صدق رئيس الجمهورية على قانون الصكوك بعد إقراره فى مجلس الشورى بهدف تنمية سوق التمويل الإسلامى وخلق أدوات جديدة لتمويل الانفاق العام. وبموجب القانون الجديد تنوى الحكومة طرح صكوك سيادية وهى أدوات دين كسندات وأذون الخزانة التى تصدرها وزارة المالية دوريا لكن بالتوافق مع الشريعة الإسلامية. وستستخدم حصيلة الصكوك فى تمويل عجز الموازنة المتوقع ب 9.5% فى موازنة 2013/2014 المتفائلة نسبيا والمنشورة فى أبريل الماضى. لكن ما يعيب التحليلات المتداولة عن موضوع الصكوك هو التركيز على الجوانب القانونية مثل تحديد ونقل ملكية الأصول التى يصدر بضمانها الصك على حساب الجوانب الاقتصادية مثل تقدير حجم الطلب المتوقع على الصكوك المصرية وتقييم مميزاتها النسبية إن وجدت مقارنة بأدوات التمويل الأخرى وهى الجوانب الأولى بالنقاش فى ضوء حاجة البلاد إلى مصادر تمويل عاجلة ومؤثرة لمواجهة الأزمة المالية الأسوأ على مصر منذ ثمانينيات القرن الماضى. ●●●
وهنا لابد من الاتفاق على معايير واضحة لتقييم أدوات تمويل الدين العام المختلفة سواء كانت سندات أو قروضا أو منحا أو صكوكا. وتتمثل المعايير المقترحة أولا فى رفع قدرة الدولة على الاقتراض كمًّا وكيفًا، وثانيا تخفيض تكلفة الاستدانة وثالثا مد متوسط عمر الدين العام لآجال بعيدة. فهل تلبى الصكوك الاسلامية هذه المعايير؟ وهل يساهم طرحها فى علاج أزمة مصر المالية من عدمه؟
والمعيار الأول فى تقييم أدوات تمويل الدين العام هو مساهمتها فى رفع قدرة الدولة على الاقتراض كميا ونوعيا وذلك لسد الفجوة التمويلية التى تقدر ب 10 15 مليار دولار فى 2013/2014 حسب طبيعة الإجراءات الاقتصادية التى سيتم تنفيذها. ويسوق الداعمون لفكرة الصكوك حجة مفادها أن مصر تستطيع تغطية فجوتها التمويلية بالاعتماد على الصكوك بسبب نمو سوق التمويل الاسلامى والمتمثل فى صناديق الاستثمار الشرعية فى آسيا والخليج مما حدا بإجمالى إصدارات الصكوك العالمية لنحو 140 مليار دولار فى 2012 حسب موقع «زاوية» الإخبارى المتخصص. كما تبشر رموز الحزب الحاكم الشعب بعشرات المليارات فى انتظار الخزانة العامة فى حالة طرحها لصكوك متوافقة مع الشريعة. ورغم النمو المطرد فى سوق الصكوك الإسلامية فإن تقديرات الطلب المتوقع على الإصدار المصرى لا تعدو كونها تمنيات لا تستند إلى عروض شراء جادة كما أن مشترى الصكوك السيادية من صناديق استثمار وبنوك إسلامية لا يشاركون إلا فى طروحات ذات تقييم ائتمانى مرتفع فى درجة الاستثمار investment grade بهدف تقليص المخاطر بدليل تركز الإصدارات على دول ذات تقييم ائتمانى مرتفع مثل ماليزيا وإندونيسيا والسعودية والإمارات ذوى التقييم الأعلى من مصر ب6 درجات على الأقل. وليس ثمة دليل من واقع طروحات الصكوك السيادية من قطر وتركيا وغيرها فى 2012 على تحول المستثمرين الاسلاميين إلى المشاركة فى طروحات ذات تقييم منخفض كالذى تحمله مصر CCC+/Caa1 والبعيد تماما عن درجة الاستثمار المطلوبة لنجاح الطروحات.
كما أن معيار القدرة على الاقتراض له بعد نوعى يتمثل فى قدرة الصكوك على توسيع قاعدة المستثمرين فى أدوات الدين المصرى بهدف تقليل خطر تركز ديوننا فى أيادى أطراف محدودة. ومن حيث التنوع الجغرافى فقد فشلت الصكوك السيادية الصادرة من دول المنطقة ذات التقييم الائتمانى الأقرب إلى مصر مثل صك البحرين فى نوفمبر 2011 وصك تركيا فى سبتمبر 2012 فى جذب الصناديق الآسيوية الشرعية التى لم تتعد مشاركتها حوالى 12 % فى كلا الطرحين. كما أن صناديق الخليج الاسلامية لم تلعب دورا مؤثرا فى الطرحين السابقين إذ لم تغط الصناديق السعودية أكثر من 20 % من كلا الطرحين رغم عمق العلاقات السياسية والتجارية بين السعودية وكلا البلدين.
أما إذا اتجهت الحكومة إلى توسيع قاعدة المستثمرين محليا فليس من المتوقع تغطية الطرح بسبب صغر حجم البنوك الإسلامية التى تستحوذ على نحو 5% فقط من أصول الجهاز المصرفى. كما لا يمكن الاعتماد على مشاركة المستثمرين الأفراد فى طروحات الصكوك بسبب ميل معظم المصريين إلى وسائل الاستثمار التقليدية مثل العقارات والذهب وشهادات الاستثمار.
ويعد المعيار الثانى فى تقييم أدوات الدين العام هو تقليل تكلفة الاقتراض الأمر الذى لا تتيحه الصكوك بسبب غياب سوق ثانوية نشطة للتداول على غرار أسواق السندات والأسهم. كما ثبت بمتابعة أداء الصكوك الخليجية أن الميزة السعرية للصكوك فوق السندات لا تتعدى 0.3% وهى لا تذكر بسبب ارتفاع تكاليف الطرح من أتعاب المستشارين الماليين والقانونيين علاوة على تكلفة الفتوى الشرعية التى يتقاضاها العلماء وتصل إلى 100 200 ألف دولار أمريكى فى الطرح الواحد. لذا تتحول عملية إصدار الصكوك إلى عبء على موازنة الدولة بل وتثير شبهة إهدار المال العام فى ظل ارتفاع تكاليف الإصدار نظير الاستشارات والفتاوى.
أما المعيار الثالث فهو قدرة الصكوك على توفير مصادر تمويل طويلة الأجل وبالتالى رفع متوسط عمر الدين العام بهدف تقليل مخاطر الإفلاس. وهذه نقطة الضعف الأبرز للصكوك إذ تنحصر آجالها فى المديين القصير والمتوسط حتى 7 سنوات بينما يضعف إقبال المستثمرين الإسلاميين على الآجال الطويلة لارتفاع مخاطرها. وقد شهدت السوق استثناءات قليلة بقيام دولة قطر وإمارة دبى وشركة الكهرباء السعودية بإصدار سندات عشرية. لكن بخلاف ذلك لا تتيح سوق الصكوك تمويلا طويل الأجل لتنفيذ مشروعات التنمية ذات العائد الإجتماعى الأعلى.
●●●
لذا فالصكوك لا تقدم إضافة حقيقية إلى الاقتصاد الوطنى لا بتحسين قدرة الدولة على الاقتراض كما وكيفا ولا بتخفيض تكلفة الاستدانة ولا بخلق مصادر تمويل طويلة الأجل. كما أن هناك مقوما أساسيا غائبا لنجاح طرح الصكوك وهو استعادة تقييم ائتمانى عال ومستقر بعد هبوط تقييم مصر إلى مستوى طارد لصناديق الاستثمار الإسلامية وقريب من الإفلاس. وإذا كانت الجدوى الاقتصادية للصكوك محل شك فلما لا تستنفد الحكومة أدوات التمويل التقليدية على أن تطرح أدوات جديدة كالصكوك وغيرها فى مناخ سياسى واقتصادى أكثر استقرارا؟ أما الاندفاع فى طرح الصكوك دون وجود مزايا نسبية لها أو توافر المقومات اللازمة لنجاحها فينذر بفشل جديد يعقد من أزمتنا المالية ويضيف إلى رصيد التخبط والعشوائية فى أداء الحكومة.