كالعادة يواصل الإخوان بمهارة شديدة حشد أنصارهم فى القرى والنجوع والبنادر والمراكز والمدن استعدادا للانتخابات النيابية فى نهاية أبريل المقبل. وكما كان متوقعا، لم تخيب معظم القوى المدنية ظن خصومها، وتواصل بمهارة شديدة أيضا سياسة عدم الوضوح وتكتفى بحشد أنصارها فى ميادين المظاهرات خصوصا أيام الجمع.
هدف الإخوان الطبيعى والمنطقى هو الحصول على مقاعد فى البرلمان باعتباره المكان الذى تتقرر فيه السياسات وتسن فيه التشريعات، ويستطيع مراقبة الحكومات والرؤساء.
لكن هدف غالبية القوى المدنية ليس واضحا حتى الآن، هى بالطبع تريد مقاعد البرلمان لكنها لا تبذل الجهد الكافى للحصول عليها وتكتفى بمقاعد ستديوهات الفضائيات.
التواجد فى الميادين من أجل التظاهر وفى الفضائيات وسائر وسائل الإعلام من اجل انتقاد الحكومة مهم جدا، لكنه لا يستطيع أن يغير الواقع بمفرده، ولا يكفى بمفرده طريقا للتغيير إلا إذا كان الحشد بالملايين.
حالة الإخوان التى تحشد فى لجان الانتخاب وحالة القوى الليبرالية التى تحشد فى ميادين التظاهر ليست جديدة، بل تكررت بصورة كربونية قبل انتخابات مجلس الشعب الماضى.
فى أواخر العام قبل الماضى انشغلت القوى المدنية والثوار بالتظاهر، لكن الإخوان بطريقتهم البراجماتية تركوا الميدان وقتها وانشغلوا بالانتخابات، وحققوا هدفين بضربة واحدة، فازوا بالانتخابات وتركوا زملاء الميدان يؤدون لهم خدمة جليلة وهى الاشتباك مع وزارة الداخلية والمجلس الأعلى للقوات المسلحة فى أحداث محمد محمود الأولى ثم أحداث مجلس الشعب والوزراء فى قصر العينى. وهى الاشتباكات ورغم نبلها فقد أدت عمليا إلى تكسير أطرافها معا وكان المستفيد الوحيد هو الإخوان.
الآن أيضا ينشغل جزء كبير فى القوى المدنية بمعارك جانبية وينسون المعركة الأساسية وهى المستقبل، خصوصا البرلمان المقبل، والمستفيد الوحيد هو التيار الإسلامى، تظاهر المعارضة ضد سياسات الحكومة والرئاسة مهم لكنه ليس كل شىء. يمكن للمعارضة ان تحشد من أجل مظاهرة كبرى توصل فيه صوتها ومطالبها، لكن التظاهر المستمر يبدو صعبا ،خصوصا فى ظل غياب الحشود الضخمة والمنظمة عند القوى الليبرالية، كما انه يجعل الكثير من المتعاطفين البسطاء يصابون باليأس والإحباط، وهو ما يصب فى صالح التيار الإسلامى خصوصا الإخوان فى نهاية الأمر.
المثير للأمر ان القوى المدنية بدأت تواجه صعوبات فى الحشد الجماهيرى أثناء المظاهرات الرئيسية الكبرى وهكذا، قد تجد نفسها فى أزمة حقيقية إذا لم تراجع أساليبها فى المرحلة المقبلة.
على القوى الليبرالية ان تدرس بعمق الطريقة التى تلعب بها جماعة الإخوان سياسيا خصوصا فيما يتعلق بالانتخابات، هذه الجماعة لا تشغلها صورتها الراهنة بل بما ستحصل عليه فى المستقبل، ولذلك نرى أنها تضحى بما تعتبره خسارة بسيطة عندما تترك ميدان التظاهر وتتوجه إلى لجان الانتخابات لأنه الجائزة الكبرى.
وإضافة لذلك، فإن الجماعة تحشد أنصارها للتظاهر عندما تصل إلى قناعة بأن المظاهرات مهمة كى تبعث برسالة لخصومها أنها قادرة على الحشد الجماهيرى أيضا.
القضية الجوهرية هى متى تصل القوى والأحزاب الليبرالية إلى فهم المعادلة الصحيحة وهى ان تتظاهر عندما يكون التظاهر مهما،
وأن تحشد الأنصار أمام لجان الانتخاب عندما يحين أوان الانتخابات.
لا يوجد حزب جدى أو جبهة سياسية فى العالم يتعامل مع الانتخابات بمثل هذه الخفة، ويعتقد أن وظيفته هى التظاهر وليس الوصول إلى الحكم لتنفيذ برنامجه الا اذا اتخذ قرارا مدروسا ومترويا بأن مقاطعة الانتخابات أفضل كثيرا من المشاركة وان النظام الموجود لا يؤمن فعلا بالديموقراطية ،وبالتالى لا ينبغى مكافأته بإسباغ الشرعية السياسية عليه.