدة من القارة، أى من إحدى دول الساحل الأفريقى، تعهد كذلك بأن يعود إلينا عندما يبلغه خبرا عن موعد إقلاع الطائرة.
تركنا حقائبنا فى البهو (!!) وذهبنا مع الحارس الذى أرشدنا إلى المكان وأفل راجعا إلى الفندق. دلفنا إلى «الدكان» وكان معتما باستثناء شعاع خافت يتسرب من ثقب فى أقصى الطرف الآخر من الدكان وشمعتين لا حياة بادية فى شعلتيهما حيث لا هواء ولا أنفاس تحركهما.
استقبلتنا سيدة بأرداف عريضة وصدر عال يتناسب وأردافها وإلى جانبها شاب فى العشرين من عمره ممشوق القوام أسمر البشرة وناعم الشعر وأنيق الملبس، كان هو الذى بدأ الحديث مرحبا بنا.
لم نفاجأ بأنه يعرف أسماءنا وجنسياتنا، فمورونى بأسرها علمت بوصولنا حين خرج من أهلها خمسة آلاف شخص لاستقبالنا فى المطار يوم وصولنا، ثم إن الصحيفة الصادرة بالفرنسية وهى الوحيدة فى الدولة، نشرت صورا لنا مع رئيس الجمهورية ثم مع الوزراء عندما قرروا عقد مجلسهم ضيوفا علينا فى الفندق الذى نقيم فيه. لم يعرفنا الشاب بنفسه ولم يثقل علينا بالجلوس معنا ولكنه كان حريصا على أن نقضى وقتا يراه ممتعا، فلا نضجر ولا نمل ولا نشكو.
وبعد قليل من وصولنا وصلت ثلة من الفتيات كان واضحا من ملبسهن وأناقتهن أنهن لسن من أهل جزر القمر وانضممن على الفور إلى المائدتين اللتين كان يحتلهما الرجال الفرنسيون.
عرفنا خلال السهرة أن واحدا من هؤلاء الفرنسيين يعمل فى حقل التصدير، ويتخصص فى تصدير نوع من الزهور لا تصنع الروائح العطرية الفرنسية بدونه، وفهمنا أن الباقين يعملون لحساب شركة من شركات الأمن الخاص.
وبدا لنا أن وجود هذه الجماعة فى مورونى فى ذلك الوقت أمر منطقى خاصة أننا كنا نعرف أن رئيس الجمهورية تسلم السلطة قبل وصولنا إلى مورونى بأيام قليلة عن طريق انقلاب عسكرى!(انقلاب عسكرى فى دولة لا يوجد فيها رجال شرطة مسلحون أو جيش وطنى).
التهينا برقص الأجانب مع الأفريقيات وبالموسيقى القديمة وبروح المرح والفكاهة التى هيمنت على المكان. ومارسنا، صاحبى وأنا، بمهنية لا بأس بها أساليب علماء الأنثربولوجيا زاعمين لأنفسنا بأننا ندرس على الطبيعة سلوكيات «الأهالى» لنزداد معرفة بالمكان والناس. لم يكن الساهرون من «الأهالى» ولم نكن من العلماء ولكنها مقتضيات التبرير.
كان الشاب الوسيم ذو الشعر الناعم والجسم الممشوق نجم السهرة بلا منازع. غنّى للجميع ورقص مع الساهرات وشرب أكثر من كل ما شرب الشاربون. قال رفيقى بعد ساعتين أو ثلاث «دعنا نروح من هنا قبل أن نرى هذا الشاب يسلك سلوك السكارى فيحطم ويعتدى. قلت بل دعنا ننتظر وأراهنك أنه لن يفعل ما تقول.
عاد رفيقى يصر على أن الشاب بدأ بالفعل يترنح. قلت «كلا إنه يتمايل مع الموسيقى ويتجمل للفتيات». قضينا الليل، رفيقى وأنا، نقيس حالات سكر الحاضرات والحاضرين ونقوّم أداء الراقصات والراقصين وتناغم رقصهم مع الموسيقى ونحاول رغم حشرجة الفونوغراف التقاط ما يمكن التقاطه من أسرار عن الانقلاب يتبادلها مغامرون عسكريون.
أظن أنه لولا وجود الشاب الراقص دائما والمتنقل طوال الليل بين الموالد يلقى بالنكات ويشارك فى المشروبات ويداعب النساء ويساعد صاحبة «الدكان» ما بقينا حتى بشائر الفجر عندما جاء حارس الفندق وينحنى نحو أذنى لينقل إلى مسامعى الأمر الصادر بإقلاع الطائرة بعد ساعة.
ودعنا رفاق ورفيقات السهر والسمر ودفعنا الحساب وجاء الشاب الأسمر يشد على أيدينا مودعا بحرارة شديدة متمنيا لنا رحلة سعيدة وآمنة وإلى الشارع الضيق خرجنا عائدين إلى الفندق، وصاحبى يصر على أن يد الشاب التى شدت على أيدينا كانت ترتعش وكلماته كانت متعثرة وأنه بالتأكيد شرب حتى كاد يفقد الوعى.
كان فى استقبالنا بالمطار موظف يتثاءب بكثرة إلى حد دفع بالنعاس إلى جفوننا إلى بعد ليلة قضيناها نتحداه ونطارده. أنهى وهو يتثاءب إجراءات السفر ثم حمل حقائبنا بعد أن أغلق بالمفتاح مكتب الشركة وقادنا إلى خارج مبنى المطار وصعد بنا وبحقائبنا إلى الطائرة ونظرنا حولنا وعندها فهمنا أننا كل الركاب.
جلسنا فى مقعدينا نغالب النعاس ويبدو أنه تغلب علينا فى دقائق معدودة فلم نشعر بالطائرة تتحرك وتقلع. أفقنا على صوت خشن يدعونا إلى شرب القهوة. فتحت عينى بصعوبة ورأيت أمامى الباب الفاصل بين كابينة الركاب وكابينة القيادة مفتوحا وبدا واضحا أن الطائرة حلقت بالفعل وصارت فوق السحاب وظهرت لى كابينة القيادة وقد خلت من الطيار وضابط الملاحة.
وإلى جانبى وفى الممر وقف رجل يحمل صينية القهوة ويرتدى زى الطيارين وعلى وجهه ابتسامة ترحيب تلمح إلى أن صاحب هذا الوجه يعرفنا جيدا.
تأملنا فى الابتسامة ثم دققنا النظر فى الوجه وتأكدنا أن هذا الطيار الأنيق الذى يقف إلى جانبى يدعونا إلى شرب القهوة هو نفسه رفيق سهرة «الدكان».. الشاب الأسمر ممشوق القوام المترنح أحيانا والمرتعشة يداه أحيانا أخرى بتأثير الخمر التى قضى زهاء خمس ساعات فى شربها.
لم ينتظر رد التحية من جانبنا وابتسم وغادرنا بعد أن ترك فى أيدينا القهوة وعاد إلى مكانه فى قمره القيادة. وعند الباب الفاصل استدار ليلقى بكلمات تمنى لنا بها رحلة سعيدة وداعيا بألا نتردد فى طلب أى خدمة أو الاستفسار عن أى شىء.
لم نطلب شيئا أو نستفسر عن أمر ولم ننطق بحرف واحد خلال رحلة الساعتين بين مورونى فى عرض المحيط وتاناريف على الساحل الأفريقى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.