وجه 17 عالما ومفكرا إيرانيا رسالة إلى الرئيس المصري محمد مرسي، أعلنوا فيها استعدادهم لنقل التجارب العلمية المكتسبة في إيران إلى مصر .
وبعث هؤلاء العلماء والمفكرون الإيرانيون رسالتهم بالتزامن مع الذكرى الثانية لانتصار الثورة المصرية، الذين أوضحوا فيها التجارب التي اكتسبتها الثورة الإسلامية في إيران، لاسيما في مرحلة بناء نظام الحكم القائم على أسس الشريعة الإسلامية السمحاء، وكذلك الإنجازات التي حققتها إيران في ظل الحكومة الشعبية الدينية، في إشارة إلى المكتسبات العلمية موثقة بالإحصاءات التي نشرتها المؤسسات والمراكز العالمية المعنية، وفيما يلي نص الرسالة، وفقا لوكالة أنباء فارس الإيرانية:
بسم الله الرحمن الرحيم
فخامة رئيس جمهورية مصر العربية
الدكتور محمد مرسي المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد ...
نرفع إليكم أسمى التهاني، بالذكرى الثانية لانتصار ثورة الشعب المصري، والإطاحة بالحكم المستبد السابق، وبلورة دولة جديدة تعتمد القيم الإسلامية، كما نهنئكم بفوزكم في الانتخابات الرئاسية الديمقراطية، ونجاح التصويت لصالح دستور البلاد.
إننا شهدنا النجاحات التي حققها الشعب الإيراني العظيم، بفضل انتصار ثورته الإسلامية بقيادة الإمام الخميني، الراحل أعلى الله مقامه الشريف، الذي كان بحق حكيما وعارفا وعالما فذا قل نظيره في التاريخ، وكذلك شهدنا التجارب التي اكتسبتها إيران طيلة 34 عاما من عمر ثورتها الإسلامية وكفاحها المرير ضد الصهيونية والاستكبار العالمي، من أجل إرساء أسس نظام الجمهورية الإسلامية؛ لذلك نود أن نطرح على فخامتكم النقاط التالية:
1- لقد حقق العالم المتقدم نجاحات مادية جمّة، إلا أنه ما يزال يعاني من أزمات كثيرة على الأصعدة الفردية والاجتماعية، والتي يعود سببها الرئيسي إلى الابتعاد عن حقيقة الإسلام، وفقدان الإيمان بكتاب الله ومبادئه، أوالإيمان بشكل ناقص على أقل تقدير، ما جعله مصداقا ل"الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعضه".
2- أن العالم الغربي أصبح يدرك اليوم أهمية الدين وقيمه ودوره في شؤون المجتمع، كما هوالحال في الشؤون الصحية للفرد والأسرة والمجتمع على سبيل المثال، حيث تلاحظ التوجهات الدينية بين مختلف الأوساط الاجتماعية بصورة جادة، كما أن العودة إلى القيم الدينية، جاءت نتيجة للطرق المغلقة والتعقيدات التي آلت إليها عمليات التنمية والتطور، بسبب تجاهل هذه القيم والسقوط في أزمات اجتماعية حادة أحاطت بالعالم الغربي برمته .
3- إن مبادئ الإسلام تعتبر مرجعا لمعالجة جميع المشاكل على الصعيد الوطني والدولي، وبدون التمسك بعروته الوثقى، تنفصم جميع العرى ويتعرض الفرد والمجتمع لخسارة كبرى في جميع أرصدته الإنسانية والاجتماعية.
4- إن الأمور كلها ترجع إلى الله، وأن الإيمان والتمسك بالقدرة الإلهية المطلقة يكفل للإنسان تحقيق النجاح والسعادة في كلا الدارين، «إلى الله مرجعكم وهوعلي كل شيء قدير» (هود 4)، وإن العقل الإنساني قادر على أن يكون مصدر إشعاع وإلهام عظيم يستطيع إبداع ظواهر جديدة ذات فوائد تمتد تأثيراتها إلى كافة شؤون الحياة بمشيئة الله تعالى، «فمن يرد اللهُ أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يُضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصّعّد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون» (الأنعام 125).
5- إن الرؤية القائمة على مبدأ أصالة الإنسان أثبتت فشلها في الاستجابة لمتطلبات الإنسان لما يحمل من خصوصيات روحية ومادية، فلا يمكن تحقيق السعادة دون التوجه إلى الكمال المطلق الذي لا مصداق له سوى الله تعالى.
6- إن الولاية، في حقيقتها، لله تعالى ولرسوله ولأوليائه، وإن أفضل مناهج الحياة وأنماطها هوما يكون مستمَدّا من الولاية الإلهية، فأي نظام حكم يضع سياساته ويُنشئ مؤسساته ويخطط مناهجه في ظل الولاية الإلهية وأهدافها، سينجح في بلوغ الصلاح وتحقيق السعادة، وسيكون مصدرا للرقي والكمال، ولاشك أن هذا الطريق دونه، خرط القتاد - (الشيء الذي لا يُنال إلا بمشقة بالغة)، وسلوكه يتطلب جهدا مضنيا وعملا دؤوبا، كما يتطلب الاستعداد لتحمل صعوبات النضال في مقارعة الشياطين.
7- إن الإسلام أمانة كبرى، منّ الله بها على البشرية جمعاء، وإدراك حقائقه يثمر عن تحقيق السعادة الأبدية، وأنه دون التمسك بمبادئه، فإن جميع الشؤون المرتبطة بحياة الإنسان، سواء الفردية منها أوالاجتماعية والمجالات السياسية والاقتصادية والثقافية ستؤدي إلى السير في متاهات الضلال والضياع أوتحقيق تنمية ناقصة أوظهور مجتمع مشوّه . 8- إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بدأت مسيرتها على أساس محورية الإسلام وحضوره في كافة أركان نظام الحكم وجميع شؤون السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وأقامت قواعد حكمها على أسس الإسلام العظيم، وفي الأول من إبريل عام 1979 تم عرض نوع النظام الذي يريده الشعب بعد انتصار الثورة الإسلامية، على الاستفتاء العام حيث صوت الشعب الإيراني لصالح إقامة نظام الجمهورية الإسلامية بنسبة، 99.2%، وفي نوفمبر من العام نفسه، أجرى استفتاء آخر على دستور البلاد بعد صياغته من قبل مجلس الخبراء، فأحرز الأغلبية المطلقة أيضا.
9- إن المادتين الأولى والثانية، تعتبران من أهم مواد الدستور، حيث تنصان على تبني نظام الجمهورية الإسلامية مبادئ الإسلام وتشريعاته في كافة شؤون الحياة.
10- لقد نجح الشعب الإيراني، في تحقيق إنجازات كبرى خلال 34 عاما، بفضل تحليه بالحكمة وتمسكه بالجهاد والنضال المرير ضد الاستكبار العالمي وأعداء الإسلام والمسلمين، على الأصعدة الدولية، والتي من أهمها الصمود على مبدأ الاستقلال عن كافة القوى شرقيها وغربيها، والتصدي لمخططات الهيمنة على إيران الإسلامية، وفي هذا الصدد اعتمدت إيران مبدأ محوريا في سياستها الخارجية يتمثل بدعم المظلومين في جميع أنحاء العالم، لاسيما الشعب الفلسطيني المضطهد، كما أن إيران، دفعت ثمنا باهظا بسبب صمودها على هذه السياسة، حيث فرضت عليها الحرب والحصار الشامل وتعرضت لضغوط دولية واسعة.
11- لقد استطاعت إيران تحقيق إنجازات تنموية رائعة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والإعمارية، وبالرغم من فرض حرب طاحنة عليها استمرت ثماني سنوات، إضافة إلى فرض مختلف أنوع الحصار والحظر على الصعد الاقتصادية والسياسية إلا أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تفخر اليوم بنجاحها في معالجة الفقر واجتثاثه من جميع المدن والأرياف، وحازت في ذات الوقت على مكانة مرموقة في مختلف العلوم والتقنيات الحديثة، بفضل تمسكها بقيم الإسلام السامية وتبعية الشعب لنهج الإمام الخميني، وقيادته الحكيمة، ومن بعده آية الله العظمى الخامنئي، ونشير هنا إلى بعض هذه الإنجازات:
- تؤكد الإحصائيات الرسمية لليونسكو، أن إيران الإسلامية تفوقت على أربعة أخماس دول العالم في المجال التعليمي حيث أصبح العمر المأمول للدراسة يتراوح ما بين 13 و16 عاما، وبلغ إجمالي نسبة المتعلمين لدى جيل الشباب من 95 إلى 99%، و85 إلى 95%، بالنسبة لكبار السن، إضافة إلى أن النساء المتعلمات في البلاد فاقت إجمالي بلدان العالم بنسبة 55 إلى 75% فيما كانت لا تتجاوز نسبة المتعلمين في إيران 28% قبل انتصار الثورة الإسلامية .
- إنه بحسب ما أعلنته منظمة ساينس متريكس، وقسم التجارة والتطوير والمهارة التابع للحكومة البريطانية ومؤسسة إسبرينغر، استطاعت إيران تحقيق نمو بنسبة 4/14% في مجال العلم وفروع التكنولوجيا، خلال العقود الثلاثة الماضية، وبذلك سجلت أعلى نسبة في نمو الإنتاج العلمي على الصعيد العالمي، إن إيران أصبحت تتبوأ حاليا المرتبة السادسة عشر في مجال الإنتاج العلمي على المستوي العالمي، بعد أن كانت في مرتبة متدنية لم تتجاوز الثانية والخمسين قبل انتصار الثورة الإسلامية، واعتبرت المؤسسة الوطنية الأميركية للعلوم التقدم العلمي السريع في إيران، على صلة بتطور التكنولوجيا والآليات والمعدات وتقنية الاتصالات في هذا البلد، فضلا عن الوفرة في الإنتاج العلمي. - تتوفر إمكانية الوصول إلى الإنترنت في إيران حاليا ل 42 مليون مواطن (نسبة الانتشار53%) وبذلك حازت على المرتبة الأولى في الشرق الأوسط والتاسعة عالميا، كما تحتل المرتبة التاسعة عالميا من حيث النمو في إمكانية الوصول إلى الإنترنت .
- إنه بحسب ما أعلنته منظمة يونيدو، فقد تبوأت إيران المرتبة الأولى عالميا في مؤشر التطور الصناعي حيث سجلت نموا بنسبة 0،54%، وبلغ إجمالي الناتج المحلي السنوي 15 ألف دولار أميركي لكل شخص حيث تفوق إيران في مرتبتها على هذا الصعيد ثلاثة أرباع دول العالم، وفي سياق المقارنة بين الإحصائيات المالية الإيرانية قبل الثورة الإسلامية وبعدها، يؤكد تقرير البنك الدولي على حصول نمو سريع في مختلف مؤشرات التنمية في البلاد، فعلى سبيل المثال، تجاوز مؤشر إنتاج المحاصيل الزراعية 110 وحدات، حيث سجل نموا بنسبة أكثر من 600% فيما كان هذا المؤشر لا يتعدى 18 وحدة قبل انتصار الثورة الإسلامية.
- ومن النجاحات التي تحققت في إطار "وثيقة آفاق التنمية العشرينية للجمهورية الإسلامية الإيرانية" و"خارطة طريق التقدم العلمي"، يمكن الإشارة إلى التقدم الذي أحرزته إيران في مجال التكنولوجيا النووية واستخداماتها السلمية في مجالات الطاقة النظيفة والطب والزراعة، وكذلك التقدم العلمي في مجال الخلايا الجذعية وتطبيقاتها في الطب وتكنولوجيات النانو والبيئة، وفي 2005 نجحت إيران الإسلامية في الانضمام لنادي البلدان المالكة لتكنولوجيا صناعة الاقمار الصناعية وإطلاقها إلى الفضاء، حيث أصبحت الدولة التاسعة في العالم، وحازت إيران أيضا على تكنولوجيا دورة الوقود النووي وتخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، وتقنية 150 نوعا من السوائل الإيونية ذات الاستخدامات الواسعة، وصهر الصلب بتقنية فرن القوس الكهربائي، وتكنولوجيا حفر آبار النفط والغاز في المياه العميقة (800 إلى 1000 متر)، وبناء السدود والمحطات الكهرومائية الضخمة حيث تعد كل هذه الإنجازات نماذج من تحقق خطط وثيقة آفاق التنمية العشرينية للبلاد . - إن حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وضعت في أولويات خططها "خطة التنمية الاقتصادية" و"الاقتصاد المقاوم" بهدف نيل التقدم إلى جانب تحقيق العدالة الاجتماعية، وكذلك إصلاح أنظمة الدعم الحكومي، والضرائب، والجمارك، والمصارف، وتوزيع السلع والخدمات، ودعم العملة الوطنية.
إننا نعتبر الإنجازات الهائلة التي تحققت في كافة المؤشرات بجانبيها الكمي والكيفي في إيران الإسلامية، بفضل التجارب التي اكتسبتها الثورة الإسلامية في أحداث التوازن بين شؤون الفرد والمجتمع، وفي هذا السياق أعدت الدولة برنامجا شاملا يهدف ل"بناء الحضارة الإسلامية الحديثة"، وهو برنامج طويل الأمد يعتمد نماذج لتحقيق التقدم الشامل، يقوم على المبادئ الإسلامية السامية في جانبيها النظري والعملي، ويختلف عن الأساليب والأنماط الدخيلة التي فرضها العالم الغربي والصهيونية الدولية تحت عناوين مؤشرات ومعايير التنمية.
صاحب الفخامة :
إن العلماء والمفكرين الإيرانيين، يؤكدون استعدادهم في وضع ما بحوزتهم من تجارب وخبرات علمية هائلة، بتصرف حكومتكم الموقرة والشعب المصري المسلم الشريف، وإيمانا منهم بقوله تعالى «إنما المؤمنون إخوة» (الحجرات 10)، فإنهم على قناعة تامة بأن العالم الإسلامي يمتلك من الطاقات والإمكانيات والكفاءات ما يؤهله للرقي إلى مرتبة وضع الحلول لمختلف مشاكل العالم وإنقاذه من التحديات وتحقيق السعادة له، كما أن إثارة النعرات الطائفية بين المسلمين بمثابة فتنة كبرى ومخطط يحيكه أعداء الإسلام والمسلمين بأساليب مختلفة للنيل من تقدمهم .
وفي ضوء ما تقدم، ندعو فخامتكم، باعتباركم شخصية عقائدية حكيمة، تضطلع برئاسة دولة ذات تراث عريق وحضارة إسلامية مجيدة، أن تجعلوا الإسلام العظيم الأساس في إدارة جميع شؤون الدولة، دون الاكتراث بالضغوط الدولية وما يسمى بالحركة التنويرية المتأثرة بفكرة فصل الدين عن شؤون السياسة والثقافة والاقتصاد. «من كان يريد العزة فلله العزة جميعا، إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور» (الفاطر 10).
العزة والشموخ لمصر المسلمة حكومة وشعبا ولجميع المسلمين، ودوام الصحة والسعادة لشخصكم.