أخرج اليوم عن السياق النثريّ لمقالى، بمقطعين من قصيدة طويلة، ما زالت مسوّدتها دافئة فى دفترى. القصيدة بعنوان «ورد بلديّ لشارع حزين»، وهى من القاهرة وإليها. بعضها ذكريات أحلى العمر، وكثيرها أمل، وخيبة أمل الثورة. أنحاز إلى الشعر الذى، على الرغم من هشاشة عظامه كعصفور صغير فى قبضة العالم ولا جدواه، شأن مطر خافت على زجاج نافذة مكسورة ومهجورة، يبقى رايتنا الأعلى وصوتنا الأعمق، وملامحنا الصافية فى نهر الحياة، وعيوننا برءوس وأرواح مرفوعة نحو النجوم، وشعلة فى الأعماق لا تخذل ظلالنا، مهما علت أسوار العتمة، وأصوات الغربان الزاعقة.
نادت على الأحلام المنسيّة والسائرين نياما. أيقظتنا على عصافير تنقر العثّ عن ظلالنا.
•••
علت رءوس وضحكات وأعلام. علّق العالم عينيه شمسا وقمرا.
•••
ثمّ سال فى شوارعنا دم، ورسمتُ حمامة تحطّ على رأس بنت سمراء. ثمّ سال فى شوارعنا دم، وشجرة أكثر من أمّهاتنا أحببناها اشتعلت شمعة على شاشة. ثمّ سال دم كثير، ونأيت بنفسى بحضن فارغ من ظلّى.
•••
لفرط الدمع فى الشوارع بين أرواحنا نيل. قارب قمر، نجوم نيلوفر. سمك بلطيّ وسط الخطى. رفرفة نسر محنّط. وجوه بينابيعها، ما من تلويحة ببشاشة حمامة.
•••
على الجسر الذى كنّا وسط قوس نصره نغنّى، مسلّحون بلباس أسود ملتصق بالجلد كجذام، وجثث تُسحل دون ظلالها. على أسطح الأقمار البلاستيكيّة قنّاصون على أكوام من القشّ، وصبية يرجمون الأفق بجلابيب قصيرة.
•••
يأس يتراكم كعمر أمام أعيننا، ولسوء طالعنا فى أطراف معاطفنا أطفال بكّاءون لا يكفّون عن مطالبتنا بإعادتهم إلى ضفّة الماضى على متن مراكب من ورق.
•••
لكنّ الطمى يثقل أحذيتنا بأقدار جذور، والكأس التى فى أيدينا انكسرت أكثر من وطن. آخر الغرقى عصافير عواميد الإنارة، والمؤذّن الذى كملاك مبتسم على مسلّة يفتّت كفّيه ليمام.
•••
لسنا طيورا لنرفرف فوق الطوفان. لا عصاة فى يدى، وما من شجرة صامدة ليتعكّز على زهرة طريق.