بينما اطلقت السلطات المتعاقبة على التحركات العمالية فى مصر بعد الثورة تعبير الاحتجاجات «الفئوية»، معتبرة فعاليات الحركة العمالية سلوكا انانيا يعطل مسار التحول الديمقراطى، اختارت المؤسسة السويدية الثقافية ان تنظم مؤتمرا، اختتم اعماله أمس الاول بالإسكندرية، عن تجارب الحركات العمالية المصرية بعد سقوط الديكتاتورية، ليس باعتبارها «مشكلة» من تبعات الثورة، ولكن بوصفها ضمانا لنجاح عملية التحول الديمقراطى برمتها، وبناء سياسات اجتماعية جديدة فى مصر ودول الربيع. أشكال متعددة لانتهاك حقوق العمال
لا تزال المنطقة العربية تشهد تظاهرات مستمرة ضد الاوضاع الاجتماعية المتردية، حيث تفتقد كثير من مناطقها إلى ضمانات لحقوق العمال التى تحقق السلام الاجتماعى، فلبنان التى تعيش «ربيع نقابى» على حد وصف فرح قبيسى، الخبيرة بالمرصد اللبنانى لحقوق العمال، يتظاهر عمالها من اجل حقوق اساسية، مثل الاحتجاجات الاخيرة لعمال احد السلاسل التجارية العالمية الشهيرة، سبينيس، للمطالبة بتعاقدات تضمن حقوق العمال القانونية. كما يطالب قطاع من عمال القطاع التابع للدولة بتعديل هياكل اجورهم التى لم تتغير منذ سبعة عشر عاما، وتوضح قبيسى أن «الحكومة تقول انها ستفلس لو رفعت الاجور بينما يطالب العمال بإخضاع أنشطة كالمضاربات العقارية لمزيد من الضرائب لتوفير الايرادات الكافية لتوفير هذه الزيادات.. فالاحتجاجات تساهم فى تغيير بنية الاقتصاد إلى الافضل».
النقابات المغربية تحتج ايضا على عدم الوفاء بوعود الربيع العربى، كما يقول عبداللطيف حسنى، رئيس تحرير مجلة وجهة نظر المغربية، «بعد اندلاع تظاهرات 20 فبراير فى عام 2011، وعدت السلطات بحزمة من السياسات الاجتماعية، ونجحت بذلك فى تحييد النقابات عن التضامن مع تلك التظاهرات الديمقراطية، وبعد ذلك وجد العمال ان النسبة الاكبر من تلك الوعود لم تنفذ حتى الان»، كما يضيف حسنى.
أما تونس التى شهدت ميلاد الربيع العربى، فقد انشغل الكيان النقابى الرئيسى بها، الاتحاد العام للشغل، بمتابعة سلسلة من الاحتجاجات العمالية المتفرقة بعد الثورة ولم يهتم بالمعركة السياسية على السلطة بعد بن على، وكانت نتيجة ذلك كما يرى النقابى التونسى، ردحا تيليلى، وصول احزاب إلى السلطة اخرجت مشروع دستور لا يتبنى الحقوق الاجتماعية، الا ان اتحاد الشغل تدارك هذا الوضع من خلال سعيه للترويج لمشروع دستور بديل يسعى إلى «تأسيس جمهورية ديمقراطية اجتماعية جديدة».
التحديات التى عرضها خبراء العمل العمالى العربى بالمؤتمر، تتشابه مع تحديات العمل العمالى بمصر كما عرضتها داليا موسى، الخبيرة بالمركز المصرى للحقوق الاقتصادية، التى اشارت إلى تأخر صدور تشريعات الحريات النقابية واستهداف بعض اصحاب العمل لمؤسسى النقابات الجديدة بالفصل التعسفى.
العمال يفتحون الباب للديمقراطية
احباطات عمال الربيع العربى قابلتها لهجة متفائلة من خبراء تجارب التحول الديمقراطى فى مناطق أخرى من العالم، والتى رأت ان مضى العمال قدما فى الدفاع عن حقوقهم كانت افضل دافع لنجاح التجربة الديمقراطية على المستوى السياسى ايضا.
ففى بولندا كان تأسيس جبهة التضامن من قبل جهات عمالية مختلفة اول محاولة لتأسيس منظمة مستقلة عن الحكم الشيوعى، والتى قادت بعد ذلك اسقاط النظام الشمولى، كما يقول بارتلوميج نوتراسكى، استاذ العلوم السياسية البولندى، وان كانت التجربة البولندية لم تنجح فى تحقيق تقدم كبير على مستوى السياسات الاجتماعية، نظرا إلى ان التحول هناك كان «من نظام زعم انه يدافع عن حقوق العمال إلى نظام اكثر ارتباطا بالحرية، مما سهل تمرير سياسات تحررية كالخصخصة، ادت بعد ذلك إلى الاضرار بالعمال» كما يضيف نوتراسكى.
ولكن تجربة العمال فى امريكا اللاتينية نجحت نسبيا فى تحقيق تقدم على المستوى الاجتماعى والسياسى، «كانت النقابات فى العديد من دول هذه القارة تطالب بسياسات بها تدخل اكبر للدولة فى الاقتصاد، وتحقق ذلك نسبيا من خلال تأميم قطاع البترول على سبيل المثال فى بوليفيا، أو تطبيق سياسات المساندة الاجتماعية بالبرازيل»، كما يقول فريدريك اوجلا، الاستاذ بجامعة ستوكهولم.
واوضح اوجلا ان دور النقابات بأمريكا اللاتينية فى دعم التحول إلى نموذج سياسى افضل جاء بشكل متدرج مع تطور رؤية العمال للعمل السياسى، «فى البداية ركزت النقابات فقط على مطالبها الاجتماعية، وبعد ذلك ادركت ان الديمقراطية هى الطريق الذى سيحقق لها تلك المطالب، فأصبحت المعارض الابرز للحكم العسكرى».