أمام شاشات الكمبيوتر، كانت الصحفية السويدية ميا جروندال تجلس فى الدور الثالث بنقابة الصحفيين المصريين مع فريق من الشباب المصرى. كانوا يختارون صور الجرافيتى لمشروعها القادم «ست الحيطة». ميا، الكاتبة والمصور ة السويدية، ترصد جميع رسومات الجرافيتى فى مصر منذ اليوم الأول للثورة، ونشرت كتابى «جرافيتى الثورة.. فن الشارع فى مصر الجديدة»، فى صيف 2012.
ولكن عمل ميا التى تعيش فى مصر منذ 13 عاما، لا ينتهى، «بل اننى اسير وراء الجرافيتى واوثقه وأضع جميع الصور التى ألتقطها على صفحة فيسبوك باسم «ثورة الجرافيتى، فن الشوارع من مصر الجديدة»، Revolution Graffiti - Street Art of the New Egypt.
تتوقف ميا قليلا لتتحدث مع زميلتها فى مشروعها الجديد الذى يرصد المرأة المصرية فى الجرافيتى. كانت ميا تشرح الصور التى تفضل اجراء تعديلات عليها، ثم تتابع حوارها مع «الشروق». «الجرافيتى لم يكن هدفى بل كنت أرصد كل ما يحدث فى الثورة منذ اليوم الأول، ثم بعد أسابيع لاحظت نمو هذا الفن وبعد شهور اصبح واضحا انه يلعب دورا مهما فى التغيير فى مصر».
حددت ميا، 62 عاما، هدفها وهو عدم التركيز على الجرافيتى الموجود فى التحرير فقط، «ذهبت إلى جميع المحافظات والأحياء، من الاسكندرية للسويس والأقصر».
عمل ميا لم يكن سهلا، «بعض المصريين كانوا يقولون لى انت خواجاية، ليه تصورى مصر، وهو ما حاولت ان اشرحه للناس اننى لست عدوتهم، صحيح انا مش مصرية ولكنى اشعر بانى جزء من مصر». ضم كتاب ميا الصادر باللغة الانجليزية 430 لقطة ملونة، ويباع فى المركز الصحفى بالجامعة الامريكية بالقاهرة، لكن إجمالى ما صورته «حوالى 20 الف صورة، جميعها على الفيسبوك».
فى الكتاب الذى ضم 33 فصلا، وثقت ميا جدران موقعة الجمل، وأحداث محمد محمود، إلى جانب ظاهرة قنص العيون. فى رحلة ميا مع التوثيق، لم تكتفى بالتقاط الصور، حيث
التقت ببعض رسامى الجرافيتى المصريين، أبرزهم علاء عواد وعمار أبوبكر، اللذان جاءا من الأقصر، وآخرين مثل هناء الدغام وميرنا توماس وغيرهما، والذين لم يعلنوا عن أسمائهم الحقيقية على رسوماتهم وحملوا أسماء فنية مثل زفت وجنزير والفيل والتنين، بحسب ما جاء فى الكتاب.
كان هناك أوقات يصعب فيها التوثيق، «منها بداية الاشتباكات فى محمد محمود»، وكان هناك أيضا جرافيتى لا تنساه ميا، «رسم فى المنصورة، واعمال الفنان أبوبكر فى محمد محمود التى تلمس المشاعر الانسانية وتحكى تفاعل المواطنين مع قوات الامن». كتاب جرافيتى الثورة، ليس الاول لميا فصدر لها كتاب «جرافيتى غزة.. رسائل الحب والسياسة»، عام 2009، وكتاب «ميدان التحرير.. قلب الثورة المصرية»، عام 2011.
اعتمدت ميا فى تمويل مشروعها على اموالها الخاصة، «ولا افكر فى الاموال بل انتظر إلى اين سيذهب بى الجرافيتى، قد يظهر ناشر كبير، أو عندما يتوفر معى مادة كبيرة قد افتتح معرض». فى تتبع ميا للجرافيتى فى الدول المختلفة، «مصر تتميز بأن لها تاريخا فى الفن، ومنذ الفراعنة تستخدمون الحائط للتعبير، والفنان المصرى متأثر بالتاريخ الفرعونى والقبطى». تتذكر ميا أن مصر كانت شبه خالية من الجرافيتى «إلا من بعض اللافتات المؤيدة للرئيس السابق مبارك، أو إعلانات تجارية، أو تهنئة بالعودة من الحج، لكن بعد الثورة اصبح الجرافيتى هرما جديدا».
العالم الان متحمس للجرافيتى المصرى، كما تقول ميا، «وجميع السائحين الأوروبيين يريدون رؤية الجرافيتى المصرى قبل المعابد والمتاحف».
وتعتب ميا على الحكومة المصرية، «لم تستوعب بعض حجم التطور لهذا الفن واهمية هؤلاء الشباب، الذين يطوفون العالم ويشاركون فى المهرجانات، فهم سفراء لمصر».
أمنية «ميا» ان تخصص الحكومة المصرية متحفا للجرافيتى، «سأهدى وقتها كل اعمالى للمتحف، خاصة أن معظم الصور التى ألتقطها لم تعد موجودة الآن وهى تاريخ مصر»