قد يبدو من الغريب أن تتولى أسرة غير مسيحية أمانة فتح وإغلاق أبواب "كنيسة القيامة"، أقدس المقدسات المسيحية على وجه الأرض، لكن تلك هى الحقيقة والواقع، اللذان يحكيان تاريخ التعايش السلمى والتألف بين المسلمين والمسيحيين. لنبدأ بحكاية الأسرة الأولى وهى أسرة "نسيبة"، فكل صباح ومساء، تقوم هذه الأسرة العربية المسلمة على رعاية هذه الكنيسة، وخدمة القبر المقدس. تسلمت أسرة "نسيبة"، مفاتيح كنيسة القيامة من بطريرك القدس للروم الأرثوذكس صفرونيوس عام 638 للميلاد، بعد أن دخلها المسلمون فاتحين بقيادة عمر بن الخطاب، ثم انضمت أسرة "جودة" فيما بعد إلى أسرة "نسيبة" فى حمل هذه الأمانة. ويقول وجيه نسيبة، الذى يتولى استقبال كبار الزائرين وخدمة القبر المقدس فى كنيسة القيامة، إن عبدالله بن أم عمارة نسيبة المازنية الخزرجية الأنصارية، هو من تسلم هذه المفاتيح فى القرن السابع للميلاد عقب الفتح الإسلامى، وظلت هذه المفاتيح مع آل نسيبة حتى الاحتلال الصليبى للأرض المقدسة. وأوضح نسيبة - فى مقابلة مع وكالة أنباء الشرق الأوسط فى رام الله أن عائلته هربت بعد قدوم الصليبيين إلى منطقة بورين فى شمالى الضفة الغربية، وظلت هناك طوال 88 عامًا، حتى جاء القائد صلاح الدين الأيوبى وحرر القدس، وأعاد مفاتيح الكنيسة من الصليبيين وسلمها مرة ثانية إلى عائلته. ويضيف وجيه نسيبة، أن صلاح الدين قرر وقف 50 ألف دونم، - ما يعادل 13 فدانًا على مقياس أهل الشام – مقسمة على ثلاثة أقسام، الأول وقفًا على الصخرة المشرفة، والثاني وقفا على الحرم الإبراهيمى بمدينة الخليل، والثالث وقفًا لعائلة نسيبة. وأشار نسيبة إلى أن المؤرخ المقدسى مجير الدين مؤلف كتاب "الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل" فى القرن الخامس عشر الميلادى، ذكر ذلك فى كتابه، وأكد أنه رأى توقيع صلاح الدين الأيوبى على هذا الوقف الذى مازالت وثائقه محفوظة فى مكتبة التراث الإسلامى فى أبو ديس. وأوضح وجيه نسيبة أن أسرة "جودة" انضمت إلى أسرته فى حمل أمانة مفاتيح كنيسة القيامة فى زمن الأتراك العثمانيين، حيث تسلم آل جودة فرمانًا عثمانيًا بذلك سنة 1612 للميلاد، وبدأوا العمل مع آل نسيبة عام 1624، حيث أصبحت المفاتيح فى حوزة آل جودة بينما يتولى آل نسيبة مسئولية فتح وإغلاق الكنيسة وحراستها حسب الفرمانات العثمانية التى فى حوزتها.