فى العام 2004، وصلت القوى الوطنية إلى مرحلة من عدم تحمل ممارسات النظام السابق، فالتفوا حول بعضهم البعض وأطلقوا حركة كفاية، والتى كانت بالفعل بداية وقود التغيير فى مصر، وربما كان أذكى ما فى هذه الحركة، هو اسمها (كفاية)، لأنه يعبر بالفعل عن نفاد صبر الطليعة الوطنية مما يحدث فى نهر السياسة، وفى ذات اللحظة فإن الاسم كان يحمل المطلب الرئيسى لهذه القوى بكفاية حكم مبارك ونظامه، الذى كان ساعتها قد وصل للعام الثالث والعشرين، وعلى مستوى التشكيل، فإن روعة وإبداع (كفاية) كان فى ضمها برحابة غريبة وأريحية مطلقة لكل القوى الوطنية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ومن السياسيين المحترفين إلى المواطنين البسطاء، ومن رجال الإسلام السياسى إلى الفنانين والمثقفين، لذا كانت كفاية فى لحظتها كافية للتعبير عما وصلت إليه حال المعارضة لنظام لم يلتفت إلى شعبه ولا يأبه بمطالبه. كانت كفاية، الفكرة وفلسفة التكوين، انسب ما يكون للترويكة التى كان ينبغى ان يتشكل منها النظام الجديد فى مصر بعد الثورة، فكفاية كانت ممثلة لكل الاتجاهات والتيارات لا تقصى أحدا، وتنبذ فكرة الحزبية ومصالحها ومطامعها، وانحيازاتها، لأن القائمين على الحركة فى البداية، كانوا يشعرون بعمق المأزق الذى وصلت إليه البلاد، لذا كانت هذه الحركة حركة مشاركة وطنية حقيقية، لم تتلوث بفكرة زعيم أو قائد لها، بل مجرد منسق لتنظيم العمل ولترتيب الفاعليات، ولأن الحركة كانت صادقة بالفعل فالتف حولها واستجاب لدعواتها جموع غفيرة من المصريين الذين كان بداخلهم شعور بكفاية لمبارك ونظامه.
الآن، ظهرت كفاية من جديد على السنة غالبية المصريين، لكنها للأسف، كفاية لا تتجاوز معناها اللغوى المباشر البسيط غير المركب مثل كفاية الاولى، الآن كفاية تذهب فقط إلى كفاية لعب وعبث بمقدرات الوطن والناس والبلد، كفاية اخوان وما يقولون، كفاية سلفيين وما يحرمون، كفاية معارضين وما يشتهون، كفاية حكومة وكفاية اولتراس وكفاية دم واحتجاجات وقطع طرق، كفاية حجارة ومولوتوف، كفاية كر وفر بين الداخلية والجماهير، كفاية أكاذيب لا تتوقف، كفاية تهديدات من بعض اعتبروا أنفسهم مشايخ الأمة، وكفاية تلويح من سياسين يعتقدون أنهم حكماء بنذر حرب اهلية واحتراب داخلى، كفاية ترويع للفقراء والبسطاء والآمنين، باختصار كفاية للخراب الذى بدا محاصرا للجميع، أى كانت الآيادى الذى تصنعه من حكومة او معارضة او حتى من بلهاء لا يعرفون ما يفعلون.
المطلوب، كفاية اخرى، كفاية فى الخبز والسولار، كفاية فى الأمن والأمان، كفاية فى الاستقرار، كفاية فى الاطمئنان للمستقبل، كفاية فى المستشفيات والعلاج، كفاية فى المدارس والتعليم، كفاية فى القانون والعدالة، باختصار كفاية فى اى منجز من المنجزات التى وعدت بها الثورة.
أعتقد أن دوام هذا الحال، من المُحال، وأعتقد أيضا أن الكثيرين، صبرهم آخذ فى النفاد، وأعتقد أن من بيده الأمر عليه أن يدرك كل ما تشير إليه كل هذه الكفايات، ولا يهملها مثلما فعل سلفه، فالعواقب لن تكون طيبة، والنتائج لن تكون سلمية على الجميع، وأعتقد أخيرا، أنه كفاية عدم فهم لما تطلبه الناس ولما تتوق له الجماهير التى «غُلب حمارها» مع كل ما هو سياسة وسياسيين، وهناك هتاف شهير كان يتردد فى ملاعب كرة القدم عندما كانت بريئة ومسالمة، عندما يصعب عليها حال فريق مهزوم.. «كفاية..حرام» وهو هتاف لا نتمنى سماعه، لأنه لن يكون الهتاف الساخر، بل الهتاف الغاضب قبل لحظات الانفجار.