يحتفل اليوم العالم بالملكية الفكرية، وقبلها بثلاثة أيام كان يحتفل باليوم العالمى للكتاب، احتفاءً بثربانتس وشكسبير وكبار الكتاب العالميين، إلا أن السؤال الملح يتكرر: لماذا لا يعترف العالم العربى بثقافة حماية الملكية الفكرية؟ حيث القرصنة تنتشر بشكل متوحش، فضلا عن عمليات تزوير واسعة لبعض الأعمال المترجمة إلى العربية، وصدور رواية بثلاثة أسماء، وثلاثة عناوين مختلفة، ورواية أخرى صدرت بعنوانين مختلفين مرة فى بيروت وأخرى بالقاهرة، فضلا عن انتشار واسع للقرصنة على شبكة الإنترنت. منذ اتفاقية برن عام 1886 والعالم كله يطالب بحماية تلك الحقوق، التى تعين المؤلف والناشر. لكن يبدو أن تلك الحقوق ستظل مهدرة، خاصة عند العرب، طالما لم يؤمن الناس بها، فضلا عن «ميوعة» التشريعات، وعدم إصدار قوانين صارمة تحميها. بالطبع هناك جهد مبذول لحماية حقوق الملكية الفكرية، ولكنه غير كاف.
المؤلف يحتاج إلى دعم مادى، وحمايته، فضلا عن الدعم المعنوى حتى يستطيع إنجاز مشروعه الفكرى والإبداعى، وإلا سيضطر إلى البحث عن عمل آخر، إذا لم يأخذ حقه الذى يتقاضاه مقابل جهده الفكرى، لذلك فحماية الملكية الفكرية تحافظ على حقوقه، وعدم إهدارها معنويا وماديا..أى تحقيق مبدأ المال والقيمة والحفاظ عليهما مقابل العمل والجهد. ومن ناحية أخرى حماية تلك الحقوق تجعل الكاتب مستقلا حرا غير مضطر للاعتماد على أية جهات سواء حكومية أو خاصة تتدخل فى عمله الفكرى، أى أن حماية الملكية الفكرية تعطيه الاستقلال، وتحميه من التدخل الذى يكون فى النهاية قاتلا لاستقلاله، ومن ثم حريته الفكرية. كما أن عدم الحفاظ على الملكية الفكرية يجعل المؤلفين يرتمون فى حضن السلطة والسلطان.
ولعل جامعة الدول العربية استشعرت الخطر الذى يشكو منه الناشرون ومن ورائهم المؤلفون، فنظمت مؤتمرا إقليميا تحت عنوان: «تحديات تطبيق قوانين الملكية الفكرية فى الوطن العربى»، وناقش المؤتمر آليات لمواجهة عمليات الغش والتزوير، وأهم ما خرج به المؤتمر هو تعاون بين «جوجل» والانتربول لحماية الملكية الفكرية، وأكد ضابط الانتربول أبهم ياسمينة أن «باركود» يكشف إذا كانت السلع حقيقية أو مقلدة.
منذ أيام علمت «الشروق» أن هناك ما يسمى «مقترح بمشروع قرار بقانون بتعديل القانون رقم 82 لسنة 2002»، يقول: «يستبدل بعبارة خمسين سنة الواردة فى الكتاب الثالث من ذلك القانون، أينما وردت، عبارة «سبعين سنة»، وأضاف فقرة ثانية للمادة 160 التى تقول: «تحمى الحقوق المالية للمؤلف المنصوص عليها فى هذا القانون مدة حياته ولمدة خمسين سنة تبدأ من تاريخ وفاة المؤلف»، والفقرة المضافة حسب المقترح هى: «تحتسب مدة الحماية من أول يناير التالى للواقعة المنشئة للحماية. وتضاف إلى مدة الحماية أجزاء السنة التى وقعت فيها الوفاة أو النشر حسب الأحوال».
وتذكر المذكرة الإيضاحية لهذا المقترح أن العالم يتجه إلى إطالة مدة الحماية المقررة للمؤلفين، فحددتها أغلب الدول بسبعين سنة، وأبرز الدول التى أطالت مدة الحماية إلى هذا الحد دول الاتحاد الأوروبى كلها والولايات المتحدةالأمريكية، ومن دول أمريكا الجنوبية البرازيل، والأرجنتين، وشيلى، وكوستاريكا، والأكوادور، والدومنيكان ومن الدول الآسيوية إسرائيل، وسنغافورة وتركيا ومن الدول العربية ليبيا. وذهبت ثلاث دول (جواتيمالا، والمكسيك، وساموا) إلى جعل المدة تسعين سنة من تاريخ النشر أو مائة وعشرين سنة من تاريخ الإبداع، ويتبعها فى ذلك سلطة عمان.
وذهبت ساحل العاج «كوت دى إيفوار» إلى جعلها تسعا وتسعين سنة، وجعلتها موريشيوس، مائة سنة.
«لابد من تمديد مدة حماية المصنفات لإنقاذ ما سيسقط فى الملك العام خلال السنوات القليلة القادمة. سنمدد حماية فريد الاطرش وعبدالوهاب والعقاد وطه حسين وسيد قطب. مجاراة لما فعلت امريكا من جعل المدة 120 سنة بالنسبة لما تبدعه الشركات من مصنفات وسموه تعديل ديزنى لإطالة مدة الحماية. مصر مصدر رئيسى للإنتاج باللغة العربية. ولابد من المحافظة على حقوق مؤلفيها وورثتهم لمدد أطول».
كما أن المادة 248 من القانون رقم 82 لسنة 2002، والتى قام المقترح بإلغائها، تشكل حجر عثرة أمام نشر الثقافة الأجنبية حيث نص المشرع بحجة تنمية الثروة الثقافية للدولة على ألا يحمى المؤلف أو المترجم لمصنف بلغة أجنبية، سواء أكان مصريا أم أجنبيا، إذا لم يباشر المؤلف أو المترجم الحق فى ترجمة المصنف إلى اللغة العربية بنفسه أو بواسطة غيره فى مدى ثلاث سنوات (كانت فى القانون الملغى رقم 354 لسنة 1954خمس سنوات)، من تاريخ أو نشر أو إتاحة لمصنفه الأصلى أو لترجمته بلغة أجنبية.
وينطوى هذا النص على مخالفة صارخة غير مقبولة لالتزامات مصر طبقا لاتفاقية برن التى تعد جزءا من قانوننا عن حق المؤلف وتنسخ ما يتعارض معها من نصوص وردت فى هذا القانون، وليس فى الإمكان الوصول إلى تطبيق حكمها إلا من خلال رخصة إجبارية، لا تصدر إلا بشروط أوردها المشرع المصرى فى القانون رقم 82.
كما أن نص المادة 148 من القانون رقم 82 سنة 2002، والذى رآه فى وقت سابق المستشار حسام لطفى قانون رادع، يستحق الإلغاء حفاظا على سمعة مصر كدولة تحترم الحقوق فى إطار نظام تجارى عالمى جديد ارتضته مصر بانضمامها إلى منظمة التجارة العالمية فى الأول من يناير 1995، والتزاما بأحكام اتفاقية برن التى شاءت مصر أن تصبح عضوا فيها، لاسيما وأنه يتعلق بكل من يؤلف بلغة أجنبية، ومنهم مؤلفو الرسائل العلمية للماجستير والدكتوراه فى الكليات العملية، وهو أمر ليس فى صالح مصر إطلاقا، ويمهد الطريق أمام السرقات العلمية «المشروعة» من الرسائل العلمية التى لم تترجم من صاحبها، أو بواسطته، إلى اللغة العربية خلال ثلاث سنوات.