قال الرئيس محمد مرسي، في كلمته أمام مجلس أمناء مكتبة الإسكندرية، اليوم السبت، إن مصر تمر بلحظة فارقة في تاريخها، حيث تنطلق البلاد نحو مستقبل أفضل فى ظل نظام ديمقراطى مدنى، يرنو إلى بناء مجتمع الغد، مجتمع العلم والمعرفة، مجتمع تتحقق فيه العدالة الاجتماعية لكل المواطنين، وتسود فيه الحرية فى ظل القانون والدستور.
أضاف: "لقد حرصت على مشاركتكم هذا اللقاء، ونحن فى مصر نواجه صعوبات وتحديات كبيرة ساعين لتحقيق نهضة شاملة وسط ظروف محلية وإقليمية ودولية دقيقة، لنؤكد معاً أهمية الانفتاح على العالم والتواصل مع شعوبه وطوائفه ومؤسسات الحكم والعلم والمعرفة فى أقطاره المختلفة".
وأوضح الرئيس مرسي: "إننى أعلم جيداً أنكم تتابعون باهتمام أخبار بلادنا، ولاشك أننا نمر بمرحلة انتقال عظيم، تتداخل فيها المصالح فى هذا العالم وتجرى محاولات هنا وهناك للنيل من ارادة شعوب الربيع العربى وفى مقدمتها الشعب المصرى لكى تعوق مسيرة الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية".
وذكر الرئيس: "وفى هذا السياق فإننا فى مصر رغم كل هذه المحاولات ورغم التحديات والصعوبات الاقتصادية والاجتماعية فإننى أؤكد لكم وللعالم كله أننا نرفض رفضًا باتًا أى تعرض لحرية المواطنين المصريين ونرفض الإجراءات الاستثنائية تماماً كما نرفض أى نوع من التمييز على أساس الجنس أو اللون أو الدين كما نص على ذلك دستورنا الجديد، وتجمعنا جميعاً روح المحبة وثقافة المواطنة، والكل سواسية أمام القانون وأمام الدستور، ولن نسمح لأحد بالاعتداء على دور العبادة، ولن نترك الفرصة للمخربين لكى يسيؤا إلى منجزات شعبنا التى حققها فى ثورة سلمية فريدة أطاحت بنظام مستبد وبهرت العيون والعقول من شرق العالم إلى غربه وفتحت الأبواب للممارسة الديمقراطية التى سمحت للشعب بأن يختار رئيسه، وأن يقول قوله فى ظل التعددية ومناخ حرية التعبير التى لم نشهد مثلها من قب ".
وأوضح: "اننى إذ أؤكد هذا المعنى فإننى أعبر عن جميع طوائف الشعب المصرى الذى منحنى ثقته، وحملنى المسئولية أمام الله وأمام التاريخ، وأمام كل فرد من أبناء هذا الشعب العريق صانع الحضارة منذ آلاف السنين، كما أننى إتحدث إليكم وبفهم صحيح للإسلام الذى نادى بحرية الإنسان فى الفكر والاعتقاد بلا قهر ولا اكراه، والذى جعل الناس سواسيه كأسنان المشط، وأكد أن التعارف والتسامح هو أساس العلاقة بين الأمم والشعوب ، وأمر أتباعه بأن يؤمنوا برسل الله وأنبيائه جميعاً، لا يفرقون بين أحد من رسله".
وأشار إلى:"إننا رغم التركة الثقيلة التى ورثناها بسبب التحالف بين الفساد والاستبداد والاستناد إلى التبعية الأجنبية، وغياب العدالة الاجتماعية ، فإننا ماضون فى طريقنا لتحقيق التنمية الشاملة، التى تستند إلى إرادة شعبية حرة، ونمو اقتصادى حقيقى، وعدالة اجتماعية، وإلى مشاركة اجتماعية واسعة، ومناخ من حرية الفكر والرأى والتعبير، ليشارك المصريون جميعاً رجالاً ونساء فى بناء مستقبل مشرق لهم ولأبنائهم من بعدهم".
ولفت رئيس الجمهورية الأنظار إلى أن مثل النهضة التى نسعى إليها كمثل شجرة أصلها ثابت فى تاريخنا وحضارتنا وعقيدتنا وفرعها فى السماء تلفحه شمس المعرفة وتداعب أغصانه نسائم الحرية، ونؤمن أن النهضة ليست مسئولية فرد ولا نخبة ولكنها إرادة شعب حر، نهضة تجمع بين التجديد والتأصيل، وتنفتح على الآخر وتواكب العصر وتعتز بتراثها وجذور هويتها، فإن رفض الجديد والاكتفاء بالماضى فى عالم يسوده التغيير ما هو إلا استلام لانتحار بطئ، والانفصال عن التراث واقتلاع الجذور، ما هو إلا دعوة للتخبط والضياع.
وأضاف: "أننا نعتز بثقافتنا المصرية، فيكفينا فخراً تاريخ مصر العريق الذى تمتد جذوره لآلاف السنين؛ حيث تلاقت على أرض مصر رسالات السماء وتعايشت الفرق والجماعات، وازدهر التراث الإنسانى علماً وخلقَّا، فقد لعبت مصر دوراً مشهوداً فى التنوير والتحرير، وأسهمت فى بناء صرح المعرفة الإنسانية أى إسهام ، وإذا بدأ الحديث عن الثقافة بات لزاماً علينا أن تتجه أنظارنا وعقولنا إلى مكتبة الإسكندرية قديماً وحديثاً ".
وشدد الدكتور مرسي على أن مكتبة الإسكندرية ، إسم لامع فى التاريخ ، اقترن بمؤسسة فريدة رسمت إطاراً جامعاً للمعرفة الإنسانية عبر خمسة قرون ، وجسدت التواصل الحضارى بين الشعوب ، وأصبحت مركزاً للتقدم العلمى والإشعاع الثقافى ، ونذكر لها أنها جسدت حلم العلماء والمثقفين والفنانين والشعراء فى جمع المعرفة الإنسانية فى مكان واحد ، وكانت بمثابة أكاديمية للعلوم ومركز للأبحاث ومكتبه أدارها أعظم علماء ومفكرى العصر وضمت ما يقرب من 700 ألف لفافة أى ما يعادل 100 ألف كتاب من الكتب الحديثة المطبوعة.
وركز الرئيس على أن المكتبة استقبلت العلماء من جميع الثقافات وتوافد عليها الشباب والفتيات للدراس ، كما أنتج فيها أعظم العلماء الكثير من الإنجازات العملية التى أضافت إلى المعرفة الإنسانية وساهمت فى تقدم البشرية ، ففى مكتبة الإسكندرية القديمة كان أول من قال : " إن الأرض تدور حول الشمس" ، وتم حساب محيط الأرض بدقة مذهلة ووضع أول فهرس للكتب، وفى المكتبة أيضاَ أرسى إقليدس مبادئ علم الهندسة ، وتم تحديد أن المخ هو المتحكم فى الجسم الإنسانى . كما سُجل تاريخ الفراعنة حسب التسلسل الزمنى للوقائع وقسم إلى أسر ليظل هذا التقسيم مرجعاً للعلماء إلى الآن ".
وأكد أن مكتبة الإسكندرية القديمة كانت منارة للعلم والمعرفة؛ حيث انفتح روادها على ثقافات العالم ووضعوا أسساً راسخة للحوار بين الحضارات وعززوا قيم التسامح والعقلانية ، والتعاون بين الثقافات ، والتقارب بين المعتقدات حيث تمت الترجمة السبعينية وهى أول ترجمة للعهد القديم من العبرية إلى الإغريقية ، وبقيت المكتبة مركزاً للعلم والمعرفة لمدة تزيد على ستة قرون ولكنها لم تنج من بطش الرومان؛ حيث أمر الإمبراطور أوريليون بحرق المكتبة وتدميرها، وبالرغم من ذلك فقد ظلت مصدر إلهام للعلماء والمفكرين ونموذجاً متميزاً للصرح العلمى والثقافى الذى يقوم بإنتاج المعرفة وتجميعها، إن الإسكندرية القديمة كانت أهم مدينة فى عصرها، وكانت ملتقى لكل الطوائف والأعراق؛ ومركزاً للتجارة العالمية ، وظهر فيها العديد من أوائل مفكرى المسيحية ".
ونوه الرئيس على أن اسم مصر وأهلها ارتبطوا بالأديان السماوية دائماً حيث حضر إليها الخليل إبراهيم ويوسف الصديق وموسى النبى عليهم جميعاً السلام، ومن بعدهم طافت السيدة مريم العذراء وابنها المسيح عليه السلام أرض مصر فى رحلة مباركة، لقد عرف أهل مصر المسيحية ودخلوا فيها ومن مصر انتشرت المسيحية الى العالم كله .وقد كانت كنيسة الإسكندرية هى الكنيسة الكبرى فى العالم المسيحى لعدة قرون وحتى مجمع خلقدونية 451 ميلادية .
وواصل الرئيس كلمته، قائلًا: "وجاء الإسلام، معضداً للتسامح مؤكداً للتعددية، حافظاً للحرية ..وقد اتسعت الحضارة الإسلامية لاحتواء كل المعارف والفلسفات السابقة عليه، إذا كان من المناسب أن نذكر حالة تاريخية واحدة تجلت فيها مظاهر الحرية والتنوير إبان السيادة الإسلامية، وانتهت بانقضائها تماماً ، فإن الدولة الأندلسية نموذج بليغ على ذلك، فقد قامت فى قلب القارة الأوروبية واستمرت أكثر من سبعة قرون منذ فتح الأندلس عام 711 حتى بعد سقوط غرناطة عام 1492، وتعايشت فيها الأديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام بشكل مثالى لا نظير له، وذلك فيما سمَّاه المؤرخون بالعصور الوسطى، ولقد ازدهرت إبان الحكم الإسلامىّ أكبر نهضة فكرية وفلسفية وعلمية جعلت من مدن طليطلة وقرطبة وغرناطة منارات العالم المتحضر قُبَيل عصر النهضة الأوروبية".
واختتم الرئيس، بالقول إن حركات الإصلاح والتجديد والنهضة التى شهدها العالم العربى والاسلامى خلال القرنين الماضيين، كانت تعبيراً عن شعور عميق بالاعتزاز بالتراث الإسلامى، وعن وعى تاريخى بأن أى محاولة للنهضة لا تستند إلى الموروث الحضارى للأمة، تظل ظاهرة سطحية، محدودة الأثر، قصيرة الأجل.