إنفوجراف|حصاد منظومة الشكاوى الحكومية خلال نوفمبر 2025    فيتو الرئيس    المركزي الروسي يواصل رفع سعر الروبل أمام العملات، والصناعات التحويلية تشهد انكماشا مستمرا    النائب أحمد صبور: الحزمة الضريبية الجديدة تحول استراتيجي في دعم المستثمرين    الحزب العربي الناصري: مصر أسقطت الرواية الإسرائيلية المختلقة حول معبر رفح    لليوم الثالث.. تواصل المحادثات الأوكرانية الأمريكية في فلوريدا    وزير الخارجية يكشف تفاصيل العلاقات مع قطر والصفقات الاقتصادية    خطة الهروب الكبير لأجانب الزمالك بسبب المستحقات    محافظ الجيزة: ضبط 2567 قضية تموينية بإجمالي 196 طن مضبوطات خلال حملات لمباحث التموين    ما هي منصة كيريو اليابانية؟ وكيف أصبحت تجربة رائدة في المدارس المصرية ؟    إنجي كيوان نواصل تصوير مشاهدها في "وننسى اللي كان"    عمرو دياب يتألق في الدوحة بحفل استثنائي وحضور جماهيري غفير    لبلبة تكشف أسرار عن مشوارها الفني بمهرجان البحر الأحمر 2025    فيلم السلم والثعبان.. لعب عيال يحصد 65 مليون جنيه خلال 24 يوم عرض    تكريم عمر خيرت في الدورة الأولى من مهرجان الأوبرا العربية بالدوحة    وزير الصحة يشهد انطلاق المسابقة العالمية للقرآن الكريم في نسختها ال32    مفتي الجمهورية: التفاف المصريين حول «دولة التلاوة» يؤكد مكانة القرآن في حياة الأمة    وزير الصحة يعقد مؤتمراً صحفيًا غداً الأحد للإعلان عن الوضع الوبائي والإصابات التنفسية    أمير قطر يلتقي الشرع على هامش فعاليات منتدى الدوحة    الجيش الإسرائيلي يعلن أنه قضى على 3 أشخاص أثناء محاولتهم عبور "الخط الأصفر" شمالي قطاع غزة    وزير الخارجية القطري: استقرار قطاع غزة المدمر لن يتم إلا حال الانسحاب الإسرائيلي الكامل    "الداخلية" تواصل فعاليات المرحلة ال 27 من مبادرة "كلنا واحد" لتوفير مستلزمات الأسرة بأسعار مخفضة    موعد مباراة برشلونة ضد ريال بيتيس والقناة الناقلة    بعد الإعلان عن عرضه 31 ديسمبر.. أزمة فيلم الملحد تتجه للنهاية    رئيس مصلحة الجمارك: لا رسوم جديدة على المستوردين مع تطبيق نظام ACI على الشحنات الجوية يناير المقبل    المبادرة الرئاسية "تحالف وتنمية" تصل للمرحلة النهائية للتقييم بعد اجتياز 9 تحالفات    أول تعليق من بيطري الشرقية على ظهور تماسيح صغيرة داخل مصرف مائي بالزوامل    مدرب سوريا: مباراة فلسطين صعبة وتركيزنا على حسم التأهل فى كأس العرب    اللجنة القضائية تتفقد لجان التصويت في الجمعية العمومية لنقابة المحامين    مواقيت الصلاه اليوم السبت 6ديسمبر 2025 فى المنيا..... اعرف صلاتك بدقه    "الإسكندرية" تحصل على لقب الجامعة الأكثر استدامة في أفريقيا لعام 2025    رانيا المشاط: الالتزام بسقف الاستثمارات عند تريليون جنيه العام الماضي فتح المجال لمزيد من استثمارات القطاع الخاص    تحليل فيروسات B وC وHIV لمتعاطي المخدرات بالحقن ضمن خدمات علاج الإدمان المجانية في السويس    الأوقاف تعلن مواعيد المقابلات الشخصية للمتقدمين لشغل وظائف بالشئون القانونية    حارس بتروجت: تتويج بيراميدز بإفريقيا "مفاجأة كبيرة".. ودوري الموسم الحالي "الأقوى" تاريخيا    السيسي يوجه بمحاسبة عاجلة تجاه أي انفلات أخلاقي بالمدارس    وزير الأوقاف يعلن عن أسماء 72 دولة مشاركة في مسابقة القرآن الكريم    سعر جرام الفضة في مصر، هذا العيار وصل ل 82.62 جنيها    وكيل طب قصر العيني: اللقاءات العلمية بين التخصصات المتداخلة محور أساسي في خدمة المرضى    دراسة أمريكية توضح.. لماذا لم يتم إدراج البطاطس في النظام الغذائي الصحي؟    اندلاع حريق ضخم يلتهم محتويات مصنع مراتب بقرية العزيزية في البدرشين    شهر و 5 أيام إجازة نصف العام لهؤلاء الطلاب.. اعرف التفاصيل    محافظ الشرقية يتابع الموقف التنفيذي لسير أعمال إنشاء مجمع مواقف مدينه منيا القمح    الجيش الباكستاني: مقتل 9 مسلحين خلال عمليتين أمنيتين بإقليم "خيبر بختونخوا"    القومي للمرأة ينظم فعالية «المساهمة في بناء المستقبل للفتيات والنساء» بحديقة الأزهر    وزير الأوقاف: مصر قبلة التلاوة والمسابقة العالمية للقرآن تعكس ريادتها الدولية    الصحة: فحص أكثر من 7 ملابين طالب بمبادرة الكشف الأنيميا والسمنة والتقزم    مواعيد مباريات اليوم السبت 6- 12- 2025 والقنوات الناقلة    أولى جلسات محاكمة المتهمين في قضية رشوة مصلحة الضرائب بعد قليل    أدوار متنوعة ومركبة.. محمد فراج يحقق نجاحا مختلفا في 2025    الصحة: توقعات بوصول نسبة كبار السن من السكان ل 10.6% بحلول 2050    وزير الري يتابع أعمال حماية الشواطئ المصرية للتعامل مع التأثيرات السلبية لتغير المناخ    لاعب بلجيكا السابق: صلاح يتقدم في السن.. وحصلنا على أسهل القرعات    بيراميدز يسعى لمواصلة انتصاراته في الدوري على حساب بتروجت    منتخب مصر المشارك في كأس العرب يواجه الإمارات اليوم بحثا عن الانتصار الأول    استكمال محاكمة 32 متهما في قضية اللجان المالية بالتجمع.. اليوم    بعتيني ليه تشعل الساحة... تعاون عمرو مصطفى وزياد ظاظا يكتسح التريند ويهيمن على المشهد الغنائي    مصر والإمارات على موعد مع الإثارة في كأس العرب 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قروض وودائع وشروط وبرامج
نشر في الشروق الجديد يوم 23 - 04 - 2013

غادرت بعثة صندوق النقد الدولى القاهرة فى الاسبوع الماضى بعد ان شغلت نفسها والبلد معها بموضوع القرض وعادت أدراجها دون الإعلان عن اتفاق مع الحكومة المصرية، ودون ان نفهم إن كان معنى ذلك الغاء الموضوع برمته ام تأجيله لأجل غير مسمى ام مجرد ارجاء التفاوض بشأنه لحين زيارة الوفد المصرى للعاصمة الأمريكية هذا الاسبوع لحضور الاجتماع السنوى للصندوق والبنك الدوليين.

زيارة وفد الصندوق الأخيرة للقاهرة لم تكن الاولى بل سبقتها زيارات ومفاوضات عديدة. ولكن ما جعلها مختلفة هذه المرة هو ان الوفد حرص على ان يلتقى بأحزاب المعارضة للتحاور معها بشأن القرض (وقيمته أربعة مليارات وثمانمائة مليون دولار أمريكى) الذى يهدف لمساندة ميزان المدفوعات والمشروط بالتزام الحكومة المصرية بتطبيق برنامج للإصلاح الاقتصادى يستهدف الحد من العجز المنفلت للموازنة العامة. وفى النهاية تراوح موقف الاحزاب التى التقى بها وفد الصندوق بين رفض الاقتراض من الاصل وبين القبول من حيث المبدأ ولكن بتحفظات حول ضرورة إتاحة المزيد من المعلومات بشأن القرض والبرنامج المرتبط به واستخداماته والرقابة عليه.

ثم تغير الموقف بالإعلان عن الاتفاق مع حكومات قطر وليبيا وتركيا على ان تقوم بتقديم ودائع تبلغ قيمتها اجمالا نحو ستة مليارات دولار أمريكى، الامر الذى أعطى الحكومة المصرية مساحة للتنفس بعد ان صار عندها من السيولة النقدية أو على الاقل الوعد بها ما يخفف من الضغط عليها لبضعة اشهر، كما ساد شعور عام فى البلد بأن الأشقاء العرب والمسلمين قد تدخلوا لإنقاذ مصر فى اللحظة الاخيرة من ازمة طاحنة ومن الاضطرار لقبول شروط وبرنامج صندوق النقد الدولى.

ولكن مع كل تقديرى للتعاون والتضامن الذى أبداه الأشقاء من قطر وليبيا وتركيا فإن موقف الرأى العام والإعلام المصرى والأحزاب السياسية هو ما يستدعى التوقف والتساؤل، اذ لماذا يكون الرأى العام قلقا ومتحفظا إلى هذا الحد حينما يتعلق الامر بالاقتراض من المؤسسات المالية الدولية وله الحق فى ذلك ولا تثور لديه ذات التحفظات والمخاوف بالنسبة للودائع الواردة من الأشقاء العرب ومن غيرهم؟ الاجابة فى تقديرى ترجع إلى ثلاثة أخطاء سائدة فى النقاش الدائر حول الاقتراض من الخارج:

الخطأ الأول هو الاعتقاد بأن «الوديعة» التى يقدمها أى بلد ويتم إيداعها لدى البنك المركزى المصرى تختلف جذريا عن الاقتراض أو انها «اخف» فيما ترتبه من التزامات، بينما كلاهما فى جوهره واحد. فالوديعة هى مبلغ من المال يودعه البنك المركزى الاجنبى لدى البنك المركزى المصرى ويتقاضى عليه فائدة ويستطيع ان يسترده فى أى وقت وفقا لشروط الوديعة. وهذا هو جوهر القرض أيضا ولو اختلف الشكل القانونى. ولكن لأن الوديعة يتم الاحتفاظ بها بالعملة الاجنبية لدى البنك المركزى فإنه لا يتم عرضها على البرلمان مثلما يتم عرض القروض الخارجية. ولكن فى الحالتين فإن التزاما دوليا يترتب على الاقتصاد القومى ويلزم سداده مستقبلا، ولذلك فلا يوجد ما يدعو لاعتبار الوديعة اقل وطأة من القروض الخارجية أو مختلفة جذريا فى اثرها الاقتصادى.

الخطأ الثانى هو الاعتقاد بأن الوديعة المقدمة من بلد شقيق لا تكلفنا شيئا، بينما القرض تحتسب عليه فوائد تتحملها الخزانة العامة مستقبلا. ووجه الخطأ هنا ان الودائع، بحسب الاصل، يحتسب عليها ايضا فائدة مثلها مثل القروض تماما، بل عادة ما يكون سعر الفائدة عليها اعلى لارتباطه بأسعار الفائدة التجارية فى الاسواق العالمية، بينما العائد السنوى على القروض المقدمة من المؤسسات المالية الدولية يكون اقل بكثير (للمقارنة فإن سعر العائد المقترح عند الاقتراض من الصندوق هو 1.1٪ سنويا على الدولار الامريكى، بينما العائد على الوديعة القطرية حسبما فهمت يتجاوز 4٪ سنويا). الودائع إذن، شأنها شأن القروض، لها تكلفة وفى الغالب فإنها تكون اعلى من تكلفة التمويل الممنوح من مؤسسات التمويل الدولية.

وأخيرا فإن الخطأ الثالث يتعلق بافتراض ان الاقتراض من المؤسسات الدولية يكون مشروطا بتطبيق برامج اقتصادية محددة بينما الودائع من الدول الشقيقة تأتى هكذا من باب المحبة والأخوة والشهامة ولا تنطوى على أية شروط وبالتالى فهى تحافظ على استقلال إرادتنا الوطنية. وهنا مكمن الخطر الحقيقى. فلا أظن ان هناك قروضا أو ودائع بلا شروط على الاطلاق ولو كانت واردة من اقرب الأصدقاء وأعز الحلفاء. كل قرض وكل وديعة لابد وان يصاحبه طلب أو ثمن أو شرط أو على الاقل تفاهم. ولكن بينما ان شروط صندوق النقد الدولى تكون إلى حد كبير معروفة أو يمكن توقعها لأنها تشبه ما يجرى تطبيقه فى كل بلدان العالم ومقتصرة على الجانب الاقتصادى وحده، فإن الشروط والتفاهمات التى تأتى مصاحبة للودائع من الدول الشقيقة لا تكون معروفة ولا محددة النطاق وبالتالى فقد لا تقتصر على الجوانب الاقتصادية فقط بل يمكن ان تتجاوزها إلى مواضيع واتفاقات لا نعلم عنها شيئا.

ما القصد من كل هذا؟

ليس الغرض مما تقدم هو الدعوة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولى تحت أى ظرف ووفقا لأية شروط، فالمجتمع من حقه ان يطمئن إلى أحكام القرض ومكونات البرنامج الاقتصادى الجارى الاتفاق عليه قبل ان يوافق أو يرفض. ولكن من جهة اخرى، فإنه يجب علينا أيضا إدراك ان الودائع من الدول الاجنبية حتى تلك التى توصف بأنها شقيقة لا تختلف فى جوهرها عن القروض، وتأتى بتكلفة اكبر من الاقتراض الدولى، وقد تنطوى على شروط واتفاقات لا تخضع لذات الشفافية والرقابة الشعبية، وبالتالى فيجب تطبيق ذات معايير الحذر والحيطة بالنسبة لها وعدم اعتبارها منحة أو هدية لا تستدعى على الاقل السؤال والتمحيص والتدقيق.

نحن فى أزمة اقتصادية حقيقية وبحاجة لسيولة فى الأجل القصير والبدائل المتاحة أمامنا قليلة، ولكن علينا تناول هذه البدائل القليلة بمعايير واحدة ومتسقة. من حق المجتمع ومن واجبه ان يطرح ذات التساؤلات المشروعة حول المفاضلة بين القروض والودائع لأن لا شىء فى هذا العالم يأتى بالمجان ولكل من البديلين تكلفته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.