تؤثر ثقافة المجتمع على الأدبيات الشعبية (الفولكلور) لأن ثقافة المجتمع محصلة الأفكار السائدة بين أعضائه، بالإضافة إلى درجة ومحصلة التعليم فى هذا المجتمع، ومدى اتساق هذه الثقافة مع البيئة الجغرافية والمجتمعية التى يعيشها، ولكل ثقافة مظاهر وأبعاد تختلف من جماعة إلى أخرى، حيث تؤثر فيها عوامل عديدة، وإن لكل ثقافة جذورا ضاربة فى أعماق التاريخ، تختلف من شعب إلى آخر وفق الظروف والأحداث التاريخية التى مر بها كل مجتمع، وهذه الظروف تشكل العديد من المكونات الثقافية والفلكلورية للمجتمع. وكلمة «فلكلور» تتكون من مقطعين هما: «فولك» بمعنى عامة الشعب، و«لور» بمعنى معرفة أو حكمة، وقد ظهر هذا المصطلح لأول مرة فى منتصف القرن التاسع عشر، وتحديدا فى عام ) 1846م، على يد الانجليزى «وليامز ثومز» عندما استخدم هذا الاصطلاح كاسم للعلم الذى يدرس العادات، والتقاليد، والممارسات، والخرافات، والملاحم، والأمثال الشعبية.
وطوال تاريخنا المصرى العريق، ترسبت فى وجداننا عادات وتقاليد وسلوكيات، وحكم وأمثال شعبية، جسدت الشخصية المصرية، وهو ما عرف باسم الفلكور المصرى، وتجلى ذلك خلال ثورة1919، التى اندلعت فى التاسع من مارس منذ أكثر من أربعة وتسعين عاما، نتيجة الشحنة الكامنة ضد الاحتلال البريطانى منذ عام 1882م، وجاء اعتقال الوفد المصرى الذى كان يستعد للسفر إلى مؤتمر الصلح بباريس الشرارة الأولى فى اشتعالها، واتسمت باشترك جميع طوائف الشعب المصرى.
ومن الفلكور المصرى الأصيل قصة «سعد اليتم» وهو شخصية افتراضية تم تداولها فى الموالد والاحتفالات الاجتماعية، وهو شخص تربى بين أحضان قاتل أبيه، وعندما كبر وأصبح شابا انتقم لأبيه بنبوته من مربيه، وهب الناس من جميع النجوع والقرى وحارات المدن لمبايعته من أجل العدل، وربما يتشابه ذلك مع زعيم ثورة 1919م «سعد زغلول» فهب الناس من جميع أنحاء الأمة المصرية لمبايعته عن طريق التوكيلات من أجل المطالبة بحقوق المصريين جميعا، وتحققت أحلامها بصدور تصريح 28 فبراير 1922م وإعلان استقلال البلاد، وتشكيل أول وزارة برلمانية فى عام 1924م، وظل الشعب يسانده حتى رحيله فى عام 1927م، ولا يزال بيته المعروف ب(بيت الأمة) مصدر إلهام الثوار حتى يومنا هذا.
وتسجل لنا الذاكرة الفلكورية هتاف الشعب أثناء وبعد ثورة 1919م، نذكر منها «يحيا الوفد ولو فيها رفد...» ومناداة الشعب على زعيم الثورة ورفاقه «سعد سعد يحيا سعد....»، و«يا عزيز يا عزيز كبه تاخد الأنجليز....» و«الاستقلال التام أو الموت الزؤام....». وعندما منعت سلطات الاحتلال البريطانى ذكر اسم سعد زغلول أنشد سيد درويش أغنية «يا بلح زغلول يا حليوة يا بلح».
وعندما قرر الإنجليز نفى سعد زغلول للمرة الثانية إلى جزيرة سيشل بالمحيط الهندى ترددت الأغنية التى تقول: «قولوا لعين الشمس ماتحماش لحسن حبيب القلب صابح ماشي». على أية حال، تأثر مجال الابداع الفنى والأدبى الذى تفاعل مع الثورة، فبقدر ما ساهمت الأعمال الابداعية فى الحشد للثورة والتعبير عنها وإيصال رسالتها للجماهير، أو اتخذتها موضوعات لها فى السنوات التالية، بقدر ما كانت التغيرات المجتمعية التى أحدثتها الثورة فى مصر دافعا لتطور الإبداع الأدبى والفنى فى مجالات الشعر والموسيقى والغناء والفن التشكيلى، كما عبر المسرح المصرى عن وطنيته بمشاركته ثورة 1919م، من خلال تحريك المشاعر الوطنية لدى الأمة، فهب محمد تيمور مع سيد دروش لتقديم الأوبريت المعرب «الزوجة الثانية عشر»، وشارك «يوسف بك وهبى» فى تدشين ثورة 1919م من خلال تكوين فرقته الشهرة، التى عبرت عن طموح الأمة المصرية، وهى التى ساهمت بشكل كبير فى حفظ تراثنا الفلكلورى، كما وثقت الأعمال الروائية فيما بعد الثورة ولعل أبرزها «عودة الروح» لتوفيق الحكيم و«بين القصرين» لنجيب محفوظ و«قنطرة الذى كفر» لمشرفة.
وظهر من خلال ثورة( 1919 م ) مدى العلاقة بين الفن بصفة عامة، والفلكلور (الأدبيات الشعبية) بصفة خاصة والثورة، وخاصة فى مجالى الموسيقى والغناء والفن التشكيلى، من خلال أعمال الكثير من المبدعين والفنانين.
وبعد.. ليتنا نعود الآن إلى روح ثورة 9 مارس 1919م، فى شموليتها ووحدتها وتآلفها، وكفانا اعتداءات على تماثيل رموز أمتنا المصرية من سياسيين وأدباء وفنانين، نفتخر ونعتز بهم، بل نعتبرهم نموذجا للشخصية الوطنية المصرية عبر تاريخها العريق.