ترسخت فى مدينة القدس عبر قرون طويلة مظاهر التسامح بين المسيحيين والمسلمين، ويتجلى هذا فى أرفع صوره بإشراف عائلتين مسلمتين على كنيسة القيامة، أعرق الكنائس المسيحية. فبينما تقوم عائلة "نسيبة" بفتح وغلق باب الكنيسة يوميا، تتولى عائلة "جودة" حفظ مفاتيحها.
ويقول وجيه يعقوب نسيبة، الذى عُهد إليه بفتح وغلق الكنيسة، ل"سكاى نيوز عربية"، إن عائلته تسلمت مفاتيح الكنيسة من بطريرك القدس للروم الأرثوذكس "صفرونيوس" فى العام 638 ميلادية، أى بعد أن فتحها المسلمون بقيادة عمر بن الخطاب. إلا أن المفاتيح نزعت من العائلة عندما دخل الصليبيون مدينة القدس فى العام 1099.
ويوضح نسيبة، الذى يتولى استقبال كبار الضيوف الزائرين للكنيسة، أن سبب تسليم مفاتيحها للمسلمين يعود إلى خلاف ظهر بين الطوائف المسيحية إبان تحرير صلاح الدين الأيوبى لمدينة القدس فى العام 1187 ميلادية، حين قرر أن تحتفظ بمفتاح الكنيسة عائلة مسلمة، وقد تم ذلك بتوافق مع جميع الطوائف المسيحية آنذاك.
وأضاف، أن عائلة جودة تسلمت فى عهد الأتراك "فرمانا عثمانيا"، فى العام 1612، يقضى بانضمامها إلى عائلة نسيبة فى الإشراف على الكنيسة المقدسة. وباشرت العائلة هذه المسؤولية فعليا فى العام 1624، حين انتقلت المفاتيح إلى حوزة عائلة جودة، بينما تولت عائلة نسيبة مسؤولية فتح وغلق أبواب الكنيسة، يوميا، من الساعة الرابعة فجرا حتى الثامنة مساء.
وأوضح، أن مندوبا من عائلة جودة يأتى يوميا إلى باب الكنيسة، ليسلم بدوره مفاتيحها إلى نسيبة الذى يقوم بفتحها، ويعود فى المساء كى يتسلم المفاتيح بعد إغلاقها، مشيرا إلى أن العائلة مسؤولة أيضا عن استقبال كبار الضيوف الذين لا ينقطعون عن زيارة الكنيسة على مدار العام.
ويحتفل المسيحيون الغربيون الاثنين ب"عيد القيامة"، الذى تحمل الكنيسة المقدسة اسمه أيضا، وهى المكان الذى يعتقد كثير من المسيحيين أنه يحوى الصخرة التى صلب عليها المسيح فى بيت المقدس، ويعتبرها بعض المؤرخين "الجوهرة الثالثة فى القدس الشريف، بعد قبة الصخرة المشرفة والمسجد الأقصى."
ويقول نسيبة، إن الباب الحالى لكنيسة القيامة تم بناؤه وتجديده وتركيبه فى العام 1808، عقب حريق شب فى الكنيسة، وأتى على القبة التى تعتليها. ويحمل الباب نقوشا باللغة التركية القديمة ذات الأحرف العربية، وهى عبارة عن أناشيد وتراتيل إنجيلية.
وتجدر الإشارة إلى أن كنيسية القيامة سميت بهذا الاسم نسبة إلى قيامة المسيح من بين الأموات فى اليوم الثالث من موته على الصليب، حسب العقيدة المسيحية.